مونيه
رندحت المرأة لنفسها:
ينمو في رحمي جنين من برج السرطان.
يشرب من دمي
يأكل من لحمي
يتمدّد في جسدي
وينمو على حساب صحّتي.
حملت به وأنا لم أعرف رجلاً
ولم يبشّرني به ملاك
وعوضًا عن أن أضعه بين يدي الحياة
كما تفعل الأمّهات
رماني هو بين براثن الموت
كأنّي لست أمّه
وليس هو طفلي الوحيد.
*****
قال له الطبيب: أنت مصاب بالمرض الخبيث.
سأله المريض: وهل هناك أمل.
أجاب الطبيب بعد تردّد: فليكن إيمانك قويًّا.
في الطريق إلى المنزل قام الرجل بعمليّة حسابيّة بسيطة فاكتشف أنّ المسكّنات التي وصفها له الطبيب ستحرم أطفاله من وجبة طعام كلّ يوم، ومن ثياب جديدة على العيد، ومن الذهاب إلى المدرسة. وفجأة صار الرجل شاعرًا.
وصل إلى بيته، كتب رسالة يودّع فيها أطفاله وزوجته ويوصي أخاه بالاهتمام بالعائلة، ثمّ أطلق رصاصة على السرطان المقيم في رأسه. فزال الألم.
******
ثلاث فتيات صغيرات مصابات بالسرطان، والصبيّ الوحيد في العائلة على لائحة الانتظار. ماتت الفتاة الأولى، تعبت الأمّ من العلاج والبكاء والكلام والفقر والمرض والمعاملات الإداريّة في المستشفيات والمؤسّسات الاجتماعيّة والإنسانيّة، صعدت إلى سطح المنزل ورمت نفسها، فطارت إلى حيث الصمت.
******
ينتشر مرض السرطان بيننا كما ينتشر في جسم كلّ مريض: بخبث ولؤم وحقد. الأطفال الذين يعتمرون القبّعات ليخفوا صلع رؤوسهم صاروا أكثر من شهداء حروبنا الأهليّة ومع ذلك لا يرد ذكرهم في خطابات السياسيّين. هل هي قبّعات الإخفاء التي ورد ذكرها في الحكايات يختفي من يضعها على رأسه ليهرب ويعيش كما يحلو له؟ لماذا لا نجمع الشعر المتساقط على أكتافهم النحيلة ونضعه في أكياس من ملاءات بيضاء بلون المرض ونصنع وسائد ترتاح عليها رؤوس حكّامنا وقادتنا وزعمائنا؟ لماذا لا نجمع دموع الأمّهات ونصنع منها أسرّة مائيّة متراقصة يتمدّد فوق سخونتها أمراؤنا وملوكنا ورؤساؤنا المصابون بصقيع القلب؟ لماذا لا نصنع من حرقة الآباء جمرًا يكلّل أراكيل نوّابنا ووزرائنا ورؤساء أحزابنا؟
هل جلستم يومًا مع طفل مصاب بالسرطان؟ هل استمعتم يومًا إلى صمت مراهقة مصابة بالسرطان؟ هل استطعتم الإجابة على أيّ سؤال من أسئلة الصغار الذين جعلهم المرض الخبيث كبارًا قبل الأوان؟
******
صرخت الطفلة المريضة وهي خائفة: ما تكبّوني، ما تكبّوني (لا ترموني، لا ترموني). بكى الجميع وقال لها من استطاع الكلام: لن نفعل، لا تخافي، وهل يعقل أن نرميك؟ بكت الطفلة وقالت: ولكنّي أعذّبكم.
آه يا طفلتي الصغيرة، لو تعلمين كم تعذّبيننا لأنّك تتعذّبين، ولأنّك خائفة، ولأنّك مريضة، ولأنّك نحيلة، ولأنّك طفلة، ولأنّك صغيرة، ولأنّك حائرة، ولأنّك عاجزة، ولأنّك موجوعة.
آه يا طفلتي الصغيرة، لو تعلمين كم يعذّب بكاء الأطفال، وكم تدمي القلب علامات الاستفهام المرسومة في عيونهم الصفراء، وكم يجرح الروح نحول أجسامهم القاطع كحدّ الخنجر.
******
أمام الأطفال المرضى، والآباء الذين يفضّلون الموت على العلاج المكلف، والأمّهات اللواتي ينتحرن من ثقل الهمّ وثقل المسؤوليّة وأنين الألم، أمام كلّ ذلك، لا أعلم أيّ شيء يستحقّ أن نتقاتل من أجله؟ ومن أجل أيّ واحد منهم نتشدّق بأنّنا نسعى لبناء الوطن؟
يشرب من دمي
يأكل من لحمي
يتمدّد في جسدي
وينمو على حساب صحّتي.
حملت به وأنا لم أعرف رجلاً
ولم يبشّرني به ملاك
وعوضًا عن أن أضعه بين يدي الحياة
كما تفعل الأمّهات
رماني هو بين براثن الموت
كأنّي لست أمّه
وليس هو طفلي الوحيد.
*****
قال له الطبيب: أنت مصاب بالمرض الخبيث.
سأله المريض: وهل هناك أمل.
أجاب الطبيب بعد تردّد: فليكن إيمانك قويًّا.
في الطريق إلى المنزل قام الرجل بعمليّة حسابيّة بسيطة فاكتشف أنّ المسكّنات التي وصفها له الطبيب ستحرم أطفاله من وجبة طعام كلّ يوم، ومن ثياب جديدة على العيد، ومن الذهاب إلى المدرسة. وفجأة صار الرجل شاعرًا.
وصل إلى بيته، كتب رسالة يودّع فيها أطفاله وزوجته ويوصي أخاه بالاهتمام بالعائلة، ثمّ أطلق رصاصة على السرطان المقيم في رأسه. فزال الألم.
******
ثلاث فتيات صغيرات مصابات بالسرطان، والصبيّ الوحيد في العائلة على لائحة الانتظار. ماتت الفتاة الأولى، تعبت الأمّ من العلاج والبكاء والكلام والفقر والمرض والمعاملات الإداريّة في المستشفيات والمؤسّسات الاجتماعيّة والإنسانيّة، صعدت إلى سطح المنزل ورمت نفسها، فطارت إلى حيث الصمت.
******
ينتشر مرض السرطان بيننا كما ينتشر في جسم كلّ مريض: بخبث ولؤم وحقد. الأطفال الذين يعتمرون القبّعات ليخفوا صلع رؤوسهم صاروا أكثر من شهداء حروبنا الأهليّة ومع ذلك لا يرد ذكرهم في خطابات السياسيّين. هل هي قبّعات الإخفاء التي ورد ذكرها في الحكايات يختفي من يضعها على رأسه ليهرب ويعيش كما يحلو له؟ لماذا لا نجمع الشعر المتساقط على أكتافهم النحيلة ونضعه في أكياس من ملاءات بيضاء بلون المرض ونصنع وسائد ترتاح عليها رؤوس حكّامنا وقادتنا وزعمائنا؟ لماذا لا نجمع دموع الأمّهات ونصنع منها أسرّة مائيّة متراقصة يتمدّد فوق سخونتها أمراؤنا وملوكنا ورؤساؤنا المصابون بصقيع القلب؟ لماذا لا نصنع من حرقة الآباء جمرًا يكلّل أراكيل نوّابنا ووزرائنا ورؤساء أحزابنا؟
هل جلستم يومًا مع طفل مصاب بالسرطان؟ هل استمعتم يومًا إلى صمت مراهقة مصابة بالسرطان؟ هل استطعتم الإجابة على أيّ سؤال من أسئلة الصغار الذين جعلهم المرض الخبيث كبارًا قبل الأوان؟
******
صرخت الطفلة المريضة وهي خائفة: ما تكبّوني، ما تكبّوني (لا ترموني، لا ترموني). بكى الجميع وقال لها من استطاع الكلام: لن نفعل، لا تخافي، وهل يعقل أن نرميك؟ بكت الطفلة وقالت: ولكنّي أعذّبكم.
آه يا طفلتي الصغيرة، لو تعلمين كم تعذّبيننا لأنّك تتعذّبين، ولأنّك خائفة، ولأنّك مريضة، ولأنّك نحيلة، ولأنّك طفلة، ولأنّك صغيرة، ولأنّك حائرة، ولأنّك عاجزة، ولأنّك موجوعة.
آه يا طفلتي الصغيرة، لو تعلمين كم يعذّب بكاء الأطفال، وكم تدمي القلب علامات الاستفهام المرسومة في عيونهم الصفراء، وكم يجرح الروح نحول أجسامهم القاطع كحدّ الخنجر.
******
أمام الأطفال المرضى، والآباء الذين يفضّلون الموت على العلاج المكلف، والأمّهات اللواتي ينتحرن من ثقل الهمّ وثقل المسؤوليّة وأنين الألم، أمام كلّ ذلك، لا أعلم أيّ شيء يستحقّ أن نتقاتل من أجله؟ ومن أجل أيّ واحد منهم نتشدّق بأنّنا نسعى لبناء الوطن؟
هناك تعليقان (2):
استأذنك فى إعادة نشرها على مدونتى تحت اسمك بالطبع ؟
إذا رفضت سأكون متفهم تماماً
ففى مصرنا ذئب من نفس الفصيل
وحكام من ذات القطيع
...
تحياتى لكِ أيتها الإنسانة
.
نورالدين محمود
يشرّفني ذلك مع الشكر لك على إنسانيّتك ولطفك، حفظك الله من الأمراض والذئاب
إرسال تعليق