كلود مونيه - هل يعنيني من هم هؤلاء الذين على الشاطئ؟
فريد الريّس - لا تشبه أشجاره أيّة أشجار أخرى
شفيق عبّود - أشكال لا توجد في الطبيعة
وجيه نحله - من هي هذه المرأة؟
كلّ نصّ أدبيّ يبدأ من مكان ما، ينطلق من رمية حجر عشوائيّة في بركة مياه مستعدّة لمختلف أنواع الاحتمالات، ثمّ يكوّن عالمًا آخر لا علاقة له بالمكان الأوّل. وفي هذا العالم الجديد ترتسم دوائر على سطح المياه لم يرسمها رامي الحجر، ولم تخطّط لها البركة، ولم يكن الحجر إلاّ وسيلة تشكّلها.
كلّ نصّ أدبيّ يبدأ من مكان ما، ينطلق من رمية حجر عشوائيّة في بركة مياه مستعدّة لمختلف أنواع الاحتمالات، ثمّ يكوّن عالمًا آخر لا علاقة له بالمكان الأوّل. وفي هذا العالم الجديد ترتسم دوائر على سطح المياه لم يرسمها رامي الحجر، ولم تخطّط لها البركة، ولم يكن الحجر إلاّ وسيلة تشكّلها.
والنصّ الأدبيّ الذي أشعلته نظرة أو حرّكت سكينته كلمة أو أثارته حركة أو ابتسامة أو دمعة لا يخضع في نسبة كبيرة منه سوى لمزاجه الخاصّ ولا يرقص إلاّ على إيقاع تنفّسه ولا يتوهّج غير ساعة يريد ولا ينطفئ إلاّ لحظة يتعب. وهو ليس معنيًّا في أيّ حال بالكاتب أو بالقارئ، بالحقيقة أو بالمتخيّل، بالديمومة أو بالآنيّة، بل هو متحرّر من كلّ ذلك، لا يؤمن إلاّ بذاته ولا يثق إلاّ بنفسه.
ومع ذلك فالقارئ لا يرضى إلاّ بأن يكون محقّقًا في دائرة الشرطة، يريد أن يعرف كلّ شيء، ويريد إقامة علاقة صداقة مع كاتب النصّ ولا يعرف أنّ الكاتب لا يشبه نصوصه، ويريد أن يلقي القبض على الشخصيّة الحقيقيّة التي أوحت بالشخصيّة الروائيّة ولا يعي أنّه متى فعل ذلك ألقى القبض على الواقع السخيف وأضاع المتخيّل الرائع.
إذا كنّا نؤمن حقًّا بأنّ الخلاص هو في الفنّ فلم نريد للفنّ أن تشوّهه الأسئلة الاتّهاميّة، وتشلّه التحقيقات المجّانيّة، وتقتله الرغبة في المعرفة التي تهجّر الحلم؟ وإن كنّا ننتظر عادة من الأجوبة أن تريحنا من همّ القلق والتساؤل وأن تنقلنا إلى عالم الوضوح واليقين فعلينا أن نتوقّع السقوط في فخّ الخيبة والملل متى تعلّقت الأجوبة بالشخصيّات الروائيّة والرموز الشعريّة.
لا يمكن أن يكون التشابه دقيقًا بين الشخصيّة الحقيقيّة التي من لحم ودم والشخصيّة التي أنجبها الخيال وخلّدها الفنّ. ومهما حاولنا أن نجد أوجه شبه فالشخصيّة الفنيّة أجمل (ولو مثّلت البشاعة)، وأبقى (ولو عبرت في زاوية صحيفة)، وأكثر غنى وتنوّعًا من أيّ إنسان أوجدته الطبيعة على غناها وثرواتها. لكنّ القارئ ليس وحده من يرغب في تحويل الفنّ واقعًا والمتخيّل ملموسًا، فالأدباء والفنّانون غالبًا ما يقعون في غرام الشخصيّات التي اخترعوا وجودها فأفنوا العمر وهم يبحثون عمّن يشبهها، فكانت الخيبة نصيبهم والألم مكافأتهم، إذ حوصروا بالشخصيّات التي خرجت من رحم الخيال وأبصرت النور في لحظة إبداع لا تتكرّر. وهذا بالطبع أسوأ أنواع الحصار لأنّه قائم في جزء منه على الواقع الذي يقول أن لا شيء يمنع وجود هذه الشخصيّات، وعلى الحلم الذي نعرف في قرارة أنفسنا أنّ جماله نابع من كونه حلمًا ومتى تحقّق تشوّه.
* نشر هذا النصّ في جريدة النهار في 10 تشرين الأوّل 2003
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق