معارض للمرضى أم مستشفيات؟
مرضى في عهدة نجوم المجتمع
لكلّ عصر مرضى من درجة أولى
في العالم ما لا يحصى من المشاهد اللاإنسانيّة، غير أنّ المرض يضعك على تماس مع أكثر ما في كرامة الإنسان هشاشة. فحين تسألك الحضارة الحديثة عن مرتبتك كمريض، أمن درجة أولى أو ثانية أو ثالثة، تكتشف أنّ المسافة لا تزال طويلة قبل تحقيق المدينة الفاضلة، أو قبل أن تمتلئ الأرض عدلاً وإنصافًا، أو قبل أن تصير الأرض صورة عن ملكوت السماوات.
إذا كان المرض، وهو ما هو عليه من القسوة والظلم، لا يميّز بين غنيّ وفقير، فكيف يفعل العلاج ذلك؟ وهل نتيجة الحضارة والتمدّن أن تميّز المستشفيات بين مريض ومريض، لا تبعًا لحرج حالته، بل لمستواه الاجتماعيّ. ولو حُصر الأمر في الكماليّات لهان الأمر، ولقلنا ما يقوله المثل اللبنانيّ: اللي بدّو يعمل جمّال بيعلّي باب الدار، وبمعنى آخر من يريد أن يعتبر المستشفى فندقًا ذا نجوم وأقمار وكواكب فهذا شأنه وعليه أن يدفع الثمن، على أمل أن يُدفع هذا الربح لعلاج المعوزين. لكن عندما يصل الأمر إلى مستوى الأطبّاء، ونوعيّة الطعام، وطريقة المعالجة، والخدمة التمريضيّة، والنظافة، وتصنيع الأدوية، وأدوات الجراحة، نقول عندما يطال التمييز كلّ هذه الأساسيّات، نعي أنّ العدالة الإنسانيّة لم تتحقّق بعد حتّى في البلدان الراقية، أو على الأصحّ في تلك التي تدّعي ذلك.
يظنّ القيّمون على المستشفيات أنّ المريض عندما يطلب غرفة بسرير واحد إنّما يفعل ذلك كبرياء وتعاليًا، غير أنّ الواقع الإنسانيّ يفرض أن يكون لكلّ مريض غرفة خاصّة من دون أن يعني ذلك أن تتحوّل الغرفة جناحًا من عشرات الأمتار، يتوزّع على غرف نوم وصالات استقبال وتوابعها. فالخصوصيّة، وعلى وجه محدّد، عند المرض والألم، حقّ يجب أن يحصل عليه كلّ مريض، مهما كان وضعه الاجتماعيّ ومستواه الماديّ، هذا فضلاً عن الجانب الصحيّ والنظافة وهما من أسس العلاج ومنع انتقال الأوبئة. عدا عن أنّ المستشفيات لا تراعي الحالات المرضية التي تتجاور في غرفة واحدة، ولا تنتبه إلى الأذى المحتمل عند استعمال غرفة خلاء واحدة في مكان تكثر فيه الجراثيم والميكروبات، وتختلف فيه كذلك طريقة تعامل الناس مع مرضاهم ومع عائديهم خلال محنتهم.
من المعروف أنّ الإنسان يكون في أكثر حالاته عرضة للضرر المعنويّ والجسديّ عندما يرزح تحت صليب الألم، ولذلك من الواجب مراعاة هذين الجانبين، من دون أن يشعر أيّ مريض بأنّه أدنى مستوى من غيره، كأن لا يكفي جور الدهر عليه، حتّى يأتي الاستشفاء ليضيف إلى معانياته معاناة. فهل تتصوّرون الحالة النفسيّة لمرضى اكتشفوا أنّ خبيرة التغذية في المستشفى لا تزور مرضى الدرجتين الثانية والثالثة، وأنّ ملاءات الأسرّة لا تستبدل في غرفة مرضى الدرجة الثالثة إلاّ مع نهاية مرحلة الاستشفاء، وأنّ الممرّضة وبّخت مريضة في الدرجة الثانية لأنّها لوّثت غطاء السرير وهي تنزف، وأنّ وجبة الطعام لمريض الدرجة الأولى تشبه ما يقدّم في مطعم فاخر إن من حيث الأواني أو من حيث النوعيّة، وأنّ الممرّضات المجازات من أفضل الجامعات موجودات في طبيعة الحال في جناح الدرجة الأولى؟
وأرجو ألاّ يكون الجواب على هذه الملاحظات عند بعض الناس أنّ ثمّة أماكن في العالم يموت فيها الناس على الطرقات، ولا يجدون ركنًا يأوون إليه، وأنّ الدرجتين الثانية والثالثة أفضل من الشارع والزقاق. والجواب البسيط على هذا التبرير أنّ أنصاف الحلول تبقي أنصاف المشاكل، وبالتالي حين يتساوى الناس في الدول الفقيرة، لن نتوقّع ثورة اجتماعيّة، غير أنّ الثورة تكمن في النفوس حين يراقب الفقير جاره الثريّ وهو ينعم في ما يفيض عن حاجته في حين يحرم هو من أبسط حقوقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق