الاثنين، 30 أبريل 2018

من للغلط ومن للجمال؟- علي سرور - جريدة "النّهار" الأربعاء 31 آب 1994



من للغلط ومن للجمال؟
دخلت حيّة إلى يومنا الثّقافيّ، كتبها شوقي أبي شقرا، جورج كعدي، زاهي وهبي، اسماعيل فقيه وآخرون. ولماذا حيّة؟ كنت أسائل نفسي وأجاوبها، حيّة من ناحيتين في مرورها تولد نقزة استنفارًا تهيّبًا، تفرض حالة طوارئ. حالة طوارئ. دون قمع بالطّبع. فالثّقافة بعيدة كلّ البعد عنه. تجافيه، تخاصمه، تقاتله، الثّقافة تضع منافسة بين زملاء، بين أصدقاء، بين أصحاب الكار. وهي تضعها لتبتكر جديدًا، حديثًا، اكتشافًا، لتقيم عالمًا للحوار الحرّ المتحرّر من التّزمّت والعصبويّة العمياء. ومن التّكتّلات الخرقاء، لتشيد ثقافة منثورة، منفتحة، غايتها الإنسان، سعادته. فماذا تضع ثقافتنا اليوميّة في العاصمة وبعض الأطراف؟ هل هي كما يقول عنها وفيها الشّاعر شوقي أبي شقرا: إنّ الثّقافة واجبها أن تحارب الغلط، أن تبرز الجمال، أن تناصر العصافير، أن تمنع التهام الشّعراء لها أوّلاً، والنّاس ثانيًا؟ أم هي كما يقول جورج كعدي عنها وفيها: إنّ الثّقافة اليوم ثقافة البغض والكره والتّحزّب الشّوفيني والحشريّة المرذولة، ونقل المتاريس من الأسواق التّجارّية إلى الأسواق الثّقافيّة، وبين شوقي وجورج ملعب فسيح وكلّ منهما يرمي الطّابة إلى هدف واحد. وكلاهما معه حقّ باستثناء إنّ الثّقافة حقّها ضائع ما بين زاهي وهبي واسماعيل فقيه في موقفهما حول السّائد في الشّعر والثّقافة وتوابعهما فزاهي واسماعيل يلتقيان وإن كانا شبيهين بالخطّين المتوازيين. يلتقيان في القصيدة، في شغبهما، في مشاكستهما للسّائد، في تعلّقهما بالمرأة، في استيلاد جديد ما. وكلّها أمور من صلب الثّقافة، الّتي تلتقي معهما م. م. الرّيحاني في متابعتها للحركة الثّقافيّة اليوميّة ورصدها وكتابة الجميل والممتع فيها بشرط أن تخفّف من مقالاتها لبعض المسائل المتناولة في مقالاتها، كأنّها تخفّف عنّا ما يكتبه علي حرب في أمور شتّى، كأنّه عالم بكلّ شيء وما أجمل أن يكون المرء عالمًا بكلّ شيء. حتّى يتحقّق الكمال. وهذا حلم. ولأنّه حلم، دخلت الحيّة إلى حياتنا اليوميّة لتحقّق الجانب الثّاني، أن نتابع حركة الحيّة، أين ستصل وقبل أن تصل، أين تذهب، ما غايتها؟ ولم النّقزة وقعت وأيضًا الاستنفار. يبقى أن نستكمل الحيّات السّود والحمر والمرقّطة حتّى تلتقي في فسحة ما، تتحاور وجهًا لوجه، تتعارك ولا بأس في التّعارك، يا حبّذا لو تخرج الحيّات من أعمدتها السّود إلى ضفّة نهر. وبضعة أحجار أو صخور نركبها بدلاً من كراسي برت سراويلنا حتى بانت عوراتنا وكلّ يتباهى بأنّ عورته أجمل، أروع، وأبهى والصّحيح إنّ كلّ عوراتنا متساوية في البري وهي في حاجة إلى حيّة حمراء تعقصها، لنروح معًا إلى فسحة نُقوّم أغلاطنا، وننقد عوراتنا، ونعترف بالآخر زميلاً لا عدوًّا، ربّما بذلك نخفّف من عصبويتنا ونخلق ثقافة من أمّهات الثّقافات المجيدة.
علي سرور
  جريدة "النّهار" الأربعاء 31 آب 1994     

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.