لا عيد للأبناء الصالحين، ولا احتفال بالأبناء البررة!
هناك فقط أعياد للجدّين والأبوين... والطفل!
أمّا ذاك الإنسان الذي يمضي حياته ابنًا صالحًا أو ابنة
وفيّة، فلا مكان له على روزنامة المناسبات، كأنّ الذاكرة الجماعيّة عاجزة عن
الخروج من أسر منظومة عاطفيّة متوارثة، لا تقبل بدور جديد على مسرح العلاقات
العائليّة.
فالطفل بريء من الدنس، والأمّ نبع الحنان، والأب مثال
العطاء، والجدّان حاضنا الطفولة، والمعلّم شمعة تضيء لتنير درب الأجيال... ولكن
ماذا عن الأبناء والبنات الذين ما إن يقسو عودهم حتّى يصيروا هم الأهل فيحملون
مسؤوليّة والديهم بمحبّة نادرة، وعطاء مجّانيّ، وامّحاء كليّ؟
يتناقل الناس قصصًا وأفلامًا عن الأبناء
الذين يغضبون على أهلهم، ولا يصبرون على أمراض شيخوختهم، ولا يحتملون ما آلت إليه
أوضاع والديهم. ولا أذكر أنّني قرأت أو سمعت ما يخفّف من قسوة الأحكام على هؤلاء
الأبناء. فماذا لو رأينا – ما عدا في الحالات الشاذّة المتطرّفة – في البنوّة
قداسة توازي الأمومة والأبوّة أو تفوقها؟
فحين تصبر الأمّ على أخطاء طفلها وتعلّمه
فلأنّها ترى فيه مستقبلًا واعدًا جميلًا، بينما حين يغضب الابن على خرف أمّه وكثرة
أسئلتها فلأنّه يرى النهاية القريبة ويرفض تقبّلها.
وحين تبدّل الأمّ حفاض طفلها، تناغيه
وتداعبه وهي تفكّر في أنّه عمّا قريب سيكبر ويتعلّم أين يقضي حاجته وكيف، ولكن حين
تبدّل الابنة حفاض والدها تبكي بحرقة لأنّها تشعر بحيائه أمامها ورفضه ما آلت إليه
أوضاعه، ولأنّها تعي أنّ الأمر سيزداد سوءًا.
فالوالدان يريان المستقبل المشرق، ولو كان
ولدهما مريضًا، فسيتمدّان من هذه الصورة الأمل والقوّة، لكنّ الأولاد يرون في ما
يصيب أهلهم من أمراض ذهنيّة وجسديّة نهاية حتميّة، نهاية حتميّة لما كان عليه
الأهل ولن يعود إلى سابق عهده.
فضلًا عن ذلك، لا ضمان شيخوخة ولا أمان
واستقرار للعجزة (ولا للبلد كلّه)، ما يعني أنّ مسؤوليّة الأهل تقع على الأبناء:
أدوية، مستشفيات، وسائل ترفيه وتسلية، حفظ كرامة، وذلك ليس سهلًا إلّا على
الأثرياء. ومع اختفاء الطبقة الوسطى، وتحوّل أكثر الشعب اللبنانيّ إلى خانة الفقر
والعوز، بات الأبناء الذين يعتنون بأهلهم - وخصوصًا إن صار الأبناء أرباب عائلات
أيضًا - حاملين أضعاف أضعاف ما يمكن للمرء أن يتحمّله، ورازحين تحت ثقل الحياة
العامّة والمعاناة الخاصّة. من دون أن ننسى أنّ ثمّة أبناء اعتنوا بأهلهم لسنين
تفوق بكثير عدد السنوات التي اهتمّ فيها أهلهم بهم، وعاملوهم أفضل بكثير ممّا عوملوا به.
***
يوم كان الناس في القرى محاطين بالأهل
والجيران، لم يشكّل العجزة عبئًا. وزمن كانت الطبيعة ملعب الأطفال ومنتزه الشيوخ،
لم يكن التقدّم في السنّ أزمة. وكان "يللي ما عندو كبير يشتري كبير" لكي
يتعلّم منه الحكمة والمحبّة. أمّا اليوم، فالتقوقع في الشقق الصغيرة والبيوت
الضيّقة يطبق على صدور الجميع، والطبيعة التي أضحت مكبًّا للنفايات غاب عنها أطفال
كبروا على غفلة، وحُرم منها كبار تُضيّق البرامج التلفزيونيّة السخيفة عقولهم وتُصغّرها.
لعلّنا، نحن الأبناء الذين تصحّ علينا صفة
البنوّة، في حاجة إلى الفخر بأنفسنا وتقدير عطاءاتنا. فلا شكّ في أنّ الأمومة
رائعة، لكنّها ليست رائعة إلّا لأنّها نجحت في تربية أولاد رائعين، والأبوّة
عظيمة، لكنّها لا تكون عظيمة إلّا لأنّها خلّفت وراءها أبناء عظماء، لذلك فالبنوّة، هذه البنوّة، رائعة وعظيمة، وتستحقّ أن تسامح نفسها على تُهم التقصير والجحود التي ألصقت بها، ويليق بها أن تحتفل بنفسها وهي تتطهّر من عقد الذنوب التي لم ترتكبها.
هناك تعليقان (2):
badna eid lil oukht( sister ) kaman
حمى الله والدتك ... وحماكِ...
إرسال تعليق