نصوص ومقالات نشر أكثرها في الصحف والمجلاّت اللبنانيّة والعربيّة بعضها باسم مستعار هو مي م الريحاني
الجمعة، 30 سبتمبر 2011
ربيع جابر يطارد أطياف الحرب
الخميس، 29 سبتمبر 2011
من محبرة الليل (3)
منحوتة لرودان |
حين يصير التقليد اجترارًا
الأربعاء، 28 سبتمبر 2011
لست قدّيسة
أخيرًا وجدت مكاني المفضّل الذي لا يوجد فيه أحد سواي!
هناك، تحت، لا فرق أين، سأكون أخيرًا وحدي، لن يزعجني أحد، لن يكلّمني أحد، لن أضطرّ للإجابة على أحد، ولن أصلّي كلّ أحد!
كلّ الناس صاعدون إلى السماء ما عداي:
القدّيسون والطوباويّون والمكرّمون والأولياء ورجال الدين من مختلف الطوائف والمذاهب والرتب والمقامات، والراهبات والمحجّبات والشيخات، والمتجدّدون بالروح وأنقياء القلوب والودعاء والأصوليّون والمبشّرون والملتحون وفاعلو الخير وناشرو السلام ومقدّمو البرامج الدينيّة والمرتّلون والمنشدون، والفرسان والزنابق والطلائع وأعضاء الأخويّات والجمعيّات الخيريّة...
الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء والسياسيّون وقادة الجيوش، والإعلاميّون والمعلنون والجنود والأطبّاء والمهندسون والمحامون، والمطربون والمطربات والراقصون والراقصات والممثّلون والممثّلات والممرّضون والممرّضات الرياضيّون والتلاميذ والمعلّمون والكشّافة...
الشهداء والمرضى والمعاقون والأسرى والمعتقلون والسجناء والمخطوفون، والمتطوّعون في الصليب الأحمر والهلال الأحمر وكاريتاس ودور الأيتام والعجزة والمبرّات، والحزبيّون والأنصار والمؤيّدون والمتقاتلون على مختلف الجبهات...
الأمناء العامّون والمدراء العامّون والرؤساء العامّون، والعاهرات والقوّادون والمدمنون والمنتحرون والعراة والشاذّون...
الآباء والأمّهات والإخوة والأخوات، والعجزة والرضّع،
وسائر خلق الله (أعتذر لعدم تمكّني من رؤية الجميع بسبب الازدحام على طريق السماء)، وكلّ كائن بشريّ ولد وعاش ومات منذ فجر التاريخ،
كلّ واحد من هؤلاء صاعد إلى نعيم الفردوس لأنّه لم يؤذ نملة، ولم يرتكب خطيئة، ولم يتفوّه بكلمة مهينة، وحين أسمعهم يتحدّثون عن أعمالهم ومآثرهم وتضحياتهم ومعاناتهم، وحين يعظون في شؤون المحبّة والعفّة والفقر والطاعة والعائلة وطيبة القلب ونظافة الكفّ ونقاء السريرة والصبر والفرح، أخجل من نفسي إذ أكتشف كم أنا خاطئة! يا إلهي! كم أنا خاطئة! ثمّ أفرح لأنّني وجدت مكاني المفضّل حيث لا يستطيع الشيطان نفسه (الملاك سابقًا) أن يزعجني لأنّ كلّ مملكة تنقسم على نفسها تخرب، أو ربّما لأنّني الزبونة الوحيدة في ديار البلاء الخالية، إلاّ منّي.
كلّ واحد منهم عمل في سبيل نشر الإيمان القويم ومصلحة الوطن وخير البشريّة والمحافظة على البيئة، كلّ واحد "قلبو أطيب من التاني" ويحبّ الجميع ولا يريد الشرّ لأيّ إنسان، ولا يتمنّى المرض والموت لأيّ كان. لا أحد زنى، لا أحد عبد ربّين، لا أحد سرق، لا أحدّ قصّر في واجباته، لا أحد اشتهى مقتنيات غيره....إلاّ أنا.
نعم، أنا الآثمة الوحيدة، والمجرمة الوحيدة، والحاقدة الوحيدة، واللئيمة الوحيدة، والكارهة الوحيدة، والمعتدية الوحيدة، والغاضبة الوحيدة، وكلّ الآخرين ملائكة تشعّ الهالات فوق رؤوسهم وتغنينا عن الكهرباء وضوء الشمس ونور القمر.
نعم، أنا الكاذبة الوحيدة، والمخادعة الوحيدة، والشريرة الوحيدة، والعاهرة الوحيدة، والظالمة الوحيدة، والسارقة الوحيدة، والكافرة الوحيدة، وكلّ الآخرين مظلومون وضحايا وأبرياء ومساكين، فطوبى لهم لأنّ لهم ملكوت السماوات.
نعم، أنا كلّ ذلك وأكثر ممّا أخجل من ذكره، ومستعدّة لدفع ثمن أخطائي وخطاياي والإقامة في سجن إفرادي شاسع وهادئ وصامت وفسيح، بعيدًا عن الازدحام على طريق السماء حيث يسلّم الناس على بعضهم في محبّة وشوق وابتسامة: وينكن ما عدنا شفناكن؟ وحيث الغناء والفرح والضجيج وتبادل التحيّات في صوت عال كي يسمع من ليس له أذنان سامعتان.
نعم، ومن على صفحة الصحيفة أعترف بآثامي وذنوبي وأتحمّل مسؤوليّة الشرّ في العالم: الظلم والفوضى والغباء والعهر والنميمة والحقد وكلّ ما يمتّ إلى ذلك بصلة. فمن غير المعقول أن تقع كلّ هذه الأفعال من دون فاعل! لا يعقل ألاّ يكون أحد قد ارتكب كلّ هذه المآسي والفظائع والمجازر والتعديّات والسرقات وتخريب المؤسّسات ونشر الأمراض وتعنيف الأولاد وتضليل المراهقين وتعذيب السجناء واغتصاب القاصرين والقاصرات وإطلاق الشائعات وبيع المخدّرات.
وحدي ارتكبت كلّ ذلك. وكلّ الآخرين، كلّكم، أبرياء لا دم على أيديكم ولا افتراء على ألسنتكم! فاصعدوا كلّكم إلى السماء مكافأة لكم، وسأنزل وحدي إلى الجحيم وأنا أردّد: الحمد لله لأنّني لست قدّيسة! الحمد لله لأنّني لست قدّيسة!
طلبت منّي أمّي أن آخذها لزيارة مار شربل في "عنّايا"، فقلت لها: يا قدّيسة أمّي، لو بقينا في زبدين - جبيل لهان الأمر، ولكنّ والد جدّي أصرّ على المجيء إلى بعبدا فبعدنا عن أرض القدّيسين، فاطلبي من مار شربل أن يزورك في بيتنا لأنّ المواصلات عنده مؤمّنة مجّانًا، أمّا نحن الخطأة فسندفع مبلغًا محترمًا ثمن تنكة البنزين (أمّي لا تعرف كلمة صفيحة، ولكنّها تعرف أنّي عاطلة عن العمل).
الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011
عن حريّة السعوديّات وشقيقاتهنّ
حريّة المرأة السعوديّة ليست هدفًا بل وسيلةٌ لتحرير المجتمع كلّه من الجهل والتعصّب والظلم. أعرف أنّ سعوديّات كثيرات يعرفن ذلك، الخوف (من) و(على) الشريحة الكبرى من النساء اللواتي يتناسين (أو يجهلن) أنّ الحريّة مسؤوليّة. والمفارقة أنّ البلد الذي لم يسمح للمرأة بعد بقيادة السيّارة أعطاها دورًا تمثيليًّا في الحياة السياسيّة. وتفسير ذلك بسيط: فقيادة السيّارة شأن يطاول الحياة العائليّة والاجتماعيّة ويمكن أن يثير تغيّرات في العلاقات الأسريّة لا تريد الحكومة أن تتلهّى بتفاعلاتها ونتائجها. في حين يأتي القرار المهمّ (من فوق) بأن يقود الرجل سيّارة المرأة ليوصلها إلى حيث تُسمِع صوتها وتعطي رأيها وتحدث الفرق. ومن المنطقيّ أن يكون صوتها هناك أهمّ من بوق السيّارة في الشارع، مع الإشارة إلى أنّ المرأة اللبنانيّة قادت السيّارة قبل سواها من شقيقاتها العربيّات ومع ذلك لم تصل إلى المجلس النيابيّ أو الوزارة إلّا بالوراثة عن أبيها أو زوجها أو لكونها محسوبة على فلان أو فلان من الزعماء، تدلي بصوته لا بصوتها.
التغيّرات لا بدّ آتية، في السعوديّة وسواها. حركة المجتمع ليست هبة من أحد، إنّها ميزة طبيعيّة فيه. والعبرة في أن تتّعظ المجتمعات من تجارب سواها وتتعلّم منها.
حركة تحقير المرأة
( نشر هذا النصّ إثر مقتل المغنيّة سوزان تميم)
الصورة التي نشرتها المجلّة الإلكترونيّة "إيلاف" يوم الثلاثاء 20 أكتوبر 2008 للمغنيّة سوزان تميم وهي مذبوحة سُحبت عن الموقع في اليوم التالي مع الاعتذار من القرّاء. ليت الأمر بالنسبة إلى ذاكرتنا في مثل سهولة كبسة الزرّ التي محت الصورة عن الشاشة. ولكن يبدو أنّ هذا هو الثمن الذي علينا أن ندفعه إن أردنا أن نرى أكثر ونسمع أكثر لنعرف أكثر، غير أنّ الجميلة التي اعتدى عليها الذئب في غابة المال والأعمال، والأميرة النائمة في انتظار قبلة الأمير، ستبقى لغزًا لا يريد أحد أن يحلّ عقدته.
من الذي أوصل سوزان تميم إلى هذه "الصورة"؟ حريّة الصحافة أم حريّة المرأة أم "حريّة" ممارسة السلطة؟ وهل نضع الحقّ في ما أصاب الصبيّة على التحرّر ونقول أنّ ذلك هو ما أوصلها إلى المصير الذي رأيناها فيه؟ وهل نستغلّ هذه الجريمة البشعة لنطلق النظريّات حول حريّة المرأة وحدود هذه الحريّة وشروطها وقوانينها؟ لا شكّ في أنّ كثيرين فعلوا ذلك وسيفعلون وسيلقون اللوم على عمل المرأة وخصوصًا في المجال الفنيّ، وينسى هؤلاء ما كنّا نراه صغارًا في أفلام فاتن حمامة (قبل أن نقرأ الروايات التي صارت أفلامًا) حين كانت الاعتداءات تقع في الحقل وفي القرية ومع الفلاّحات البسيطات وفي زمان الأبيض والأسود قبل أن تتلوّن مخيّلتنا بألوان القصص وحكايات النجوم والمشاهير.
ولكن ما يدعو إلى التفكير، بعيدًا عن هذه القضيّة بالتحديد، هو وهم الحريّة لا الحريّة في حدّ ذاتها. فأن تتحرّر المرأة العربيّة من سلطة والدها لتقع تحت سلطة صديقها الثريّ لا يعني أنّها حقّقت ذاتها وأحلامها. فما دامت المرأة تحتاج إلى الرجل، أيّ رجل، كي يغدق عليها الأموال، ويحمل إليها الهدايا، أو في كلّ بساطة كي يؤمّن لها قوت يومها، فذلك يعني أنّها ليست حرّة بعد. فخلع الملابس أسهل أنواع التحرّر، ألا تخلع الأشجار أوراقها مع هبوب الريح؟ وممارسة الجنس أسهل أنواع التحرّر ألا تتكاثر الحيوانات وتتناسل لأنّها تمارس الجنس أيضًا؟ والصراخ في الشوارع والتعبير عن الرأي أسهل أنواع التحرّر، ألا تصرخ العواصف في الليل؟ ألا يصدر البحر الهائج أصواتًا تعبّر عن ثورته؟ والبركان؟ ألا يقذف الحمم تعبيرًا عن غليانه؟
الحريّة شيء مختلف تمامًا، ولا تكون إلاّ في الترفّع عن الأمور الماديّة إلى درجة الزهد بمتاع الدنيا، أو الاكتفاء الماديّ حتّى لا تضطر المرأة إلى اللجوء إلى أحد، أيًّا يكن هذا "الأحد". فالانتقال من ذراعي رجل إلى ذراعي آخر لا يعني أنّ المرأة حرّة تستطيع أن تفعل ما تشاء، والمتاجرة بالمخدّرات لا تعني أنّ المرأة حرّة وتستطيع العمل في أيّ مجال، والتبادل الذي تدّعي بعض النساء أنّه من طبيعة الحياة لا يعني أنّ المرأة حرّة تستطيع أن تقدّم جسدها في مقابل المجوهرات، أو أفكارها في مقابل الطعام، أو رفقتها في مقابل الملابس وعمليّات التجميل وما تؤمنّه من علاقات عامّة وشهرة.
وما لم تفهم المرأة أنّ اكتفاءها الماديّ من دون أن تكون "مديونة" لأحد هو السبيل الوحيد لتحقيق ذاتها، فستبقى عالة على المجتمع وستبقى أسيرة ولو كانت قيودها من ذهب. ولن يغيب عن البال أنّ العبوديّة عبوديّة أكانت لربّ العمل أم لربّ البيت، والأسر أسر أكان ذلك في المنزل الوالديّ أو الزوجيّ أو في الشركة أو المعمل أو المدرسة أو الجامعة، والارتهان ارتهان أكان ذلك من أجل زعيم أم من أجل ثوب أم من أجل سرير.
تتساءل النساء في عالمنا العربيّ عن سبب حرمانهنّ من حريّتهنّ، ويلقين اللوم على الرجل. معهنّ حقّ، ولكنّ الرجل الذي تهرب منه المرأة كوالد هو الصديق الذي تلجأ إليه الجارة، والزوج الذي تهرب منه المرأة بسبب عنفه هو الرجل نفسه الذي ترتمي عشيقته عند قدميه، والأخ الذي تهرب منه المرأة لقسوته هو نفسه الشاب الذي تتحرّش به صديقتها. ولأنّ الرجل يعرف ذلك، ولأنّه يعرف أنّ المرأة العربيّة لم تتصالح بعد مع نفسها وعقلها وجسدها، ولأنّه يعرف أنّها أسيرة رغباتها قبل أن تكون أسيرة رغباته وأنّها تحتاج إليه طوال الوقت في حين يحتاج هو إليها لبعض الوقت، لأنّه يعرف كلّ ذلك لم تستطع المرأة أن تحقّق ذاتها بل لا تزال تمعن في تحقير هذه الذات وإذلالها.
الاثنين، 26 سبتمبر 2011
من أجل بقاء الجامعة اللبنانيّة
نشرت هذه المقالة في صحيفة النهار، الاثنين 15 كانون الأوّل 2003، وبما أنّ التاريخ يعيد نفسه خصوصًا عند الشعوب التي لا تتعلّم من أخطائها، يمكنني في سهولة أن أعيد نشرها مع احتمال إضراب جديد في الجامعة اللبنانيّة، في مقابل موسم جديد حافل من البرامج التلفزيونيّة والصراعات السياسيّة على حساب التربية والتعليم.
***
من الجامعة اللبنانيّة إلى أكاديميّة النجوم "ستار أكاديمي"
صحيح أنّ الجامعة اللبنانيّة مقفلة بسبب إضراب الأساتذة، لكنّ "ستار أكاديمي" فتحت أبوابها، والدروس فيها تتواصل أمام كاميرات ترصد كلّ حركة وكلّ كلمة وكلّ إشارة.
وصحيح أنّ سبعين ألف طالب لبناني ينتظرون العودة إلى الصفوف، لكنّ ستة عشر مشتركًا من جنسيّات عربيّة مختلفة يتابعون دروسهم في انتظار تألّق نجم منهم، في حين تلاحق تفاصيل حياتهم اليوميّة ملايين العيون القلقة، المترقّبة، المنتظرة، الباكية شوقًا أو تأثّرًا، فلمَ الخوف إذن على التربية في لبنان؟
لا يعني هذا الكلام أنّ على "المؤسّسة اللبنانيّة للإرسال" أن تعمل على حلّ مشكلة الجامعة اللبنانيّة، ولا أحد ينتظر منها بالطبع أن تفعل ذلك، بل نتوقّع منها أن تعسى إلى إنجاح البرنامج، أيّ برنامج، بكلّ الوسائل المتاحة، ومهما كانت الظروف التي ترافق الإعداد له وعرضه. إنّما لا يمكن أن تمرّ مناسبتا إضراب الجامعة وافتتاح عروض "الأكاديميّة" من دون التوقّف عندهما.
فحين تنافس الجامعات الخاصّة الجامعة الوطنيّة وتنمو على حسابها وتكبر وتزدهر، وحين تنافس التلفزيونات الخاصّة تلفزيون الدولة بعدما استولت على تاريخه وذاكرته ومحفوظاته، وحين يجلس المواطن الممنوع عن جامعته أمام التلفزيون ليتابع دروس الحالمين بالشهرة والمجد والوقوف على المسارح، حين يحصل كلّ ذلك لا نستطيع إلّا أن نلقي اللوم على أنفسنا.
لا شكّ في أنّ الطالب في الجامعة اللبنانيّة يحسد أولئك الذين أنعمت عليهم السماء بصوت جميل (؟) يسمعه المسؤولون في حين بحّ صوته من الصراخ في الشارع مطالبًا بالعودة إلى صفّه، من دون أن يعيره أحد أيّ اهتمام. وهو يغار من أولئك الذين نخصّص لهم ساعة من الوقت كلّ ليلة لنكتشف خلالها كيف يأكلون وكيف ينامون وكيف يتشاجرون وكيف يتخاطبون وما لون ملابس نومهم وموعد استحمامهم ونصائح ضيوفهم – وكثر منهم من خرّيجي الجامعة اللبنانيّة – في حين يمرّ الخبر عن الإضراب في نشرات الأخبار سريعًا ومختصرًا.
المشكلة ليست في عرض برنامج هو نسخة لبنانيّة عن أصل أجنبيّ، فعشرات الهواة يشاركون في نسخه الموزّعة على أكثر من بلد ويطمحون إلى النجوميّة. وهذا أمر جدّ مقبول ومفهوم، ونفهم كذلك أن يشارك في أكاديميّة الفنون طلاّب من دول عربيّة جامعاتها الوطنيّة موجودة ومفتوحة الأبواب. أمّا أن نفتح نحن اللبنانيّين أكاديميّة لبضعة طلاّب ونصرف عليهم ثروات طائلة ونبني لهم غرف تدريس نموذجيّة فأمرٌ يعجز المنطق عن قبوله في وقت ينتظر الطلاّب الجامعيّون عودة المسؤولين من عطلهم، وفي وقت تهدّد المدارس الخاصّة بالتوقّف عن التدريس ما لم تحلّ مشكلة صندوق التعويضات للمعلّمين (في 2011 هناك زيادة على الأقساط).
هنيئًا لنجوم "ستار أكاديمي" فثمّة سبعون ألف طالب لبنانيّ يحسدونهم ويتعلّمون منهم. والعدد إلى ارتفاع.
السبت، 24 سبتمبر 2011
ليس حبّا هذا الذي تصفه الروائيّات العربيّات
الرواية النسائيّة العربيّة لا تتحدّث عن الحبّ، ولا تتحدّث عمّا يصاحبه من حنان وأمان وتفاهم ووضوح وحريّة وقوّة ومعرفة. فما يوجد الآن في أسواقنا الأدبيّة حالات مرضيّة خطيرة مقتنعة بأنّها قصص حبّ وعشق.
وإذا كان من المتوقّع وجود هذه الحالات المرضيّة في المجتمع النسائيّ العربيّ فلا يعني ألاّ تسلّط الروايات الأضواء على شخصيّات نسائيّة عاشت قصص حبّ حقيقيّة وتصلح كي تكون قدوة ومثالاً. صحيح أنّ الأدب ليس دروسًا في علم الاجتماع وحسن التصرّف ولكن يجب أن يفتح ذراعيه لروايات تبيّن أنّ ثمّة نساء عرفن الحبّ المجبول بالكرامة والتحدّي والمواجهة والقدرة على النجاة من سطوة الأحلام أو قسوة الكوابيس.
نعم، المرأة العربيّة أسيرة التقاليد، ولكنها كذلك تستغلّ هذه التقاليد لمصلحتها ساعة تريد.
نعم، المرأة العربيّة ضحيّة الرجال، ولكنّها الضحيّة التي تستلذّ ألمها وتستعذب معاناتها وتستفيد من صورتها هذه لتنصرف إمّا إلى الكسل والاتكاليّة أو إلى استدرار العطف وكسب التأييد.
وعندما لا تفعل ذلك، تمضي حياتها وهي تتحدّى كلّ ما حولها لتثبت لغيرها قبل نفسها أنّها تملك من الإمكانات ما يجعلها تستحقّ أن تكون مساوية للرجل.
ليس حبًّا هذه الانهيارات العصبيّة وحالات الجنون وتدمير الذات. ليس حبًّا هذا الشعور المترافق مع الخوف والقلق والحذر والاختباء والهرب. ليس حبًّا هذا الذي يدمّر المرأة ويضعفها. ليس حبًّا ذلك الشعور الذي يجعل المرأة "تشعر" بأنّها جميلة، إنّه وهم الحبّ المخادع كسراب الصحراء. الحبّ يجعلها فعلاً جميلة، جسديًّا وروحيًّا وعقليًّا، لا يوحي لها بأنّها جميلة، ولا يصوّر لها أنّها جميلة، ولا يوهمها بأنّها جميلة. الحبّ يحوّلها، يغيّرها، يقوّيها، فلا تتحطّم بعده ولا تيأس ولا تصغر قيمتها في عين نفسها، ولا تضعف. الجنس يفعل ذلك، ربّما. التعلّق المرضيّ بالآخر، الخوف من الوحدة، الخوف من العمر، الخوف من كلام الناس، الخوف ممّا تظنّه هزيمة...ولكنه ليس قطعًا الحبّ كما أعرفه وأعرّفه.
الحبّ لا يسلب المرأة إرادتها بل يلبسها درعًا يحفظ إرادتها من الانكسار أمام صعوبات الحياة.
الحبّ لا يدجّن المرأة ولا يأسرها في قفص ولو من ذهب بل يطلق أفكارها وعواطفها ويعلّمها أن تطير وتحلّق.
الحبّ لا يعطّل عقل المرأة بل يوقظ فيها قدرات ذهنيّة وإمكانات فكريّة كانت لا تعرف أنّها موجودة فيها.
وكلّ ما سوى ذلك أضغاث أوهام وبقايا حكايات علقت في الذاكرة من عهد الطفولة ولم تكن فيها المرأة تفعل سوى الانتظار، تنتظر الساحرة لتحضر لها ثوبًا، وتنتظر الأمير ليوقظها بقبلة، وتنتظر شعرها ليطول لتمدّه حبل خلاص. وفي كلّ هذا الوقت ماذا تفعل هي: تبكي أو تنام فلا تقرأ كتابًا ولا تتعلّم حرفة ولا تنتج عملاً.
وانسحب هذا الانتظار على كامل حياتها، فصارت تنتظر الشاب كي ينهي علمه، والرجل كي يجد وظيفة، والمتزوّج كي يطلّق امرأته، والمريض نفسيًّا كي يتعافى، والفقير كي يصبح غنيًّا، والغنيّ كي ينظر إليها، والمقاتل كي يعود من الحرب، والصيف كي تغري عريسًا يتسكّع على شاطئ البحر، والمسافر كي يرسل إليها دعوة للحاق به....ثمّ جاءت المسلسلات المكسيكيّة حيث صارت بائعة الأزهار الجميلة تنتظر الثريّ ليلتقطها بسيارته الفخمة، ثمّ أتى دور الرواية الخليجيّة حيث تقع الفتاة عبر شبكة الإنترنت على من يلقي حولها شبكته ليصطادها.
أمّا العِلم والفكر فلا مكان لهما في القاموس الأنثويّ ولا وقت لهما في غرفة الانتظار البيضاء.
الجمعة، 23 سبتمبر 2011
سلوى بكر في حديقة «الصفصاف والآس»
الخميس، 22 سبتمبر 2011
"شويّة سرطان"
الاثنين، 19 سبتمبر 2011
الكتابة لا تغيّر الواقع
الكتابة لا تغيّر الواقع: بهذه الصرخة أعلن الإيطاليّ روبرتو سافيانو (28 عامًا) يأسه من قدرة الكتابة على تغيير أيّ شيء، وذلك بعد كتابه الأوّل "غومورّا" الذي يفضح فيه الكثير من ممارسات المافيا الإيطاليّة التي أهدرت دمه عقابًا له. وفي أواخر القرن التاسع عشر، صرخ شاب آخر اسمه آرثور رامبو (32 عامًا): "ينبغي تغيير الحياة. هذه الحياة الرتيبة التقليديّة لم تعد تناسبنا. نريد شيئًا آخر غيرها". وصارت هذه الدعوة شعارًا اتخذه الطلاب الفرنسيّون قبل الانطلاق في ثورتهم في ستينيّات القرن الماضي. وبين هاتين الصرختين وما نتج عنهما، يقف السؤال المشروع الذي طرحه الكاتب الإيطاليّ المعاصر ولم يستطع الشاعر الفرنسيّ الراحل أن يجيب عليه: نعم، ينبغي تغيير الحياة، ولكن هل تستطيع الكتابة ذلك؟
ثورة الطلاب الفرنسيين استغلّتها أجيال كثيرة في شمال الأرض وجنوبها لتغيّر العالم بالقتل والخطف والجنس والمخدّرات، فنشأت في مختلف أنحاء العالم حركات ثوريّة، هناك من يسمّيها عصابات، تريد تغيير "هذه الحياة" ولكن رامبو الذي دعا إلى التغيير لم يترك مع وصيّته كتيّبًا يشرح كيف يجب أن يتمّ ذلك، ففسّر الثوريّون كلامه بالشكل الذي ناسبهم. وعندما وصل الأمر إلى الإيطاليّ الشاب سافيانو، قرّر تغيير العالم بالكتابة، فعرف كتابه الشهرة، وتحول فيلمًا مرشّحًا لجوائز، أمّا الكاتب فتحوّل رهينة لكتابه، أسيرًا في منزله، محاطًا بالمرافقين، معزولاً عن الناس، مهدّدًا بالقتل بطريقة لم يسبق أن عرفها العالم بحسب تهديد المافيا له، فصرخ قائلاً: "لم أعد أرى سببًا واحدًا لمواصلة هذا النمط من الحياة، سجين ذاتي وكتابي ونجاحي. تبًّا للنجاح! أريد الحياة، أريد بيتًا وامرأة أتعرّف عليها، وأقع في غرامها. أريد أن أجلس إلى أصدقائي في المقهى...أريد التجوّل في الطرقات والدخول إلى مكتبة أختار منها كتابًا يجذبني وأتصفّحه. أريد أن أتنزّه برفقة أمّي من غير أن تخاف عليّ. أريد أن أجلس في الشمس وأن أسير تحت المطر. أريد أن أتحدّث إلى الناس من غير أن أتحدّث عن نفسي كما لو كنت حالة مرضيّة. أتطلّع إلى الوراء ولا أرى إلاّ وقتًا ضائعًا يستحيل استرجاعه. الكتابة لا تغيّر الواقع".
الكاتب الإيطاليّ لم يعد يريد تغيير العالم، لقد جعله الخوف يحلم بالعودة إلى العالم الذي كان يعرفه ولو كان فيه مافيا وعصابات وقتل ورشوة. لم يعد يريد تغيير الحياة، صار يريد تغيير حياته هو لعلّها تعود إلى ما قبل الكتاب، إلى ما قبل الشهرة، إلى ما قبل إهدار الدم. ولكن هل علينا فعلاً أن نكتفي بتغيير حياتنا الخاصّة ونتناسى الهمّ العامّ والشأن العامّ، والأحلام التي رافقت مراهقتنا وأوهمتنا بأنّنا قادرون على تغيير المجتمع والعالم، ومحو الفقر، وتحقيق العدالة، ومكافحة الأوبئة والأمراض، ومحاربة الظلم، والقضاء على الديكتاتوريّة؟ وهل نقنع أنفسنا بأنّ قنبلة واحدة على خليّة إرهابيّة أسرع في التغيير من كلّ كتب العالم، حتّى الدينيّة منها؟
محقّ روبرتو سافيانو في قوله إنّ الكتابة لا تغيّر الواقع، ولكنّها بلا شكّ غيّرته هو وهذا على ما أعتقد هدف الكتابة. لذلك كنت ولا أزال أؤمن بأنّ كلّ حديث عن قدرة الفنّ والأدب على التغيير هو من باب المبالغات المَرَضية. فإذا كانت كل الفنون والآداب منذ فجر التاريخ المعروف قد أوصلتنا إلى هذا العالم المريض، فهذا يعني أنّ الفنون والآداب قد عجزت عن التغيير ولم تستطع أن تحقّق المدن الفاضلة إلاّ في الكتب واللوحات والموسيقى والأفلام. ومحقّ أرثور رامبو في قوله إنّه ينبغي تغيير الحياة، ولكن حياة كلّ منّا، على حدة وفي هدوء وفي صمت مفكّر، وإلاّ فكلّ تغيير باطل وآنيّ وهشّ وسريع الزوال. فلنكتب ونبدع في أيّ شأن آخر، لأنّ العمر أقصر من أن نضيّعه في تغيير سوانا، ومتّى تغيّر كلّ واحد منّا، تغيّر العالم.
الأحد، 18 سبتمبر 2011
نيّال من تبقى له كمشة تراب في "بعبدا"
عاصمة جبل لبنان، رئة بيروت الخضراء، مقرّ القصر الرئاسيّ، حاضنة وزارة الدفاع والمحمية بها، المدروزة قصوراً وسفارات، والناضحة تاريخًا وحكايات، بلدة بعبدا، من يتآمر عليها؟منذ أعوام قليلة، بدأت بعبدا تشهد تغيّرات تكاد تكون جذريّة تطول البشر والحجر، فحركة العمران العشوائيّة فيها قضت على غاباتها وحوّلت تربتها متاريس من الباطون المسلّح، ومياهها الجوفيّة غارت في العيون والينابيع لتتدفّق في أحواض السباحة الفخمة الخاصّة، وأبناؤها باتوا عاجزين عن شراء شقّق فيها فيغادرونها ولا يعودون إلاّ إلى مدافنها.وكأنه لا يكفيها هذا، حتّى صارت كرة تتقاذفها الأرجل من ملعب البلديّة إلى ملعب المحافظة إلى ملعب الوزارات المعنيّة، والجميع ينفض يده من البشاعة المستشرية في مداخلها وشوارعها وطرقها غير المعبّدة ولوحاتها الإعلانيّة، ومن الروائح الكريهة ومجارير الصرف الصحيّ التي تغسل وجه الأرض على مدار الساعة، طاردة عطر خمائل الياسمين التي كانت تزيّن البيوت العتيقة، مفسحة الجوّ واسعًا للبعوض والذباب؛ والجميع يتجاهل النفايات الموزّعة أكياساً وأكواماً بين نباتاتها البريّة وما تبقّى من أشجارها، وغياب الحراسة من شوارعها، وحفر الشوارع التي صارت في عمق الهوّة التي تفصل حاضر بعبدا عن تاريخها المجيد.
ولكي نعلم مدى التراخي في تصريف أعمال هذه البلدة، يكفي أن نتذكّر كيف أنّ جسر بعبدا الذي هدمته الطائرات الإسرائيليّة هو آخر ما رمّم من آثار تلك الحرب، وأنّ مبنى بلديّتها لا يزال أنقاضًا مهملة منذ التفجير الذي أودى بحياة الشهيد العميد الركن فرنسوا الحاج.فمن ذا الذي يريد أن يغيّر هويّة بعبدا ويجعلها مجرّد مدينة إداريّة كبيرة تضيق طرقها بأرتال السيّارات التي تقصد هذه السفارة أو تلك الوزارة أو تلك الثكنة العسكريّة؟ ومن يريد أن يحوّلها موقفاً مجّانيّاً للآليّات والشاحنات وسيّارات الموظّفين في الدوائر الرسميّة؟ وعلى من تقع مسؤوليّة إنقاذها؟نوّاب المنطقة، وهم من أبنائها أو ساكنيها، محصّنون داخل قصورهم، لا يعنيهم أمر البلدة والمصير الذي ينتظرها، وبلديّتها غارقة في المشكلات والتجاذبات، عاجزة عن إيجاد الحلول التي ترضي الجميع وتراعي القانون في الوقت نفسه.
أمّا أبناء البلدة فمشغولون تارة بالانتخابات البلديّة وطوراً بالنيابيّة، ومتى وجدوا بعض الوقت التفتوا صوب كنيسة البلدة ليسألوا فجأة عن أحوالها في مرور مئة عام على بنائها. وهكذا يبقى مصير البلدة الأبعد ممّا تراه العين في أيدي مجموعة غير متآلفة وغير منسجمة من السكّان الذين ضاقت بهم المدينة وضواحيها فاكتسحوا أخضر البلدة وحوّلوه حجارة صمّاء. ولن يمضي وقت طويل حتّى يستيقظ أهالي البلدة على أصوات لا تشبه أصواتهم، وتقاليد لا تشبه تقاليدهم، وحين ينظرون في وجوه بعضهم سيبكون كالنساء ملكًا لم يحسنوا الدفاع عنه كالرجال. ولعلّ خاتمة رواية "يمنى" لسمير عطاالله كانت نذيراً بأنّ بعبدا ستكون الشاهدة على بداية النهاية، ففي نهاية الرواية تنظر "يمنى" من قصرها في "اليرزة" وهي ناحية جميلة من بعبدا، إلى الطائرات الإسرائيليّة وهي تقصف مطار بيروت العام 1968، وتقول: انتهى استقلال لبنان، ثمّ تسقط ميتة. لا اليرزة بقيت كما هي، ولا لبنان بقي كما هو، ولعلّ بعبدا، برمزيّتها وتاريخها والتغيّرات التي نخرت مفاصلها، هي المرصد الذي كان يجب على الجميع أن يراقبوا التغيرات منه وفيه. ولا يغيب عن البال، ونحن عشيّة استحقاق انتخابيّ مصيريّ، أن نشير إلى أنّ هذه البلدة هي بوابة الجبل اللبنانيّ من جهة الغرب، ومتى فتحت على مصراعيها كما هو حاصل حالياً، اكتُسح الجبل في غفلة عن أبنائه، وفرقة الكشّافة التي أُطلقت في مثل هذا الشهر من العام الماضي صارت تعرف جيّداً عدد الخطوات القليلة التي تفصل بين غرب بعبدا وشرقها.
"النهار" - أيّار 2009
-
فرانكو كاسباري وماريّا أنطونيلاّ باولا بيتي مارينا كوفا كاتيوشيا ميشيلاّ روك بعدما تقدّم بها العمر فرانكو داني ...
-
من رسومات علي فرزات كنّا، صغارًا، نستمع إلى جدّاتنا وهن يردّدن على مسامعنا أغنية تترافق معانيها مع عدد أصابعنا الخمس البريئة وأجزاء ...
مشاركة مميزة
فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993
فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...
من أنا
- ماري القصيفي
- الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
- صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.