Ted Kooser |
"ليل ينبت تحت الأظافر"
للشاعر الأميركيّ تيد كوزر
نصوص اختارها وترجمها سامر أبو هواش
منشورات كلمة - منشورات الجمل
مع القصائد التي اختارها سامر أبو هوّاش للشاعر الأميركيّ المعاصر تيد كوزر (ولد عام 1939)، بدأت بقراءة النصوص قبل أن أطّلع على سيرة الشاعر في أوّل الكتاب.
فقصائده القصيرة والسريعة النبض جذبتني وجعلتني أتنقّل بينها بسهولة وشغف. وحين
عدت إلى مختصر سيرته كما يوردها المترجم وجدت أنّ الفكرة التي كوّنتها عن أسلوب
هذا الشاعر هي ما ميّزته في بلاده وحيث تُرجم شعره: نصوص من الواقع المعيوش وعن
مشاهدات كلّ يوم من دون أن تقع في التسطيح والخفّة. هذا ما جعل النقّاد يعتبرون
شعر تيد كوزر شعبيًّا لا بالمعنى الجماهيريّ بل بالارتباط بيوميّات الناس
العاديّين من دون "التلفسف" عليهم أو عرض عضلات لغويّ أو تباهٍ بصعوبة
تعجز القارئ "الغريب" كما يصفه عن فهم ما يقرأ.
لعلّ صورة الشاعر على غلاف الكتاب توحي برجل عامل أو مزارع أكثر ممّا توحي
بشاعر نخبويّ يقيم في صومعة فكريّة لا يجرؤ كثر على الاقتراب منها. وسيرته توافق
هذا التصوّر إذ يعيش الرجل في مزرعته، مع زوجته وكلبيه، ولا علاقة وثيقة له بعالم
المثقّفين وأصحاب القرار المؤثّرين في ذائقة الناس. ومع ذلك استطاع أن يحوز شهرة
حين عيّنته مكتبة الكونغرس عام 2004 "شاعر أميركا المتوّج"، قبل أن يثبت
موقعه على الساحة الأدبيّة بنيله جائزة "بوليتزر" عام 2005.
النصوص المختارة في هذه المجموعة تشي باهتمام الشاعر بالمسنّين والمرضى
والموتى والفقراء، من دون أن تتّجه لغته نحو الثورة أو الوعظ أو النقمة، بل تنساب
معترفة بحقائق الحياة، بكثير من الأسى على هشاشة الحياة، لكن من دون تفجّع أو
استسلام.
يقول في قصيدة "اختيار قارئة":
سأختارها امرأة فاتنة
تجيء ماشية ببطء إلى قصائدي
في لحظات النهار الأشدّ وحدة.
قبل أن تغادر البيت
ستكون قد استحمّت
وسيكون شعرها مبلّلًا عند العنق،
وستأتي مرتدية معطفها الواقي من المطر،
وسيكون المعطف قديمًا ومتّسخًا
لأنّها لا تملك ما يكفي من المال
لكي تضعه في المصبغة.
هناك في المكتبة
ستنزع نظارتها الطبيّة
حين تجد أحد كتبي
ثمّ ستعيده إلى مكانه على الرفّ،
قائلة لنفسها:
"بهذا المبلغ من المال
أستطيع غسل معطفي".
وهذا ما ستقوم به.
هذا القرب من القارئ وتفهّم ظروفه ومعاناته يبدوان واضحين في مجمل قصائد
الكتاب، بل يؤكّدان اعتراف الشاعر نفسه بأنّه يكتب والقارئ في باله، مخالفًا بذلك
أكبر عدد من الشعراء الذين يؤكّدون أنّهم يبعدون القارئ عن ذهنهم. لكنّ الشاعر لا
يكتب ليساير القارئ ويغريه بل ليعلن له عن انتمائه إليه وإلى واقعه ووضعه.
لذلك يمكن لنا أن نفهم وفرة أسماء العلم في القصائد التي تبدو كحكايات
صغيرة تصوّر مشاهد من حياة الناس: سبعون عامًا على زواج نيلز وليديا، العمّ أدلر،
عمّتي كاري، باربرا، المزارع نيلز بولسين، الأرملة لستر. يضاف إليها إصرار على
تحديد الأمكنة والأزمنة من خلال العناوين: أوّل الثلج، دار قدامى المحاربين، عشيّة
الميلاد، أغسطس، رحلة إلى الجبال، السكن بجوار دار إعادة تأهيل، الأرياف، حراثة
ربيعيّة، ليلة صيفيّة، نهاية عطلة الأسبوع، عند أطراف الحقول، أضواء آخر النهار في
منيسوتا، نهاية سبتمبر، نهاية العام، بداية العام، رسالة شتاء، يوم اثنين من مايو،
ليلة في أغسطس، حول السياج في بداية مارس، أرجوحة شرفة في سبتمبر، رسالة في
أكتوبر... هذه العناوين التي تتوزّع بين أسماء الناس والأمكنة والأشهر أو الفصول
أو الساعات، تدلّ بشكل واضح على اهتمامه بما وبمن حوله، لا اهتمام العابر غير
الملتزم، بل اهتمام من يعنيه الأمر: جدّه الذي يحتضر، عمّته المريضة، مأوى العجزة،
ضريح طفلة، جنازة جدّته، ...
نقرأ في قصيدة "العجائز جدًّا":
العجائز جدًّا
لا يكفّون
عن إيذاء أنفسهم
يحرقون أصابعهم
بالمقالي الصغيرة،
ثمّ يقعون،
كالأشجار
ويهشّمون أوراكهم
بصوت مكتوم
ونقرأ في "قصّة شبح":
كانت حياتها بسيطة، وكان موتها عاديًّا،
فتاة خيطت إلى كفن ذات الرئة.
كانت مجرّد مريم أخرى، هناك في ألينوي،
وكان مجرّد أبريل آخر،
براعم "صريمة الجدي" انحنت في الصلاة
عينان منسيّتان،
ابتسامة منسيّة،
غرّة شعر منسيّة،
كلّ شيء راح.
لكن منذ سبعين عامًا
يضوع قبرها
برائحة الورد.
كم جميل أن يخلّد الشعر الناس العاديّين الذين ظنّوا أن لا أحد ينتبه إلى
وجودهم!
في النتيجة ما من إنسان عاديّ!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق