1- رحلت إميلي نصرالله في الزمن الغلط. رحلت في موسم انتخابيّ قبيح لا تتّسع مهرجاناته ولقاءاته للحديث عنها. في زمن قحط إعلاميّ لا يلتفت إلى خبر غيابها إلّا على عجل وفي نهاية النشرة، ولا يواكب مراسم الدفن أو يسجّل لحظاته المؤثّرة. في عصر انحطاط ثقافيّ غابت عنه الصفحات الثقافيّة التي كان على أعمدتها أن تنحني احترامًا لدورها وعطائها.
ماتت إميلي نصرالله، لكن ليس قبل أن تحيا الحياة التي تشرّف الحياة.
2- غاب عن مأتم الست إميلي فلّاحون كانت منهم، وبقيت منهم. وغابت طيور انطلق مع أجنحتها حسّ روائيّ نقيّ صادق أصيل. وغابت أزهار حقول عشقتها لتحضر أكاليل، أين منها ورود زيّنت زوايا بيتها الذي هُجّرت منه، فأمرضها التهجير بعدما جرح قلبها غياب زوجها.
وعن هذا المأتم قالوا: شيّعت زحلة اليوم... - نعم، فقط زحلة - وليس لبنان كلّه، وليس عالم اللغة العربيّة كلّه... وليس عالم الأدب الذي ترجمت كتبها إليه..
3- أجمل ما كتبته إميلي نصرالله حياتها مع زوجها فيليب. حين التقيتها، وكان مريضًا، بدت كمن يعاني من نقص ما، أو كأنّها تائهة في عالم مخيف، أو كعاشقة مشتاقة حائرة تستعجل لحظة اللقاء به عائدًا من مرضه لتخبره تفاصيل يومها ومجريات الأحداث.
أعتقد أنّ الاستقرار العاطفيّ والعائليّ الذي عرفته مع الزوج / الحبيب هو ما أشاع الاتّزان والثبات في مسيرتها الأدبيّة. لكأنّ فيليب هو قريتها الكفير، وهو الأب والأم والأخوة، وهو الأرض المعطاء، وهو البيت الآمن، وهو الكلمة التي تولد منها روايات وقصص وقصائد ومقالات... وهو الرجل الذي تكتمل به المرأة بلا خوف على أنوثتها أو موهبتها...
4- ينتهي هذا اليوم، يوم عيد الأمّهات، وتخفّ وتيرة المعايدات، لكنّ وجه إميلي نصرالله، "أمّ الرواية اللبنانيّة" كما وصفتها صحيفة الأخبار اللبنانيّة، يعاند عتمة الليل، ورهبة الموت، فتشرق ابتسامتها من خلف حجاب الغياب، مضيئة باهرة.
كيف نعلّم أنفسنا أنّ الأمومة ليست احتفاليّة يوم في السنة، وأنّ الرحيل ليس موضوعًا صحافيًّا يُكتب وينشر إتمامًا لواجب، وأنّ الكتابة عمّن نقدّرهم ونحبّهم ليست موضة مرهونة بموسم أو مرتبطة بروزنامة، وأنّ تكريم المبدعين ليس فورة انفعاليّة، آنيّة، عشوائيّة، تنتهي لحظة يموت مبدع آخر؟
إميلي نصرالله! سنبحث عن أناقتك حين تجرح عيونَنا رداءةُ ما صارت ترتديه النساء، وعن تهذيبك حين تؤذي سمعَنا وقاحةُ مدّعيّات الجرأة، وعن جرأتك حين تصدمنا ادّعاءاتُ مسترجلاتٍ زحفطونيّاتٍ مزيّفات، وعن تواضعِك حين تشرئبّ أعناق شويعرات صغيرات لاهثات خلف الشهرة، وعن صلابة الفلّاحة التي فيك حين تثير اشمئزازَنا ميوعةُ اللواتي والذين يأنفون من ذكر القرية ويتعالون على ملمس التراب، وعن لغتك السليمة الصافية النقيّة الصادقة حين تبدو كلمات الآخرين ثرثراتٍ ترهق النفس.
4- ينتهي هذا اليوم، يوم عيد الأمّهات، وتخفّ وتيرة المعايدات، لكنّ وجه إميلي نصرالله، "أمّ الرواية اللبنانيّة" كما وصفتها صحيفة الأخبار اللبنانيّة، يعاند عتمة الليل، ورهبة الموت، فتشرق ابتسامتها من خلف حجاب الغياب، مضيئة باهرة.
كيف نعلّم أنفسنا أنّ الأمومة ليست احتفاليّة يوم في السنة، وأنّ الرحيل ليس موضوعًا صحافيًّا يُكتب وينشر إتمامًا لواجب، وأنّ الكتابة عمّن نقدّرهم ونحبّهم ليست موضة مرهونة بموسم أو مرتبطة بروزنامة، وأنّ تكريم المبدعين ليس فورة انفعاليّة، آنيّة، عشوائيّة، تنتهي لحظة يموت مبدع آخر؟
إميلي نصرالله! سنبحث عن أناقتك حين تجرح عيونَنا رداءةُ ما صارت ترتديه النساء، وعن تهذيبك حين تؤذي سمعَنا وقاحةُ مدّعيّات الجرأة، وعن جرأتك حين تصدمنا ادّعاءاتُ مسترجلاتٍ زحفطونيّاتٍ مزيّفات، وعن تواضعِك حين تشرئبّ أعناق شويعرات صغيرات لاهثات خلف الشهرة، وعن صلابة الفلّاحة التي فيك حين تثير اشمئزازَنا ميوعةُ اللواتي والذين يأنفون من ذكر القرية ويتعالون على ملمس التراب، وعن لغتك السليمة الصافية النقيّة الصادقة حين تبدو كلمات الآخرين ثرثراتٍ ترهق النفس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق