الصّالات تكثر والعشق
ألا يشعر الرّائي بالتّردّد؟
ثمّة بركة، ولا شكّ، في هذه الحركة الهادفة إلى افتتاح
صالات للسّينما، جديدة، وفي أماكن جديدة. فنحن، ولا أدنى شكّ، مع كلّ بناء يجمع
النّاس حول عمل إبداعي.
ولكن، هل من الإبداع في شيء أن يتحوّل المسرح إلى سينما؟
أليس الهدف تجاريًّا أيضًا من الانتقال إلى عروض الأفلام بعد التّجارة بالثّياب
(تحويل مسرح مارون نقّاش، رائد المسرح في العالم العربي، إلى معمل خياطة)؟
سؤال آخر، هل تترافق هذه الدّور الجديدة مع حركة فنّية
ثقافيّة واعية وعميقة؟ أو السّينما هي السّلوى الوحيدة ـ والأرخص نسبيًّا ـ وقت لا
يجد الشّباب ما يفعلونه غير الذّهاب إلى السّينما؟ إنّ هذه الهواية لم تنتج بعد
أثرًا فاعلًا حقيقيًّا، فلا نوادي السّينما كافية، ولا مناقشة الأفلام تجد من
يتابعها، ولا معاهد لتدريس هذا الفن، وتحويله من مجرّد تلقّ سلبيّ إلى عطاء
وإبداع.
ما الهدف إذن من إكثار هذه الدّور في بقعة جغرافيّة
محدّدة وصغيرة؟ هل يعي القيّمون على هذا الفنّ إنّ تجميع 1800 شخص في صالات
الاسباس مثلًا، أو 800 شخص في الصّالات الجديدة في فردان، وأكثرهم من الشّبّان،
عمل إيجابيّ وخطير في الوقت نفسه: إيجابيّ لأنّه يجد بديلًا ثقافيًّا لهؤلاء
الّذين "ينقّون" دائمًا لأنّهم ضجرون ولا يجدون ما يفعلونه، فهم لا
يطالعون ولا يلاحقون الأعمال الفنّيّة الّتي تتطلّب ذهنًا عقليًّا حقيقيًّا ـ هكذا
يقولون ـ وأكثر مشاهدي السّينما يحوّلونها، مع الأسف، إلى مواعيد ولقاءات وتمضية
وقت. (ألا يشعر الواحد منّا بالتّردّد أن يطلب من عاشقين يجلسان أمامه أن يبتعدا
بعضهما عن بعض ليرى الشّاشة، أو يتركهما للحظات وحدتهما في العتمة الحاضنة، بعيدًا
عن دوريّات المحافظة على الآداب؟).
وهو عمل خطير في الوقت نفسه، لأنّ هذا الجيل سيعكس
مبدئيًّا حضارة واحدة ولغة واحدة، وفكرًا واحدًا. وهكذا ينتقل هذا الجيل، تباعًا،
من أمام التّلفزيون والصّور المتحرّكة، "الأميركيّة" إلى أفلام التّشويق
والإثارة "الأميركيّة". وكلّنا يعلم إنّ السّينما الفرنسيّة والإيطاليّة
لا تجذب روّادًا كثيرين، كما إنّ السّينما المصريّة تحتاج إلى أكثر من يوسف شاهين
ليزيل ما علق بالنّاس من سخافة الأفلام المصريّة ـ وتجربة الإسباس مع
"المهاجر" معبّرة جدًا.
هل تتحوّل هذه الحركة إلى بركة حقيقيّة، على غير الصّعيد
الحالي والتّجاري؟ أو تتحوّل أجيال بكاملها إلى الصّورة الوحيدة المفروضة علينا في
غياب أي عمل محلّيّ تلفزيونيّ أو سينمائيّ، خاصّة، وفي غياب النّصّ المسرحيّ
الموضوعيّ غير المترجم؟
نخشى أن يكون النّظام العالميّ الجديد حسم أي جدل.
ميّ م. الرّيحاني
الاسم المستعار لماري القصّيفي
الاسم المستعار لماري القصّيفي
جريدة "النّهار" السّبت 26 تشرين الثّاني 1994
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق