حين
أنشر نصًّا على مواقع التواصل الاجتماعيّ، أتوقّع طبعًا أن تكون له قراءات مختلفة،
يأتي كلّ منها من خلفيّة كوّنتها عناصر العمر والبيئة والدين والثقافة والجندر...
وحين تصلّني تعليقات القرّاء حاملة رؤاهم المتنّوعة المذاهب والمشارب أحاذر الدخول
في سجال خشية أن يصرفني ذلك عن كتابة جديدة لفكرة تلحّ عليّ. فأكتفي بالردّ غالبًا
بتلك الرموز الجاهزة، أعلن فيها أحد موقفين: وضع علامة "لايك" لمن أعطى
رأيًا، ووضع "قلب" لمن عبّر عن عاطفة تشيد بما كتبت (إذ لا يمكن أن أضع
لايكًا لمن يمدحني كأنّني أوافقه الرأي).
إنّ
حصر ردودي بهذين الرمزين لا يعني أنّني أوافق على كلّ ما يصلني من ردود وتعليقات،
بل يهدف في الدرجة الأولى إلى شكر المتابعين على المتابعة (عند بعضهم وبعضهنّ هي
مواظبة دائمة) والوقت والرأي والعاطفة.
ولقد
لاحظت أنّ الكتابات الأدبيّة أو الفكريّة أو الفلسفيّة المطوّلة لا تنال حقّها.
وهذا طبيعيّ في عصر السرعة، ولأنّ هذا النوع من الكتابة لا يلائم وسائل التواصل،
حتّى إنّ بعض المتابعين يصارحني بأنّه حين يقرأ ملاحظة (See More) لا يغامر بالبدء
في القراءة لأنّه لن يجد الوقت أو الرغبة في المتابعة.
تبقى
الموضوعات الجاذبة المتعلّقة بالحبّ والدين والجندر، أي تلك التي تداعب مخيّلتنا
أو مشاعرنا أو عقد نقصنا. وهنا يختلط الحابل بالنابل.
فللتوضيح:
في شأن الحبّ: الكتابة الإبداعيّة الأدبيّة تستحضر حالة أو تولّد حالة، وليست تدوينًا ليوميّات. وما يفاجئني في بعض التعليقات أنّ أصحابها (رجالًا ونساء) يؤمنون بأنّها نقل حيّ مباشر لعلاقة عاطفيّة تريد تسجيل أكبر عدد من المشاهدين. وهذا ما يحصل حين تحصد هذه الكتابات العدد الأكبر من التعليقات (القميص الأزرق مثالًا).
في شأن الحبّ: الكتابة الإبداعيّة الأدبيّة تستحضر حالة أو تولّد حالة، وليست تدوينًا ليوميّات. وما يفاجئني في بعض التعليقات أنّ أصحابها (رجالًا ونساء) يؤمنون بأنّها نقل حيّ مباشر لعلاقة عاطفيّة تريد تسجيل أكبر عدد من المشاهدين. وهذا ما يحصل حين تحصد هذه الكتابات العدد الأكبر من التعليقات (القميص الأزرق مثالًا).
في
شأن الدين: تعبّر بعض التعليقات عن سطحيّة مخيفة في النظرة إلى الشأن الدينيّ،
لذلك ينال نصّ كتبته عن زوّار دير عنّايا أكثر من مئة ألف قارئ على المدوّنة،
بينما لا تنال كتابات المونسنيور ميشال حايك إلّا عددًا محدودًا من علامات
التقدير. ما يعني أنّ الفكر يسقط أمام الغريزة.
في
شأن الجندر: أؤمن بالفروق بين الرجل والمرأة بيولوجيًّا، وأؤمن بالأثر الذي يتركه
ذلك على الأقل في مزاج كلّ منهما. ولكنّ هذين الكائنين يتكاملان في الألوهة، لا
بمعناها العجائبيّ الطوباويّ، بل بالسموّ الذي يعلو بهما معًا فلا يغرقان في
مستنقع التفاهة والسطحيّة والاجترار والتقليد (إلهة تبحث عن إله أو إله يتوق إلى
إلهة). أمّا بعض التعليقات التي ترد على هذا النوع من الكتابة فتحاول أن تعيدني
إلى مستوى الذكوريّة التي ترفض وتملي والنسويّة التي توافق وتزايد، ما يضعني من
جديد في خانة تحديد الجندر أي أنا "امرأة" تكتب عن "رجل"، وما
يعيد كلّ قارئ (أو قارئة) إلى خانته الجندريّة وخيانته الإنسانيّة. يغذّي ذلك
تجارب شخصيّة خاصّة بكلّ من الجنسين، يضاف إليها تربية اجتماعيّة ومفاهيم سائدة،
لم يغيّرها العلم والعمر. فيعود الرجال (في ردودهم) أطفالًا حردانين، وتعود النساء
مقهورات مظلومات. ويضيع النصّ في متاهة المع والضدّ، وتذوب الحالة الخاصّة المفروض
أن تكون إبداعيّة في كيان الجماعة التي تريد إلهًا من تمر تأكله حين تجوع.
هنا
يكمن خطر الكتابة على هذه المواقع، وتعود القيمة إلى الكتاب الورقيّ (ولو بقي على
الرفوف يأكله الغبار)، يقصده من يتمهّل في القراءة، ويتأنّى في النقد، بعيدًا عن
الواجبات الاجتماعيّة. وهذا ما أتوق إليه خصوصًا وأنا أعيد – كما في كلّ صيف –
تنظيم مكتبتي وترتيبها، بما فيها من قصاصات صحف وملفّات لشعراء وأدباء.
هل بات الصمت الإلكترونيّ حاجة؟
هل بات الصمت الإلكترونيّ حاجة؟
على
الأرجح...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق