|
كتبي الصادرة عن دار مختارات |
|
الكتابان الصادران عن دار سائر المشرق |
حوار / ماري القصيفي: أخطر ما
يواجهنا... هويتنا
| بيروت - من جنى فواز الحسن |
صحيفة الرأي العام الكويتيّة - الاثنين 7 أيّار 2012
تكتب
المقالة لتسجل اعتراضاً على الواقع، وترسم لوحات شعرية ملونة بالأسئلة التي
تحفز على التفكير، والتشكيك والمساءلة، خارجة بذلك من الطابع الوجداني
الرومانسي الى أفقٍ أوسع، يغوص بين ثنايا العقل والروح، ويغرف مما بينهما.
نصوصها الشعرية والصحافية كللتها روايتها «كل الحق ع فرنسا»، لتفاجئ القراء
بقدرتها على التمرس في مختلف الأنواع الأدبية، من دون ان يكون أي عمل على حساب
الآخر.
ماري
القصيفي كاتبة وشاعرة لبنانية، كتبت في عدد من الصحف والمجلات اللبنانية
والعربية. صدر لها عن دار مختارات: «لأنك أحيانًا لا تكون»- 2004، «رسائل
العبور»- 2005، «الموارنة مروا من هنا» (على الغلاف بألم ماري القصيفي وليس
بقلم) و«نساء بلا أسماء»- 2008، وعن دار سائر المشرق رواية: «كل الحق ع فرنسا»
- 2011، واخيراً «أحببتك فصرت رسولة»- 2012.
«الراي»
التقت القصيفي وكان معها هذا الحوار الاتي:
1- وجهت
البوصلة اخيراً في اتجاه الشعر مرة أخرى، هل للحب هذا التأثير العميق فينا؟
- ان
كنا ننتظر الحب، أو نعيشه أو نعاني من خيبة بسببه، فهذا يعني أن للحب تأثيراً
علينا، وبالتالي على الشعر أو أي وسيلة تعبيرية أخرى. لا تكتمل انسانيتنا بلا
الحب، وحين نندفع الى الشعر، فهذا يعني أن كثافته صارت أشد من أن نحتمل عدم
البوح به وبما يفعله بنا. ومع ذلك فالمفارقة أنني أحياناً أجد الكلمات عاجزة
عن التعبير عن مشاعري، ومرات، أجدها أجمل من الشعور الذي أكنه للآخر، كأنني
أكتب عن حب له من الجمال والعمق ما قد يجعله غير حقيقي.
2- تكتبين
من خلال شعرك محطات متداخلة وتطرحين أسئلة وجودية. هل الشعر مساحة للبوح أو
مساحة لطرح الأسئلة؟
- لا
أعترف بحب لا يضعني على تماس مع الفكر وبالتالي مع الأسئلة. حتى في أكثر
اللحظات حميمية لا أكف عن التفكير والتحليل. الأمر بطبيعة الحال ليس مريحًا
ولا سهلًا، أكان ذلك بالنسبة الي أو بالنسبة الى الشخص الآخر. والشعر كالحب،
مساحة للبوح بما في القلب والتعبير عما يجول في الفكر من تساؤلات. وأعترف أنني
عندما أنشر نصوصاً ما، وأعود لقراءتها أكتشف أنني انتقلت بعدها الى مرحلة
جديدة من الأسئلة عن الموضوعات نفسها كالعبور والانسان والحب والوطن والغربة
والحرب، ولكن مع معرفة ضمنية بأن الوقت لم يساعد على ايجاد الأجوبة والوصول
الى اليقين.
3- امتد
عملك التربوي على مدى ربع قرن. ما تأثير ذلك على الكتابة؟ هل أخذك منها أم
زودك بنضج معين وظفته في خدمتها؟
- الاجابة
صعبة لأن السؤال يتعلق بمرحلتين من حياتي: العمل التربوي الذي امتد مدى ربع
قرن كما أشرتِ، ثم ترك التعليم والانصراف الى الكتابة. لكني أسارع الى القول
اني أعطيت التربية الكثير من الوقت، والكثير من الأفكار التي كان في الامكان
تحويلها مشاريع كتابية. العمل التربوي مرهق وعاق ومعيق، ومع ذلك يبقى ضمانة
مادية في مجتمع لا يؤمن للكاتب أبسط متطلبات الحياة. أما عن النضج الذي سألتني
عنه فأصارحك بأن العمل مع التلامذة يبقينا في عالم بريء مهما بدا التعامل مع
شيطانات الأولاد صعباً ومتعباً، فضلاً عن أن التربية تفرض رقابة ذاتية صارمة
على ما نفكر فيه ونكتبه. وقد حدث أن اعترض بعض الأهل والزملاء على ما اعتبروه
جرأة في بعض مقالاتي الصحافية آنذاك، لذلك، أخر التعليم النشر لا الكتابة،
وأعاق انطلاقتي حرة من قيود الوظيفة. ومع ذلك، يبقى التلاميذ الذين واكبت
حياتهم المدرسية ذكرى جميلة من تلك المرحلة، ولي بينهم اليوم أصدقاء أعتز بهم.
4- كانت
لك زاوية أسبوعية في جريدة النهار اللبنانية تحت عنوان: أضواء خافتة، وكنت
تكتبين باسم مستعار هو «مي الريحاني». ما السبب في ذلك؟ وهل تشعرين بالانسجام
مع ذاتك أكثر بعدما صرت تكتبين باسمك الحقيقي؟
- عملي
التربوي الذي أخبرتك عنه للتو هو الذي جعلني في البداية أكتب باسم مستعار. كنت
أريد منع الرقيب الذاتي في عن التدخل، وكذلك كي لا أحرج المدرسة التي كنت أعمل
فيها، خصوصًا بعد الاعتراضات التي واجهتني حين طعمت عملي بأفكار تربوية اعتبرت
جريئة في تلك المرحلة، علمًا أنها بعد ذلك صارت من صلب العمل التربوي، كادخال
الموسيقى والمسرح والتصوير والرسم في تقريب الأدب من ذائقة التلاميذ. أما عن
مسألة ان صرت منسجمة أكثر مع ذاتي، فأصارحك بأن الأمر لم يكن سهلًا حين بدأت
أوقع باسمي، وكان ذلك بناءً على اصرار الشاعر شوقي أبي شقرا الذي كان المسؤول
عن الصفحة الثقافية في صحيفة «النهار» والذي أدين له بالكثير. بدا الأمر كأنني
أكتب للمرة الأولى، وأنتظر من جديد رأي القراء الذين يعيدون اكتشاف نصوصي
بعدما عرفوا هويتي.
5- لماذا
عدت وانتقلت من الرواية الى الشعر؟ هل هناك نوع أدبي محدد تجدين نفسك فيه
أكثر؟
- أعتقد
أنني لا أبتعد عن الشعر حتى وأنا أكتب الرواية أو المقالة، الشعر بصفته
عالَمًا جميلًا حرًا مشاغبًا لا كنوع أدبي محدد له شروط وقواعد وقوانين، لذلك
لا أعرف ان كنت شاعرة أو روائية. على كل حال ليس من السهل الدخول الى نادي
الشعراء الذين يعتبرونني روائية أو نادي الروائيين الذين كان بعضهم يفضل لو
بقيت كاتبة مقالة في الصحف. شخصياً أرى نفسي كاتبة تكتب الرواية بلغة فيها
الكثير من الشعر، وتكتب الشعر لتحكي حكاية، ففي كتابي الأول «لأنك أحياناً لا
تكون» وهو شذرات شعرية، تقعين على حكاية تمتد من الجملة الأولى الى الأخيرة،
وكذلك في كتابي الثاني «رسائل العبور» وهو نصوص نثرية وجدانية، أو في مجموعتي
القصصية «نساء بلا أسماء».
6- في
روايتك «كل الحق ع فرنسا»، بقيت حكاياتك مفتوحة على أكثر من توقع أو احتمال.
لماذا لم تغلقي الأبواب؟
- لا
تصل الحكايات، كل الحكايات، الى خواتيمها. فان تعب الراوي تابع المتلقي القصة
في خياله، وان ضجر المتلقي وجد الراوي متلقياً آخر. خاتمة مرحلة هي بداية
لأخرى، وفي روايتي التي تبدأ أحداثها الروائية من مرحلة الانتداب الفرنسي،
يبدو واضحاً أن هذه البداية كانت نتيجة مرحلة تاريخية سابقة، لذلك كانت
النهاية مفتوحة على مرحلة لا نعرف كيف ستكون، وأنا تقصدت أن أتركها هكذا،
فالأجيال الأربعة التي تتناولها الرواية لا تنتهي حكاياتها مع النقطة النهائية
في الصفحة الأخيرة، وهنا يأتي دور القارئ الذي أراه شريكا في الكتابة.
7- تمثلت
في الرواية بشكل واضح مسألة الهوية أو الانتماء، حتى في انفصام اسم روز بين
الفرنسية والعربية. الى ماذا أو من أو أين تنتمي ماري القصيفي؟
- عنوان
الرواية بالمحكية اللبنانية، وانفصام اسم احدى الشخصيات بين «وردة» و«روز»، ثم
توزع كثير من شخصيات الرواية على مصر وفرنسا واسبانيا وكندا وبريطانيا
والولايات المتحدة، كل ذلك يلقي بظلاله على مسألة الهوية اللبنانية، فما هي
الهويات القاتلة بحسب تعبير أمين معلوف وما هي المقتولة بحسب ما تساءلت في
احدى مقالاتي؟ كوني امرأة جزءاً من هويتي، وكوني مارونية مسيحية مشرقية جزءاً
آخر، وكوني عربية جزءاً، وكوني على تماس مع لغات وحضارات وفنون وآداب وأفكار
تمتد من الشرق الى الغرب أمر لا يمكن ألا يترك أثره على هويتي، التي أراها
تتغير- ولا أقول تتطور أو تتراجع- بين لحظة وأخرى، بحسب المعارف التي تضاف الى
ما كنت أعرفه قبل قليل. لذلك أرى أن أخطر مشكلة نواجهها كلنا هي في حسم موضوع
هويتنا، بدءاً من الهوية الجنسية الى كل ما سبق وأشرت اليه.
8- في
كتابك «الموارنة مروا من هنا»، استبدلت القاف بالهمزة في عنوان الكتاب فكتبت
«بألم» بدلاً من قلم. ما الذي يؤلمك في الواقع اللبناني؟
- وما
الذي لا يؤلم في الواقع اللبناني؟ ولكن أن أكتب عن المأزق الماروني لا يعني أن
غير الموارنة ليسوا أمام تحديات مصيرية تطول الهوية والوجود. فهل تشكل
الأصوليات اليوم خطراً على المسيحيين فقط؟ وماذا سيكون مصير المسلمين غير
المحسوبين على الأصوليات؟ وماذا عن العلمانيين؟ لذلك تؤلمني قناعة بدأت تستقر
في فكري ومفادها أن الخلاص الجماعي يكاد يكون غير وارد الآن أو في المستقبل
القريب، كأن على الفرد أن يخلص نفسه، من مأزقه النفسي أولاً أمام ما يجري ومن
تحديات اجتماعية كثيرة تحيط به، وهو عاجز عن التعامل معها أو مقاومتها.
9- على
الرغم من عذوبة كلماتك، هناك نقد قاس وقلم نافذ. كيف تجمعين بين الحدة واللين؟
أين يبدأ تمردك وما هي حدوده؟
- لعل
العذوبة التي تشيرين اليها رقت الى حد صارت جارحة. نعم، أنا قاسية، حتى وأنا
أكتب عن الحب، لأنني لا أستطيع أن أفصل نفسي عما يجري حول هذا «الحب» اذا صح
التعبير. كيف ننسى ولو كنا في أقصى حالات العشق الفقر والمرض
والظلم والجهل والتعصب والغربة؟ لا تنسي أن الحرب التي بدأت مع سني مراهقتي
حرمتني وسواي من أبناء جيلي من فرص كثيرة، وها نحن قطعنا منتصف العمر وما زلنا
ننتظر تأمين أبسط أمور الحياة كالكهرباء والماء، فكيف لا يكون النقد قاسياً
والقلم جارحاً؟ ربما سواي استطاع ايجاد مخرج من هذه الحدة، ان بالهجرة أو بالانفصال
عن واقع الحال أو القبول به، أنا لم أهاجر ولم أقبل، فكان هذا المزج الذي
أشرتِ اليه بين اللين والحدة.
10 المطلوب ابداع يخاطب العقل» هو عنوان احدى مقالاتك التي تنتقدين فيها الواقع الثقافي. ما هي مآخذك على هذا الواقع، وعلى من يقع اللوم؟
- نحن
لا نطرح أسئلة وندعي أننا نفهم في كل شيء. نقبل كل ما يطرح أمامنا على أنه من
المقدسات، وان رفضنا فعلنا ذلك عن تعصب ضد الآخر أو نكاية بالآخر. أي أن
أعمالنا الابداعية تخاطب الغرائز لا العقل، ففي المقالة والكتاب والفيلم
السينمائي والبرنامج التلفزيوني الفكاهي نعبر عن رغبتنا في المسايرة أو عن
الاختلاف ولكن لمجرد الاختلاف. أخبريني من هم فلاسفتنا اليوم وعلماؤنا
ومفكرونا؟ ما نسبتهم مقارنة بالآخرين؟ تصدر كل يوم فتاوى دينية، أو مواقف
سياسية لرجال دين، في حين لا نسمع بتحليل منطقي أو دراسة او احصاء. ويقع اللوم
علينا كلنا لأننا نستسلم للكسل والقبول والجبن. ثمة ما يثير الغضب في هذا
التسطح الفكري الذي لا يعترف بأن العقل هو المرجع الأول والأخير.
11- تقولين
«في بلادنا تعتذر الضحية وتخفي دموعها، ويفتخر المجرم بجريمته مطلقاً ضحكة
عالية»، ما هو برأيك مصير البلدان العربية بعد الربيع الذي اجتاحها؟ هل انت
مؤمنة بأن هذه الثورات ستحمل التغيير المنشود؟
- نشرت
مقالة مع الأيام الأولى للثورات العربية التي كان كثر يرون فيها ربيعاً عربياً
واعداً، قلت فيها ما معناه ان ثورة لا تترافق مع الفكر لا تصل الى النتيجة
المتوخاة. وفي مقالة ثانية قلت ان لا علاقة للمثقفين وأهل الفكر بهذه الثورات،
بل كانوا أكثر من فوجئ بها، وهذا بالتالي ما جعلهم عاجزين عن مواكبتها
واحتضانها وتوجيهها، فسهل على سواهم قطف ثمارها. وهي على كل حال لن تكون
ثماراً طيبة، لأن الأصوليات التي تقطف الآن نتائج الثورة لا تملك مشروعاً
يواكب العصر ويماشي الحداثة، وبالتالي لن يطول الأمر حتى تسقط هذه الأنظمة
التي لا تختلف في شيء عن الديكتاتوريات لأنها لا تسمح بالتعدد والاختلاف. ولكن
ذلك سيكلف المجتمع المزيد من الخسائر والضحايا، وسيؤدي الى هجرة الأجيال
الشابة، وبالتالي، لا أعتقد أننا في ربيع عربي بل نحن نعاني من زلزال كبير،
وبعد الزلازل يحتاج الناس الى وقت طويل لتخطي هول ما حدث ولاعادة بناء ما تصدع
وسقط.
12- الى
جانب اصدارك الشعري، ترجمت اخيراً روايتَي «قاديشا» و«جمهورية الفلاحين» من
الفرنسية الى العربية. الى أين بعد، الشعر أو الرواية أو الترجمة؟
- لم
تكن الترجمة واردة في مخطط عملي الكتابي، لكن موضوعي الروايتين أغرياني بذلك،
فالأولى لاسكندر نجار تروي تاريخ وادي القديسين في قاديشا في شمال لبنان،
وحكاية أول مطبعة دخلت الى الشرق، والثانية تروي أحداث أول ثورة حصلت في
المشرق العربي، وهي ثورة الفلاحين التي قادها طانيوس شاهين، وبالتالي
الموضوعان مرتبطان بتاريخ الموارنة الذين أعتبر أنهم تنكروا لدورهم الحضاري
ولرسالتهم في نشر الحرية والعلم، فأساؤوا الى وجودهم وأضعفوا بسبب ذلك مسيحيي
الشرق. أما بعد الشعر، فأعود الى الرواية، فأنا في صدد كتابة رواية عن حرب
الجبل التي أدت الى تهجير أكثر من سبعين قرية مسيحية من الشوف وعاليه، والتي
لولا بعض القصائد والأفلام القصيرة لظننا أنها لم تقع.
|
الكتابان المترجمان عن دار سائر المشرق |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق