الأحد، 10 يوليو 2016

إيلي صليبي... حامل الهوى التعب يستريح!



أحيّيك بشعرِك، أكتب عنك بوحي معرفتك، أحزن عليك وأنا أعرف أنّك الآن تسخر من حزني، يا أيّها الطفل الحكيم، يا أيّها العاشق منذ الأزل، يا أيّها المفكّر اللاهوتيّ، الشاعر الروائيّ، الإعلاميّ العالم، مذ التقينا في تلك الندوة عن كتابك "عودة النبيّ" وأنا أرتكب كلّ يوم خطيئة التباهي! 
وكيف لا وأنت قد اخترتني لأقول كلمة عن كتابك، ثمّ اخترتني لأكون شاهدة على رغبتك في أن تعود طفلاً مراهقًا يقاوم إرهاق العمر وتعب الأيّام؟
يا صديقي، 
تحيّة إكبار للابن البار الذي كنته وبقيته ولو غاب الوالدان!
وتحيّة احترام للزوج الذي يعرف معنى الشراكة!
وتحيّة تقدير للأب الذي ينسى نفسه والدنيا حين يتعلّق الأمر بأولاده!
وتحيّة محبّة للجدّ الذي يعود طفلًا ينتظر حفيدته ليلعب معها!
وتحيّة إعجاب بالإعلاميّ الذي لم تبهره الأضواء!
وتحيّة امتنان للقارئ الذي يشرّف الكلمات بمحبّته لها!
وتحيّة إجلال لكاتب ترتمي الكلمات طوعًا بين أنامله، وهي تعرف أنّها بين أيدٍ أمينة تحترم قدّسيتها!

ولا أجد اليوم سوى هذه الكلمات، كلماتك، لأقول لك عبرها كم أنت فكر عظيم، وقلب كبير!

***
(هذه المختارات من على صفحة إيلي صليبي على الفيسبوك)
يا وردة ذبلت من شمٍّ وضمّ...
لا سامح الله مَن جهل 
أنَّ "مِن الحبِّ ما قتل".
 ***
أيَّتها الممتلئة غضبا...
حطِّمي حصون الصَّمت.
العني واشتمي.
السَّبُّ في محلِّه صلاة.
لكِ يحقُّ التفجير،
لأنَّ ضحاياكِ في عداد طلَّاب الاستشهاد برصاص الكلام.
*** 
صدق الأخطل الصغير حين قال: حاملُ الهوى تعِبُ ...
تعبتُ وأتعبتُ.
حملتُ الهوى وقد ظننتُ به خفيفًا كالهواء، فإذا هو جبالٌ من الوَلَه والشوق.
وحمَّلتك، من دون قصد منّي، ما حسبتُه بوزن ريشة الكناريّ، فإذا هو أطنانٌ من الأرَق والقلق.
ضعي ذنوبَ الحبِّ على كتفيَّ، واصلبيني كفَّارة عن خطايا العشق المُحرَّم علينا، واطْويني صفحة في كتاب بلا غلاف وعنوان ونهاية.
 ***
مرِّري أناملكِ على أجساد الحبق،
واغرسيها في مشاعات أحواضه،
وتوسَّلي له الشِّفاء من غطيط عبقه،
وارشقيه بندى عطرك المفجوع به،
تريه استفاق وانتفض ونهض،
وأعاد الاعتبار لسلطة الجمال على الحواس الخمس. 
*** 
إرفعي أنفكِ حتى السّحاب،
تجاهليني،
مرّي بي بلا اكتراث،
ارمقيني بنظرةِ إشفاق،
أمْعِني ما شئتِ في كبريائكِ،
وتمنَّعي عن التنازل ولو بردِّ التحيّة.
أنا صنعتُكِ المَلكة،
ورصَّعْتُ تاجَكِ بأحجاري الكريمة،
وجعلتُ بُرْدَكِ يجرُّ وراءَه الجنائنَ المعلّقة،
وأنا بنيْتُ قصرَكِ فوقَ الغمام،
وأدخلتُكِ الأسطورةَ،
وطوَّبْتكِ الرَّسولة.
ولستُ بنادمٍ إلاَّ على بيتٍ من الشِّعر، أسكنتُك فيهِ، وهَدَمْتِهِ فوقَ رأسِ القصيدة.
 ***
يا هذا الصباح 
عدْ بكَ إلى فائت الليل،
ليستكمل الحبيبان بعثرة الظلام بحثًا عن قبلة مفقودة.
أيرضيك أن يتركا وراءهما أداة ثبوتيَّة على انتهاك المحرَّم؟
*** 
هل انشقَّتِ الأرضُ وابتلعت المطارح؟
لم يبقَ مترٌ مربَّعٌ واحدٌ لخلوة عاشقيْن خارج الغرف المشبوهة.
حتى العراء صار هاربًا من وجه الاضطهاد.
المطلوب مَحميَّةٌ واحدة للحبّ.
وحماية مستهلك العواطف.
 ***
سألتني ما الجمال؟
ــ كيف لي أن أجيب عن سؤال مطروح منذ "الإغريق" ولم يجد بعد تعريفًا شافيًا يصلح جوابًا شبه نهائيّ عن سؤال موغلٍ في تاريخ الفكر، وحيَّر الفلاسفة والشعراء والقواميس؟
ألحّت عليَّ: حاول بدورك علّك تقترب من وصفه.
ــ على أن تعذريني مسبقًا إن بانَ تقصيري:
===
ما الجمال؟
أهو ما ترى العين فيبهرها، ويبقى الصورة الوحيدة فيها، مغمضة ً كانت أم مفتوحة؟ فيصير جمالا مقيمًا في الجمال؟ 
أهو ما لا يرى بالعين، بل بحدْس الحسّ، والتخاطر بين الأسير وآسره؟ فيصير جمالاً يتخطّى الشكل والمضمون إلى إعادة خلق الكون ليتواءم مع الخيال؟
ما الجمال؟
الأصل كما هو، بل النسخة التي نطبعها في الذاكرة؟ ليصير الجمال كمالاً مضافًا إلى الأصل، مع الاعتراف بتعديل يناسب الهوى الشخصي؟
الإبداع هو في حركة الريشة، وفي تحريك أوتار الآلة والحنجرة، وراس القلم على الورق؟ فيصير الجمال لوحة تشبه المُطلق، وموسيقى تشبه الصوت الداخلي في العقل والقلب، وكلمة تختصر الأسفار والكتب والدواوين... كما تختصر الزهرة الربيع كلّه في حضورها، وتلغي الربيع كلّه في غيابها.
قالت: كفى.
لكنني أضفتُ: الجمال هو أنتِ!
*** 
سألتني: ما الأنوثة؟
وها أنا أحاول تعريفها، بصعوبة من يتسلق جبلاً وفي يده سيجارة يدخنها.
الأنوثة ليست الزهرة...
وليست نقطة الندى ...
هي لحظة تماس الندى بالزهرة.
الأنوثة ليست رشفة ً من كأس... 
وليست الشفة والنبيذ...
هي توقيع الشفة على كأس نبيذ.
الأنوثة ليست جمال امرأة ...
وليست حركة امرأة...
هي امرأة تتحرك في عقلك.
الأنوثة ليست العذوبة...
وليست فوحة عطر...
هي تقطير العذوبة عطراً تتفحَّص ضوعته امرأةٌ تشمُّ مِعصمَها.
الأنوثة ليست في وضع ساق فوق ساق...
هي في التفاف الساق على الساق.
وليست عري الصدر حتى النهديْن...
هي في جعلكَ تتخيّل ما لا ترى بعينيْك. 
الأنوثة ليست أصابع امرأة تداعب وترا...
هي في حَضْنِ الألة وكأنها الحبيب. 
والأنوثة أن تغادري المكان...
ويلحق المكان بك.
 ***
ما به قلمي يتلعثم؟
بربِّكِ لا تحرجيه أمام القارئ،
كما يحرج المعلِّم تلميذه حين يقف وراءه مراقبًا ما يكتب. 
هل يُلام القلم إذا ارتجفت الأصابع؟
*** 
مدوِّيًا صارَ صمتُكِ.
عاصفًا صارَ سكونُك.
مُلتهبًا صارَ صقيعُكِ.
كلمةٌ ضاغطةٌ تفجِّرُ حزامَكِ النَّاسفَ بكِليْنا.
لا تفسِّري ابتعاديَ جبنًا.
ما خِشيتي منكِ بل عليكِ.
 ***
ضبطَتني أقرأ صفحة بيضاء، في كتاب أسود الغلاف،
فتناولتْ قلمًا وكتبتْ: هذه الصفحة كانت بيضاء، فصحَّحتُ لغة كاتبها، وصار في إمكانك استظهار بياضها. 
والأنكى أنَّها استعملت الحبر الآبيض.
 ***
أُولدُ كلَّ يوم من امرأة،
وأَموتُ كلَّ يوم في امرأة.
وهيَ هيَ لا تولدُ ولا تموتُ لأنَّها الحياة.
 ***
اللّمسةُ همسةُ الأصابعِ في مسامعِ الحسِّ،
والهمسةُ لمسةُ الحسِّ بأصابعِ الرّوح.
 ***
داهم الصباح سريركِ،
وتسلّلت عساكر الشمس إليكِ،
ورفع النهار علمه على صوت فيروز في ثكنة غرفتكِ،
وأنتِ ما زلت ممدّدة في البارحة،
ألف طلقة مدفع لا تحرّك جفنيْكِ،
كأنّكِ تحالفتِ مع النّوم لأنّه وريث طقوس الحبّ العابر للسّاعات، وملاذ المتعبين من فروض السّهر.
لو كانت الأيّام كلّها ليلًا لصارت الوسائد تيجان الأسرَّة.
 ***
بعدما ضلَّ إصبعُكِ الطريقَ إلى وجعي،
صارَ وجعي يضعُ جرحَه على إصبعِك.
*** 
تعاليْ نبني كوخنا كما تبني العصافير أعشاشها.
لا تستأذن مالك الشَّجر،
ولا تراجع الدوائر العَقاريَّة.
لا يهمُّها موقع يطلُّ على البحر،
ولا نوافذ تخترقها الشمس.
لا تستبق اللُّبنة الأولى بالخرائط الهندسيَّة،
ولا تبالي بالبنى التحتيَّة.
تعاليْ نبني كوخنا على هوى العصافير،
بعيدًا من مرامي الأعين وثرثراث الألسن.
كفانا العيش في مدن النَّثر،
وتكفينا خلوات العشق في بيت شِعر.
*** 
كوني أنتِ الخمرةَ، 
أكنْ أنا الكأس. 
انصبّي فيَّ ثُمالةً،
أصِرْ أنا السُّكر.
لا كانتِ الكرمةُ بعدنا...
ولا كانَ العصير.
*** 
يوم صرتكِ وصرتني...
صارت القصيدة امرأة،
وصار يحقُّ للشاعر ما لا يحقُّ لسواه.
 ***
من خوارق الحبّ:
أغمض عينيَّ وأظلّ أراكِ.
 ***
عندما تكونين وليمتي... أنسى أداب المائدة.
 ***
أبحثُ عن جملة مفيدة أصف بها لغة جسدك،
لم أجد فعلًا وفاعلًا ومفعولًا به.
أكتفي بما يرضي ضميري الأدبي:
أنتِ حالة شغب.
 ***

طائفيٌّ أنا، لكن على طريقتي.
أنتمي إلى دين الشاعر "ابن عربي" القائل:
أدينُ بدينِ الحبِّ أنّى توجّهت ركائبُهُ
فالحبُّ ديني وإيماني.

هناك 3 تعليقات:

جمال السيد يقول...

الله يرحمه ويجزيك عنه خيراً.

ميشال مرقص يقول...


أتقدمُ منكِ بتعزية...
فالكلام يصيرُ باهتًا في مثل هذا الرحيل...

لكِ طول العمر...
وروعة القلم الدافق شعورًا بملء غاطفة

ماري القصيفي يقول...

أطال الله بعمريكما صديقيّ الأستاذ ميشال مرقص والدكتور جمال السيّد

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.