في البدء كان الكلمة خلق حوّاء
خلق آدم
خلق الحيوانات
كن فكان
يقول الناقد نزيه خاطر، قارئًا رواية " رحلة غاندي الصغير" لالياس خوري: "كلّ هذه الحكايات، وعلى أيّ لسان من الرواية وردت، هي في أحد معانيها، تاريخ الممنوعين من التاريخ، تاريخ هذه الكتلة البشريّة التحت، من الذين انوجدوا بالولادة تحت" (النهار – 26/4/1989). ولكنّ هذا الواقع الذي يغرف منه الكاتب لا يبقى كما هو بالطبع، بل يتحوّل إلى ما يشبهه كأنّما أضيف إليه "الشي اللي حدّ الكذبة" كما يقول الأخوان رحباني في مسرحيّة "بيّاع الخواتم". وفي ذلك قالت سحر طه في "لقاء الجمعة الثقافيّ" الذي تمحور آنذاك حول رواية الياس خوري المشار إليها: "إنّنا لا نعرف أيًّا من هذه الشخصيّات عاشت حقًّا بالشكل الذي في الرواية، ولا نعرف أيّها من نسج خيال الكاتب وأيّها من صميم الواقع". هذا من غير أن ننسى أنّ في رواية "مجمع الأسرار" لخوري أيضًا دلالة واضحة على شخصيّة سامي خوري المهرّب الشهير، وهنري فرعون وسواهما من الشخصيّات المعروفة. كما أنّه يذكر شخصيّات حقيقيّة في رواية "باب الشمس"، ومن يعرف تجّار بيروت قبل الحرب يستطيع أن يكتشف وفي سهولة التجّار اليهود الذين كانوا يملكون متاجر في الأسواق اللبنانيّة. هل يعني ذلك أنّ الكاتب مؤرّخ؟ يجيب الياس خوري بالنفي عن هذا السؤال، في حديث مع عبده وازن، حول رواية "الوجوه البيضاء" فيقول: "في الوجوه البيضاء هناك الكثير من الشخصيّات التي استوحيتها من الحقيقة. ما الحدود بين بين الحقيقة والمتخيّل، بين الواقع وخرافته؟ لا أعتقد الرواية معنيّة بالإجابة عن هذا النوع من الأسئلة. الرواية هي أحد أشكال الربط بين الواقع ومتخيّله، هي مزيج من الذاكرة والخيال" (الحياة – 19 أيلول 1993).
ولأنّ الرواية هي كذلك فسوف تستفيد من الواقع وتؤرّخ له من دون أن تتقيّد به، بل تقرأه قراءة خاصّة ليغدو من الصعب أحيانًا على الأشخاص الحقيقيّين أن يكتشفوا أنفسهم فيها. وعن هذا الأمر يقول الياس خوري ردًّا على سؤال عقل العويط لمناسبة صدور مجموعته القصصية "المبتدأ والخبر": "ربمّا كان هذا الشخص يشبه الكثيرين ممّن أعرفهم، لكنّه – لأنّه لا يشبه إلاّ نفسه – لن يتعرّفوا إليه" (النهار العربيّ والدوليّ 1984).
ولكن ذلك لا يعني أنّنا لن نتعرّف إلى هذه الشخصيّات، ولن نكتشف الوجوه المختبئة خلف أسمائها المستعارة، أو تلك التي نقل الكاتب أماكن سكنها زيادة في التمويه. ولذلك نسأل" هل يحقّ للشخصيّة أن تقاضي كاتبها؟ وإذا كان نعيمة يشترط غياب الناس كي نكتب عنهم، على ما أشرنا سابقًا، فهل يعني ذلك أنّ غيابهم صيّرهم المادة الأدبيّة الآمنة التي لا تتسبّب للكاتب بإزعاج؟ يصرّ جورج مصروعة في قراءته مجموعة يوسف حبشي الأشقر القصصيّة "آخر القدماء" على أنّ نجاح هذه المجموعة يعود إلى نقلها الوجوه القديمة كما هي، فيقول: "أجمل ما في هذا الكتاب أنّه لا يقدّم للحواس الخمس، صورًا ترسم الكلمات خطوطها، بل يقدّم أشخاصًا أحياء، متحرّكين، واضحي الملامح، تعايشهم في بيئتهم، ترافقهم في الرواح والمجيء، تسمعهم يتحدّثون، ترى ما حولهم من أشياء وألوان، هذا بالطبع إذا كنت من بيت شباب، وتعرف هؤلاء "القدماء" عن كثب" (النهار – 18 نيسان 1985).
هذه المعرفة الوثيقة بالشخصيّات والقرب منها قد يفرضان على الكاتب نوعًا من الرقابة الذاتيّة تمنعه عن نقل ما يشوّه أو يؤذي لئلاّ يسيء إلى من سيكتشف نفسه أو أحد أقربائه خلف الكلمات، وإلاّ تحوّلت الكتابة عمليّة انتقام يمارس بواسطتها الأديب، واعيًا أو غير واع، سلطة استنسابيّة تخوّله توزيع القبح والجمال، أو الشرّ والخير، على النحو الذي يلائم مزاجه وعاطفته وحسّه الفنيّ الذي يتيح له أن يتحكّم في مصائر شخصيّاته. ولكن أليست هذه وظيفة الفنّ؟ (وللكلام تتمّة).
ولأنّ الرواية هي كذلك فسوف تستفيد من الواقع وتؤرّخ له من دون أن تتقيّد به، بل تقرأه قراءة خاصّة ليغدو من الصعب أحيانًا على الأشخاص الحقيقيّين أن يكتشفوا أنفسهم فيها. وعن هذا الأمر يقول الياس خوري ردًّا على سؤال عقل العويط لمناسبة صدور مجموعته القصصية "المبتدأ والخبر": "ربمّا كان هذا الشخص يشبه الكثيرين ممّن أعرفهم، لكنّه – لأنّه لا يشبه إلاّ نفسه – لن يتعرّفوا إليه" (النهار العربيّ والدوليّ 1984).
ولكن ذلك لا يعني أنّنا لن نتعرّف إلى هذه الشخصيّات، ولن نكتشف الوجوه المختبئة خلف أسمائها المستعارة، أو تلك التي نقل الكاتب أماكن سكنها زيادة في التمويه. ولذلك نسأل" هل يحقّ للشخصيّة أن تقاضي كاتبها؟ وإذا كان نعيمة يشترط غياب الناس كي نكتب عنهم، على ما أشرنا سابقًا، فهل يعني ذلك أنّ غيابهم صيّرهم المادة الأدبيّة الآمنة التي لا تتسبّب للكاتب بإزعاج؟ يصرّ جورج مصروعة في قراءته مجموعة يوسف حبشي الأشقر القصصيّة "آخر القدماء" على أنّ نجاح هذه المجموعة يعود إلى نقلها الوجوه القديمة كما هي، فيقول: "أجمل ما في هذا الكتاب أنّه لا يقدّم للحواس الخمس، صورًا ترسم الكلمات خطوطها، بل يقدّم أشخاصًا أحياء، متحرّكين، واضحي الملامح، تعايشهم في بيئتهم، ترافقهم في الرواح والمجيء، تسمعهم يتحدّثون، ترى ما حولهم من أشياء وألوان، هذا بالطبع إذا كنت من بيت شباب، وتعرف هؤلاء "القدماء" عن كثب" (النهار – 18 نيسان 1985).
هذه المعرفة الوثيقة بالشخصيّات والقرب منها قد يفرضان على الكاتب نوعًا من الرقابة الذاتيّة تمنعه عن نقل ما يشوّه أو يؤذي لئلاّ يسيء إلى من سيكتشف نفسه أو أحد أقربائه خلف الكلمات، وإلاّ تحوّلت الكتابة عمليّة انتقام يمارس بواسطتها الأديب، واعيًا أو غير واع، سلطة استنسابيّة تخوّله توزيع القبح والجمال، أو الشرّ والخير، على النحو الذي يلائم مزاجه وعاطفته وحسّه الفنيّ الذي يتيح له أن يتحكّم في مصائر شخصيّاته. ولكن أليست هذه وظيفة الفنّ؟ (وللكلام تتمّة).
هناك تعليقان (2):
"الرواية هي أحد أشكال الربط بين الواقع ومتخيّله، هي مزيج من الذاكرة والخيال"
Fiction means real + false
لحظة إنتهاء الحادثة تعني أنها صارت في التأريخ ، والتأريخ مروياً أو مكتوباً هو خيال والخيال "كذب" ـ قالت العرب:"أحلى الشعر أكذبه".
والمفارقة أن في ما تكتبين صدق كثير، وفي اللوحات تنسكبين كمزراب "السيّاب" حتى لكأن روحي تغتسل بزيت لوحاتك وحبرك السماوي..
خذيها بعاميتنا:" كلّش حَسينة يا ماري"
حفظك الله يا وادي المعرفة/ لعل الصدق الكثير الذي تجده في كتاباتي يعود إلى تقمّصي شخصيّات من أكتب عنهم ومن خلالهم. والأمر متعب وموجع. ولكنّه صار جزءًا منّي. أما اللوحات فهي تعويض عن عجزي عن الرسم.
وباللبنانيّ: كلّك لطف وذوق
إرسال تعليق