بيكاسّو - المرأة المنتحبة |
لم تتوقّف الحرب التي بدأت في 13 نيسان 1975 ولم ينته مسلسل العنف ولم يوضع حدّ لعمليّات التعذيب والتنكيل والتشويه والإذلال؛ والقلوب التي نمت على الحقد لم تعرف السلام الداخليّ بعد.
ما أتحدّث عنه هنا ليس ما يجري في كواليس السياسة وأزّقة الصراع وبؤر المؤامرات، ما أتحدّث عنه هو الكثير من المقاتلين الذين كانوا مراهقين في بداية الحرب وتزوّجوا وأنجبوا ولا يزالون حتّى اليوم يمارسون مختلف فنون الحرب ولكن...في منازلهم ومع نسائهم وأولادهم.
إنّ نظرة سريعة إلى بيوت عدد كبير من هؤلاء المقاتلين تظهر مشاهد لا تصدّق من الممارسات الشاذّة كأنّ الواحد منهم لم يع بعد أنّ هذه المرأة هي زوجته وليست أسيرة عنده وأنّ هؤلاء الأولاد هم أبناؤه وليسوا معتقلي حرب.
تقول إحدى الزوجات: كنّا صغارًا حين تزوّجنا، وهو الآن نادم على قراره ويعاملني كأنّني سرقت منه حياته وشبابه فيضربني ويشتمني ويخونني ويهدّد بقتلي إذا ما خالفت أوامره.
وتقول زوجة ثانية: لا يزال زوجي يحتفظ ببزّته العسكريّة ويرتديها حين يرغب في ممارسة الجنس طالبًا منّي أن أفعل ما تفعله النساء في الأفلام الإباحيّة، وإذا رفضت ضربني بالحزام السميك وركلني بالحذاء الضخم ثمّ اغتصبني.
وتقول زوجة ثالثة: يجبر زوجي أولادنا على مشاهدة عمليّة الإذلال وإذا بكى أحدهم أو تدخّل مدافعًا عنّي ضربه وهدّد بحرقه بأعقاب السجائر.
وتقول زوجة رابعة: يشعر زوجي بالإحباط فهو في الحرب كان الآمر الناهي وجاء السلم ليخذله ولا يحقّق له ما كان ينتظره. لقد عاد رجلاً عاديًّا، لا يعيره أحد أيّ اهتمام فيصبّ غضبه علينا.
وتقول زوجة خامسة: زوجي ترك المدرسة والتحق بالحزب، وصرف ما ربحه في الحرب على المخدّرات والنساء والسلاح، ويعمل الآن في شركة أمن خاصّة ولا يكفينا راتبه ثمن الكحول. وإذا لم أعمل وأجلب له المال ضربني وضرب الأولاد.
حكايات النساء عن "أبطال" حروبنا الصغيرة لا تنتهي، وآثار العنف والضرب والإهانة تظهر واضحة في عيون أولادهم الذين بدأوا يضربون زملاءهم وإخوتهم لردّ الاعتبار لأنفسهم أوّلاً ولتقليد آبائهم ثانيًا، وثمّة بينهم من يضرب أمّه أو جدّته. وفي حين تغلّف هذه الحكايات بالصمت والكتمان والتعتيم، يزداد عدد ضحايا 13 نيسان ويتواصل مسلسل العنف في بلد لا يجرؤ أحد فيه على فضح الأسرار العائليّة وشعار أهله يقول: "خلّيها بالقلب تجرح ولا تطلع وتفضح".
لا أعرف إن كان ثمّة إحصاءات حول هذا الموضوع، أو دراسات حول هذه الفئة العمريّة من الرجال (بين 45 و55 سنة) الذين كبروا فجأة حين أطلقوا الرصاصة الأولى على الضحيّة الأولى. ولكن مجرّد التواجد في محيط توجد فيه هذه الشريحة من الرجال غير المتعلّمين وذوي الدخل المحدود جدًّا والمقتنعين بأنّهم لم يوفّقوا كما يجب في حربهم الأولى يكفي كي نخاف على أنفسنا حين نسمعهم يقولون وبريق تقشعرّ له الأبدان يسطع من عيونهم: لو تعود الحرب لأيّام فقط لنعوّض ما حرمنا منه.
ولكن ما الذي حرم منه هؤلاء؟
الجواب: الإدمان على القتل والعنف والتذويب في الأسيد والاغتصاب ورمي الجثث في مكبّ النفايات أو تحت الجسور أو في مقابر جماعيّة والشعور بالتفوّق والمتعة في فرض قوانين خاصّة.
وأولادهم المراهقون الضحايا؟
هم مع الأسف أسرى حرب يتماهون مع معتقليهم ويقلّدونهم على الرغم من الكره الشديد الذي يحملونه لهم، والغضب العنيف الذي يجعلهم يتمنّون الموت لآبائهم وهم لا يعرفون أنّهم باتوا، في غياب المعالجات النفسيّة والمتابعة الاجتماعيّة، نسخة طبق الأصل عنهم، أي قنابل موقوتة لا نعرف متى تفجّر نفسها فتجرف معها احتمالات الخلاص.
تقول إحدى الزوجات: كنّا صغارًا حين تزوّجنا، وهو الآن نادم على قراره ويعاملني كأنّني سرقت منه حياته وشبابه فيضربني ويشتمني ويخونني ويهدّد بقتلي إذا ما خالفت أوامره.
وتقول زوجة ثانية: لا يزال زوجي يحتفظ ببزّته العسكريّة ويرتديها حين يرغب في ممارسة الجنس طالبًا منّي أن أفعل ما تفعله النساء في الأفلام الإباحيّة، وإذا رفضت ضربني بالحزام السميك وركلني بالحذاء الضخم ثمّ اغتصبني.
وتقول زوجة ثالثة: يجبر زوجي أولادنا على مشاهدة عمليّة الإذلال وإذا بكى أحدهم أو تدخّل مدافعًا عنّي ضربه وهدّد بحرقه بأعقاب السجائر.
وتقول زوجة رابعة: يشعر زوجي بالإحباط فهو في الحرب كان الآمر الناهي وجاء السلم ليخذله ولا يحقّق له ما كان ينتظره. لقد عاد رجلاً عاديًّا، لا يعيره أحد أيّ اهتمام فيصبّ غضبه علينا.
وتقول زوجة خامسة: زوجي ترك المدرسة والتحق بالحزب، وصرف ما ربحه في الحرب على المخدّرات والنساء والسلاح، ويعمل الآن في شركة أمن خاصّة ولا يكفينا راتبه ثمن الكحول. وإذا لم أعمل وأجلب له المال ضربني وضرب الأولاد.
حكايات النساء عن "أبطال" حروبنا الصغيرة لا تنتهي، وآثار العنف والضرب والإهانة تظهر واضحة في عيون أولادهم الذين بدأوا يضربون زملاءهم وإخوتهم لردّ الاعتبار لأنفسهم أوّلاً ولتقليد آبائهم ثانيًا، وثمّة بينهم من يضرب أمّه أو جدّته. وفي حين تغلّف هذه الحكايات بالصمت والكتمان والتعتيم، يزداد عدد ضحايا 13 نيسان ويتواصل مسلسل العنف في بلد لا يجرؤ أحد فيه على فضح الأسرار العائليّة وشعار أهله يقول: "خلّيها بالقلب تجرح ولا تطلع وتفضح".
لا أعرف إن كان ثمّة إحصاءات حول هذا الموضوع، أو دراسات حول هذه الفئة العمريّة من الرجال (بين 45 و55 سنة) الذين كبروا فجأة حين أطلقوا الرصاصة الأولى على الضحيّة الأولى. ولكن مجرّد التواجد في محيط توجد فيه هذه الشريحة من الرجال غير المتعلّمين وذوي الدخل المحدود جدًّا والمقتنعين بأنّهم لم يوفّقوا كما يجب في حربهم الأولى يكفي كي نخاف على أنفسنا حين نسمعهم يقولون وبريق تقشعرّ له الأبدان يسطع من عيونهم: لو تعود الحرب لأيّام فقط لنعوّض ما حرمنا منه.
ولكن ما الذي حرم منه هؤلاء؟
الجواب: الإدمان على القتل والعنف والتذويب في الأسيد والاغتصاب ورمي الجثث في مكبّ النفايات أو تحت الجسور أو في مقابر جماعيّة والشعور بالتفوّق والمتعة في فرض قوانين خاصّة.
وأولادهم المراهقون الضحايا؟
هم مع الأسف أسرى حرب يتماهون مع معتقليهم ويقلّدونهم على الرغم من الكره الشديد الذي يحملونه لهم، والغضب العنيف الذي يجعلهم يتمنّون الموت لآبائهم وهم لا يعرفون أنّهم باتوا، في غياب المعالجات النفسيّة والمتابعة الاجتماعيّة، نسخة طبق الأصل عنهم، أي قنابل موقوتة لا نعرف متى تفجّر نفسها فتجرف معها احتمالات الخلاص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق