الاثنين، 7 مايو 2012

"الحبّ كلب في الجحيم" لتشارلز بوكوفسكي


Charles Bukowski - Sean Penn


"الحبّ كلب في الجحيم" لتشارلز بوكوفسكي
اختيار القصائد والترجمة: سامر أو هواش
صادرة عن منشورات كلمة ومنشورات الجمل

كان عليّ أن أقوم بأبحاث كثيرة على شبكة الإنترنت لأجد المزيد عن عالم شارلز بوكوفسكي الشعريّ، فالمختارات التي ترجمها سامر أبو هواش تفتح الشهيّة لمعرفةٍ أكبر عن هذا الشاعر الأميركيّ الذي لا يمكن ألّا يثير دهشة من يتعرّف عليه. ولم تخذلني مواقع البحث طبعًا، فلهذا الشاعر الملعون والمجنون مكانة عالميّة لافتة لم تغب في طبيعة الحال عن الشعراء والنقّاد والمترجمين العرب. لذلك قد يسهل الدخول إلى هذا العالم الغرائبيّ المشحون غضبًا وصراخًا ووقاحة وعربدة إلى جانب الطفولة والحزن والخيبة والهشاشة، لكن قطعًا لن يسهل الخروج منه. وأحسب أنّ هذا ما حصل مع بعض شعرائنا الذين لا يمكن ألّا نقع على ملامح من تأثير بوكوفسكي على شعرهم. ولا مأخذ على ذلك في طبيعة الحال!
لا يسهل الكلام على القصائد التي قرأتها في الكتاب أو عبر ترجمات موزّعة في الصحف والمجلّات. فكلّ قصيدة تستحقّ، وحدها، أن يكتب عنها الكثير، إن من حيث موضوعها أو لغتها أو الأفكار التي تثيرها في ذهن المتلقّي. فكيف إذا تنوّعت خلفيّات هذه القصائد بين الساخر والغاضب والشامت والحاقد والعاشق والناقم والحزين والعابث... وكلّها خلاصة تجربة امتدّت سحابة عمر عرف فيه الشاعر الغربة والاضطهاد والفقر، من دون أن يتخلّى عن الشعر ولو في مواجهة الرفض والعزل، إلى أن أثبت وجوده وخياره الشعريّ.

لعلّ قصائد الشاعر تحكي عنه أكثر ممّا يمكن لأيّ تحليل أو رأي أن يفعل. فهي، في فجاجتها ومباشرتها وغياب الناحية الفكريّة عنها، لا تحتاج إلى وسيط. لا يعني ذلك أنّها سطحيّة أو ساذجة أو بسيطة، فهي أبعد ما تكون عن ذلك، لكنّ صدقها يجعلها تخاطب كلًّا منّا، ولو لم نجرؤ على الكتابة مثله أو الاعتراف بأنّ في عمق أعماقنا ما يشبه الذئب الذي فيه، أو الثمل الذي هو عليه، أو الماجن الذي لا يبالي بشيء أو أحد.
في قصيدة "العاهرة التي سرقت قصائدي" (ص27) يقول بوكوفسكي:
لكن مثلما قال الربّ
وهو يضع ساقًا على ساق:
أرى أنّني صنعت الكثير من الشعراء
لكن ليس الكثير
من الشعر
ومن حسن حظّنا أن نعرف، ولو متأخّرين، هذا الشعر الصارخ:
بعض الناس لا يصابون قطّ بلوثة الجنون
أيّ حياة رتيبة
تلك التي يعيشونها
(من قصيدة بعنوان "بعض الناس" ص 72)

السخرية هي التي لفتتني عند بوكوفسكي: سخرية ذكيّة لاذعة لا تهاب ولا تتردّد ولا تساير. لكنّها لا تقترب من الأطفال أو ممّن يشبهون الأطفال في براءتهم وسجيّتهم كمرلين براندو ومارلين مونرو (التي يسمّيها الطفلة الطفلة الطفلة) والمجانين والعاهرات والفقراء. في قصيدة بعنوان "جميعهم، جميعهم يعرفون" وهي الأولى من هذه المجموعة المختارة بشكل يغطّي مراحل حياته، نقرأ عن:
إنّ زوجة تزمجر خارج الباب
أكثر
ممّا يستطيع أيّ رجل احتماله
ولا يفوّت الشاعر فرصة لوصف النساء اللواتي يقبلن بالرجل كيفما كان، ويكاد في قصيدة عنوانها "أنت" يترك القارئ في حيرة من أمره، فهل المرأة هنا ضعيفة أم عاشقة، وهل هو ذلك الرجل الذي قبلته المرأة على علّاته وهي كثيرة؟ لكنّ كلمة "قبّلتني" تحسم الأمر:
أنت وحش، قالت،
كرشك أبيض ضخم
وساقاك مليئتان بالشعر.
لا تقصّ أظافرك قطّ
ويداك سمينتان
ولديك مخلبا هرّ
وأنف أحمر لامع
وأضخم خصيتين
رأيتهما في حياتي.
وتقذف كما يطلق
الحوت الماء من
فتحة ظهره.
أيّها الوحش الوحش الوحش
قبّلتني، ثمّ قالت:
"ماذا تريد أن تأكل
على الإفطار؟"

وفي قصيدة بعنوان "المثقّفة" نرى صورة المرأة التي تدّعي الفهم والتحليل والمجادلة لتنتهي في آخر النصّ امرأة تغسل الصحون وتقبل كلّ شيء كي لا يرفضها الرجل. أمّا في قصيدة "صوت الحيوات البشريّة" فيسخر من الجهد في العمل من أجل لا شيء، من أجل أجر زهيد، فيقول:
لا أعرف لمَ يحسب الناس أنّ الابتكار
له أيّ علاقة
بالجهد وبذل الطاقة
وفي قصيدة "أبي والعاطل عن العمل" يقيم مقارنة بين الرجلين ينحاز فيها إلى جارهم الحكيم العاطل عن العمل ضدّ والده الذي كان يخجل من أن يبقى بلا عمل. (في مقدّمة الكتاب إشارة إلى علاقته المضطربة بوالده الذي كان يضربه).
ما يذكّرني بقول ردّده كثيرًا منصور الرحباني عن الكسل المنتج.
وفي أكثر من مرّة يسخر من احتفالات الناس الصاخبة ليلة رأس السنة، معلنًا بأنّه لم يتمكّن قطّ من فهم البشر، لكنّه عاش الحياة بحلوها ومرّها (ص75).
ولعلّ قصيدته الصغيرة في السخريّة من حريّة المرأة تعطي لمحة عن نظرته الثاقبة إلى تفشّي الخبث في أجواء الطبقات الراقية والمثقّفة التي اضطهدته طويلًا، وفيها:
حين تكفّ النساء
عن حمل المرايا
إلى كلّ مكان يذهبن إليه
فعندئذ ربّما
يمكنهنّ أن يحدّثنني عن التحرّر

وفي قصيدة بعنوان "رقصة الحياة" نقرأ:
المنطقة التي تفصل الدماغ عن الروح
تتأثّر بالتجربة بشتّى الطرق
بعضهم يفقد عقله ويصبح روحًا:
المجنون.
بعضهم يفقد روحه ويصبح عقلًا:
المثقّف.
بعضهم يفقد الاثنين:
المقبول اجتماعيًّا.

***

في مقابل ذلك، هناك التعاطف مع البشر المهمّشين، وخصوصًا الأطفال الذين يتعاطف معهم. فقصيدة "مشاغبة" تحكي عن ثلاثة أطفال يلهون معه بتعليقاتهم الساخرة من سكره، ومع ذلك يدخل إلى المتجر ليبتاع لنفسه "خمس زجاجات من الشراب الرديء وثلاثة ألواح حلوى" (ص56). وفي قصيدة "التقيت عبقريًّا" يحكي عن الحقائق التي لا تصدر إلّا عن الأطفال. لكنّ التعاطف شيء واللطف شيء آخر خصوصًا أمام من يرفض أن يرى بحسب تعبيره، وهذا ما نقرأه في قصيدة "كن لطيفًا" التي يرفض فيها أن يكون لطيفًا كما يطلب منه مع المتقدّمين في السنّ الذين عاشوا حياة ضبابيّة، ويبرّر ذلك بقوله:
ليست الشيخوخة بجريمة
لكنّ الإحساس بالخجل
أمام حياة هدرت عمدًا
بين كلّ هذه الحيوات المهدورة عمدًا
هو كذلك.
هذا هو شاعرنا الذي لا يعرف أنصاف الحلول ولا يرضى بالفتور في أيّ تصرّف أو شعور أو علاقة. أليس هو من انحاز إلى الفئران التي كان والده يرميها في النار حيّة، فيعلن يائسًا في نهاية القصيدة التي تحمل عنوان "الفئران": لقد ربح أبي مجدّدًا.

تساؤل أخير على هامش هذه المجموعة:
ماذا كان بوكوفسكي ليكتب عن شبكة الإنترنت والفايسبوك، وهو الذي كتب في قصيدة بعنوان "الهاتف"؟
رنينه يأتي إليك بالناس
أناس لا يعرفون ماذا يفعلون بأوقاتهم
...
الهاتف صنع للحالات الطارئة فحسب.
هؤلاء البشر ليسوا حالات طارئة،
إنّهم كوارث.
ضيفًا في برنامج "ابوستروف" حيث أثار فضيحة
إضغط على الرابط لقراءة مقالة الشاعر والناقد اسكندر حبش عن تشارلز بوكوفسكي

***
اضغط على الرابط للمشاهدة
Ben Gazzara performs Charles Bukowski’s poem “Style,” from Marco Ferreri’s filmTales of Ordinary Madness
.
 
Style is the answer to everything
A fresh way to approach a dull or dangerous 
thing
To do a dull thing with style is preferable
to doing a dangerous thing without it
To do a dangerous thing with style, is what
I call art
Bullfighting can be an art
Boxing can be an art
Loving can be an art
Opening a can of sardines can be an art
Not many have style
Not many can keep style
I have seen dogs with more style than men
Although not many dogs have style
Cats have it with abundance
When Hemingway put his brains
to the wall with a shotgun, that was style
For sometimes people give you style
Joan of Arc had style
John the Baptist
Christ
Socrates
Caesar
García Lorca
I have met men in jail with style
I have met more men in jail with style
than men out of jail
Style is a difference, a way of doing,
a way of being done
Six herons standing quietly in a pool of water,
or you, walking out of the bathroom naked without seeing me 

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.