إلى ألكسندر شربل المولود من صلابة الإيمان ورحمة السماء
وُلِدْتَ يا صغيري مرّة أولى من صُلب رجل ورحم امرأة، وولدت مرّة
ثانية من صلابة إيمان رجل ورحمة قلب امرأة. فما أسعد حظّك وما أكرم السماء التي
منحتك ولادتين لا يفصل بينهما سوى ثلاثة أسابيع.
وجدوك ملقى في أقمطة على باب دير، وبين عيد مار يوسف، الرجل الذي
تبنّى المسيح، وعيد الأمّ، صرت من نصيب أبوين ينتظران منذ اثني عشر عامًا طفولة
تحبو في بيتهما الجميل. وحين عجز الطبّ عن منحهما ذلك، تدخّلت السماء وأرسلتك
ملاكًا ينشر البهجة كلّما رفرف بصوته مناديًا حنانًا تخمّر في أقبية العمر الواعد.
سيأتي يوم تعرف فيه يا صغيري أنّ السماء أنجبتك، وأنّ الأرض حضنتك،
وبينهما كان كلّ ما في الكون ينبئ بمجيئك الثاني، إلى حيث تنتظرك حياة جديدة. لا
أعرف كيف ستكون ردّة فعلك حين تعلم، ويجب أن تعلم، أنّ أبوين جسديّين كانا سبيلك
إلى أبوين روحيّين: قد تغضب، قد تعاتب، قد ترفض، قد تطرح أسئلة، وهذا كلّه من
حقّك، لكن حين تنظر إلى صورك التي يوزّعها والداك الفخوران علينا ستكتشف كم كانت
طفولتك جميلة وهانئة ودافئة، وكم أحاط بك حبّ تعدّى الوالدين ليطال العائلة
الكبيرة كلّها والأصدقاء والزملاء والجيران، وكم ذُرفت دموع سعادة ابتهاجًا بك.
وحينذاك ستبكي فرحًا، وستشكر السماء التي أرسلتك شاهدًا على سخائها، وتقبّل الأرض
حيث وضعوك وكان عمرك أسابيع قليلة، وستسامح والدَين قد لا تعرف ظروف تخلّيهما عنك
ولا مصيرهما بعدك.
ولادتك الثانية ستليها معموديّة مباركة تثبّتك ابنًا لمي وفراس،
وسيكون شفيعك شربل رفيقك في دروب القداسة، وفي شعنينتك ستكون شمعتك الصغيرة باهرة
الضوء دافئة العطاء، وحين تتناول قربانتك الأولى ستذوق طعم السماء التي باركتك مذ
ولدت، وفي يومك الأوّل في المدرسة ستكتشف أنّ العلم طريق إلى الله صعب وجميل في
الوقت نفسه، وستتوالى عليك مناسبات، فيها بسمة وفيها دمعة، لكنّك، فيها كلّها، لن
تكون بعد اليوم متروكًا، وحيدًا، حزينًا.
فيا أيّها الصغير الذي لا أعرف متى وكيف ستقرأ رسالتي هذه، ولا أين
سأكون أنا، ابقَ ملاكًا مرسَلًا، كن دائمًا ابن الإنسانيّة التي تجمّعت حول سريرك
مذ وصلت إلى بيتك الآمن، كن نجمةً ترشد الضالين إلى مغارة فيها طفل يشبهك، وكن
سمعان القيرواني لا يتردّد في مساعدة المحتاج، ولا تخشَ أن تحمل صليبًا قد يكون في
انتظارك عند مفارق الحياة، إذ لك من اسمك الأوّل شجاعة الرجال ومن اسمك الثاني قداسة
النسّاك، وما أحوجنا يا صغيري إلى من يحمل هاتين الصفتين في زعمائنا الروحيّين
والمدنيّين والعسكريّين.
فيا صغيرًا بحجم حبّة قمح واعدة، وجميلًا كزهرة بريّة نضرة، انمُ
بالحكمة والقامة، وطرْ كفراشة، وحلّق كنسر. فأنت ابن الحبّ، وصنيعة الرجاء، وهديّة
السماء... ولا تقبل بأقلّ من ذلك، لأنّك مستحقّ!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق