وقف المسيح الرجل على باب المغارة وخاطب الطفل يسوع من دون أن ينبس بكلمة:
هنيئًا لك يا أيّها الصغير الذي هو أنا
الذي هو أنت
الذي هو هو
هنيئًا لك
أحضروا إليك الليلة الهدايا والطعام
أمّا أنا فيحملون إليّ كلّ يوم الوجع والجوع
ويلقون على كتفي كلّ ليلة آلامهم لأحملها عنهم
وفي كلّ لحظة يضعون بين يديّ مرضاهم لأشفيهم
استمتعْ بما أنت فيه يا وحيد أمّك
فالرعيان أطيب قلبًا من جنود الاحتلال
والعلماء أبعد نظرًا من الحكّام
والخراف أكثر وداعة من خيول العسكر
والمغارة الصغيرة أكثر أمنًا من القصر الفخم
وترانيم الملائكة أعذب من صراخ الجماهير
والقشّ غير الشوك
كلْ ونمْ يا ابن أبيك
واترك لي عندما تكبر أقمطتك لأستر بها عريي على الصليب
افتح عينيك يا طفل السماء واستمتع بالوداعة في عيون زائريك
فغدًا لن ترى إلاّ نظرات السخريّة والشماتة والحقد
احمل سريرك وامش يا من تحمله الملائكة
فغدًا ستحمل صليب العار
اشربْ حليب أمّك يا خبز الحياة
فغدًا سيسقونك الخلّ لعلّك تنسى خمرة الفصح
ماذا ستفعل بذهب المجوسيّ
يا من لا تعني كنوز الأرض لطفولته شيئًا
ويا من سيباع بالفضّة؟
ألن يكون التاج من شوك؟
ما حاجتك إلى اللبان يا مصدر العطر العذب
فالرائحة ستفوح من الدم النازف؟
وماذا يخيفك في المرّ
يا من لا يحتاج إلى حنوط الموتى لأنّه هو الحياة؟
يد أمّك تداعب رأسك الصغير تنسيني آثار الإكليل في رأسي
ويد يوسف تمسك بيدك تبلسم في يدي جرح المسمار
وتسابُقُ أولاد الرعاة لحملك يذكّرني بسمعان القيروانيّ الذي ساقوه إلى حمل الصليب معي
بعدما تنكّر لي سمعان الصخرة
هل تعرف من أنت يا كلمة صار جسدًا كما أعرف من أنا؟
هل تستطيع أن تصنع الأعاجيب مثلي أم أنت في حدّ ذاتك أعجوبة السماء على الأرض؟
بعد أكثر من ألفي سنة يا صغيري الذي هو أنا، ستبقى صغيرًا
لا بل ستكون أصغر من كلّ الذين حولك
وأصغر من الطابات الملّونة المعلّقة فوق رأسك
وأصغر من الخروف والنجمة والملاك
فتكاد أمّك تصرخ بالناس:
شذّبوا أغصان شجرة الميلاد كي لا تخفي باب المغارة!
أنت الآن، وستبقى، بحجم حبّة القمح التي زرعتَها
عجوز فقيرة في صحن فخّار عتيق ليلة عيد،
ومثلها جميل وكلّك حياة وخصب وعطاء
ومع ذلك فأنا أحسدك
لأنّ الناس يتسابقون لتحضير مكان ولادتك
أمّا أنا فيتسابقون لإعداد صليبي
كلّ ذلك لأنّك أنت لا تتكلّم
ولأنّني بالحقّ نطقت
دعني أنم إلى جانبك يا طفلاً صار أنا
ولم يكن يعي أنّه يعرف
فمشوارنا بدءًا من الليلة سيكون طويلاً
لكنّك لن تكون وحيدًا يا صديقي
فأنا معك إلى منتهى الدهور
لتنمو بالقامة والحكمة التي تلي الألم
أراك منذ الآن تلعب مع أترابك
وتلهو مع أولاد الجيران
وتعود إلى البيت لتطرح على أمّك الأسئلة الصعبة
فتنظر المرأة إلى يوسف طالبة منه المساعدة
فيلتفت إليك النجّار الطيّب ويقول:
عدْ إلى اللعب الآن، وستجد الأجوبة من تلقاء نفسك
وبالفعل سيحصل ذلك ليلة ذهابك إلى الهيكل
وأنت في الثانية عشرة من عمرك
تلك الليلة بكيت ولم يكن معك سواي
سالت دموعك كما في بستان الزيتون
ومن خلال حجاب الدمع رأيتني للمرّة الأولى ولم تُفاجأ
ولم تهرب ولم تغمض عينيك
تركت دموعك تنسكب بصمت
وأنت تكتشف دمعة بعد دمعة من أنت ومن أنا
تنظر إلى المغارة وترى ولادتك
وتنظر إلى المغارة وترى قيامتك
وتتمنّى لو كان في إمكانك
ألاّ ترى مسيرة الجلجلة التي امتدّت بينهما...
في تلك الليلة التي لا أحد يعلم بشأنها إلاّ الآب
عرفت ماذا ينتظرك فخفت
وطلبت منّي أن أُبعد هذه الكأس
فأجبتك: ولكنّي لأجل هذا أتيت
سألتني إن كانت الجراح تؤلم
قلت لك: المعاناة تؤلم أكثر
سألتني إن كان النزف سيتواصل
قلت لك: إلى أن تصير الأرض سماء
سألتني: هل الموت مخيف؟
قلت لك: ليس لمن يحبّ
سألتني: لماذا أنا؟
قلت لك: لأنّك الكلمة
***
صحيفة النهار - الثلاثاء 21 كانون الأوّل 2010
هناك 4 تعليقات:
لقد حقّ لك أن تدخلي إلى فرح ربك ياذات الخمس وزنات (ذهب)..
بلى، في الشعر ريحان وراح وكوثر..
ألا عافاك يا صديقتي بقول (إلياس أبي طعمة (صاحب مدرسة الحكمة):
أيها العصفور قل لي / أتغني أم تصلي
زادك الله جمالاً / في التغني والتفلّي
أعطني وزناً جديداً / لم يكن للشعر قبلي
أعلق أقول ايه طيب
(:
كل سنة و حضرتك طيبة (:
قد يكون رد متأخر ولكنها شديدة العبقريه
Merry Christmas
MishMish
لا يتأخّر الوقت على الكلام الجميل إن قراءة أو كتابة. فلتكن أيّامك أعيادًا
إرسال تعليق