وادي مار أنطونيوس قزحيّا- 1896
تلقّيت عبر البريد الإلكترونيّ رسالة تتضمّن صوراً للسيّد المسيح والعذراء مريم، مع نصّ يدعو إلى توزيع هذه الصورة على عشرة أشخاص، وإلاّ فسأتعرّض لمصائب استفاض النصّ في وصف أنواعها وشدّتها، وأعطى أمثلة عمّا أصاب مَن أهملها، وأمثلة أخرى عمّن التزم التعليمات وأرسل الصورة إلى عشرة آخرين فتحقّقت أمنياته. قرأت بتمعّن لائحة الأسماء التي أرسل إليها النصّ، بالإضافة إليّ، فوجدت أنّها تضمّ أكثر من ثلاثين شخصاً، كأنّ المرسِل أراد أن يضمن خلاصه وخلاص أكبر عدد من أصدقائه. ثمّ توالت الرسائل التبشيريّة وتنوّعت أساليب الترغيب والترهيب، واختلط حابل الديانات بنابل المذاهب حتّى صار "اللابتوب" أقرب إلى برج بابل.
الأمر ليس جديداً، كما قد يبدو للبعض وإن أخذ اليوم طابعًا سريعًا عبر وسائل الاتّصال. فكثيراً ما كنّا نجد في حقائبنا المدرسيّة رسائل مشابهة يطلب منّا فيها أن ننسخها ونوزّعها لكي نحصل على النِعم وننجو من الشرير. ويبدو أنّ وسيلة النشر هي المتغيّر الوحيد في سلسلة الثوابت التي يتعلّق بها الوجدان ويعصى فهمها على العقل والمنطق. فإذا كان الله أكبر وفق إيمان عدد كبير من الناس، فهو أكبر من كلّ سخافاتنا وجهلنا، وإن كان الله محبّة كما يصفه عدد كبير آخر فلن يؤذي خليقته، فكيف إذا كان السبب عدم إرسال نصّ وصورة؟.الغريب في أمر هذه "التهديدات" أنّها تنذر بالعقاب الشديد نفسه كلّ من ينسى أمر الرسالة أو يهملها أو يمحوها أو يتأخر في إرسالها. أمّا أخطر ما في الأمر، فهو أنّ شريحة كبرى من الذين يدّعون الإيمان والوعي يقعون تحت تأثير لهجتها الصارمة، فيقنعون أنفسهم بأنّهم لن يخسروا شيئًا من تنفيذ الطلب، ويحاولون تبرير ذلك بأنّهم ربّما بذلك يعوّضون عن تقصير في واجباتهم الدينيّة، أو يكفّرون عن خطيئة ارتكبوها.
ولا نستطيع إزاء ذلك إلاّ أن نسأل كيف يستطيع الإنسان العاقل أن يقنع نفسه بأمرين متناقضين إلى هذا الحدّ: أن ينشر الدين بلغة الوعيد التي لا تحترم البشر، وأن يرسل صورة المسيح المصلوب المتألّم عن البشريّة!.تسيء هذه المحاولات "التبشيرية" إلى الدين، كلّ دين، أكثر ممّا تطمئن قلوب الناس إليه، فهل يحتاج الناس إلى مزيد من الخوف؟ غير أنّ القلق ليس هنا، بل في محاولة الإجابة عن الأسئلة الآتية: إذا كانت هذه الرسائل أو سواها تترك مثل هذا الأثر على مجموعات كبيرة من الناس تتبادلها وتوزّعها، وإذا كانوا فعلاً خائفين من انتقام الله، فلماذا لم يخافوا قبل الرسالة ولم يخافوا بعدها؟ وإذا كان الخوف من الله، كما يتبدّى هنا، وحّد ما بين المتعلّم والجاهل والكبير والصغير، فهل نعجب إن عمد بعض الأصوليّين المتزمّتين، من مختلف الطوائف والمذاهب، إلى استغلال هذا الخوف بغية السيطرة على العقول ومنعها عن التفكير والمساءلة؟ وأين راح تأثير سادة العِلم والفكر والمنطق الذين أفنوا أعمارهم وهم يحاولون نقل شعبنا من مستنقع الشرق القديم إلى الشرق الجديد، وفق ما عبّر عنه في جماليّة مطلقة الشاعر اللبنانيّ خليل حاوي في قصيدة "الجسر" التي أنشد مقطعاً منها الفنّان مارسيل خليفة: يعبرون الجسر في الصبح خفافاً/ أضلعي امتدّت لهم جسراً وطيد/ من كهوف الشرق من مستنقع الشرق/ إلى الشرق الجديد/ أضلعي امتدت لهم جسراً وطيد.
ولمن يهمّه الأمر، لن يخيفني هذا "المسيح" الذي يقتحم بريدي الإلكترونيّ مهدّدًا متوعدّاً، ولن ترعبني أمّه التي لا تبتسم، فكلاهما نقيض صديقي المسيح "المهضوم" الذي يفهم شغفي وتساؤلاتي وغضبي وأمّه القدّيسة، شبيهة أمّي، التي تحفظ كلّ شيء في قلبها ولا تحفظ ضغينة لأحد.
هناك 5 تعليقات:
kteer 7abet...3anjad ghareeb 2adeh l 3alam byefza3o mn hek mails w ma 3andun abadan meshkleh ykazbo malyun kezbeh bl nhar w ya3mlo mleyeen l khataya w yhino l Masee7...
KIL MACHKAL MA3 ZOUJATI BKOUL YA RAYT NAKALTOUN .
شكرًا لصاحب (ة) التعليق الأوّل: أكثر رجال الدين، ومن كلّ الطوائف والمذاهب، يريدون أن يبقى الناس خائفين. وهنا يأتي دور الفكر الذي يجب أن يتمتّع به الإنسان ليجعله في منأى عن هذا "التخويف"
ولصاحب التعليق الثاني: بعض الخلافات الزوجيّة لا ينفع معها مئة كتابة وملايين النسخ. السماء نفسها تعتزل فضّ هذه المشكلات
ههههه
اللعنة على حملة مشاعل جنرالات الجحيم
كنت أحسب أن هذه العينة عندنا فقط بمصر التى تحذر من عدم نشر رؤية الشيخ شحتوت أو بطوط أو كتكوت عندما جاءه الحسين راكبا فرسه أو السيد البدوى ملتحفاً جلد أسد
ويتوعدون ويرهبون ... رحمة الله لهذه الشعوب كم جلاد يجلدها بأسم السلطان وباسم الإنجيل والقرآن
ولو صدقوا ماخلقنا الله إلا ليرحمنا
...
سلامى لمن عقل
يا صديقي نور الدين، رجال الدين صور منسوخة طبق الأصل عن بعضهم ولأيّ مكان أو زمان انتموا. والناس مع الأسف اسرى مخاوفهم وما زُرع في رؤوسهم من أمور لا علاقة لها لا بالدين ولا بالفكر ولا بالإنسان
إرسال تعليق