(هذه الكتيّبات والمطويّات والبرامج هي بعضُ ليال من ألف ليلة وليلة حملني فيها مسرح بيروت إلى عالم ليس من هذا العالم)
***
مسرح بيروت، عين المريسة، شكرًا لأنّك صنعت بعض ذاكرتي، ولذلك لن ينتهي دورك ولو أقفلوا أبوابك وأسدلوا الستائر على خشبتك وأطفأوا الأضواء
مسرح بيروت، عين المريسة، شكرًا لأنّك جزء من تاريخ معرفتي، ولذلك ستبقى حيًّا ولو خلّعوا مقاعدك وهدموا جدرانك ومسحوك عن خريطة المدينة السيئّة الحظّ والسمعة
شكرًا لأنّ وجوه الذين عبروا على خشبتك وأصواتهم وكلماتهم لم تعبر، بل استقرّت في الوجدان والفكر وصنعتنا قبل أن تصنع مجدك
شكرًا لوجوه روّادك عشّاق المسرح الذين جعلوك محجّة حين كفر الكلّ بالفنّ، وملجأ حين عصف الحقد في الشوارع والقلوب، وحصنًا حين اقتحم التصحّر ربيع العمر والأرض
***
مدينة بلا مسرح كيف تحلم؟ وكيف تفكّر؟ وأين تعبّر عن ثورتها ورغبتها في التغيير؟
فلغيركِ يا بيروت الساحاتُ والميادين، ولك حريّة التعبير فوق المسرح
ولغيرك أيّتها المدينة التي ضيّعت فرصة فرادتها الشوارعُ والطرقات والمواجهات العنيفة، ولك الكلمةُ الأنيقة الجميلة المعبّرة الذكيّة الشاعرة
ولغيرك يا مدينة المسارح المقفلة الشاشاتُ والفضائيّات والصراخ، ولك عتمة الصالة التي يولد فيها عالم جديد مثير وغريب وواعد
يا مدينة صارت تنجب المطاعم والمقاهي! كيف يشبع الفكر فيك والكلمة لا تجد مكانًا لترقص وتغنّي وتنشد؟
يا مدينة تستسلم لممحاة كبيرة تزيل معالمها وتاريخها! بأيّة وقاحة نكتب الشعر والمقالة والرواية ولا متاحف لفنوننا التشكيليّة لغير النخبة، ولا معارض للكتب لغير حفلات التوقيع الاجتماعيّة الطابع، ولا مسارح تعلّم الناس الحريّة؟
يا مدينة الأراكيل والتسوّق وزينة العيد، أيّ عيد يكون وأنت ضائعة الهويّة، حائرة الانتماء، تتنازعك الأهواء والمشارب والميول، فتفيض مجارير الجهل في شوارعك الشاسعة، وتفوح رائحة البغاء من شققك المترفة، وتنتشر أجواء احتفالات مخادعة، سرابيّة المستقبل، طائفيّة اللغة، وقحة الترف؟
***
هل يُقاصص المسرح اللبنانيّ لأنّه لم يعلّم الناس إلّا الحلم؟ هل يُعاقَب لأنّه ثار عنهم، وغضب عنهم، وصرخ عنهم، وتحرّر عنهم، وعرف كلّ أنواع الثورات الفكريّة فلم يترك لهم ولو ثورة صغيرة، وجرّب بالنيابة عنهم كلّ أساليب التعبير فاستراحوا في مقاعدهم واطمأنوا؟
وهل يتوقّع هذا المسرح أن يثور الناس من أجله وأن يمنعوا جرّافات الهدم عن محوه من الوجود؟
حالم أنت أيّها المسرح! فالناس عندنا لن يثوروا لأنّهم ينتظرون نتائج اللوتو، مرّتين في الأسبوع. فكيف يثور شعب ينتظر كلّ فرد فيه من الاثنين مساء إلى الخميس مساء أن يحارب فقره بالحظّ، ومن الخميس مساء إلى الاثنين مساء أن تساعده الأرقام على ألّا يعود مجرّد رقم في إحصائيّات طائفته؟ فمتى يجد وقتًا للثورة؟
مشكلتك أيّها المسرح أنّ الذين رعوا شؤونك لم يؤمنوا بالأرقام بل بالكلمة.
وكان هذا من حسن حظّي لأنّي بفضل ذلك أنا هنا الآن، فشكرًا لك وشكرًا لهم.
ولكن ماذا عن الذين لن يروا ولن يحلموا ولن تصيبهم رعشة الدهشة، أهكذا تكون نهاية العالم؟
ولكن ماذا عن الذين لن يروا ولن يحلموا ولن تصيبهم رعشة الدهشة، أهكذا تكون نهاية العالم؟
هناك تعليق واحد:
HAYK SHAB BADO HAYK MADINA
SARLI 50 YOUM NATIR LA TICKET MA2RAD
إرسال تعليق