كتبت منذ أيّام عن حاجة المشرق إلى زعيم مسيحيّ جديد،
ينقذ هذه البقعة من العالم من أحاديّة مقيتة، ويُبقى أهل الأرض في بيوتهم وأرضهم.
لكنّ توالي الصور التي تصرّ دولة داعش - أيًّا كان من أطلقها وأسّسها وموّلها
واستفاد منها - على توزيعها ونشرها نشرًا للرعب والاشمئزاز، بات يستدعي المطالبة
بمخلّص ينقذ المسلمين من دينهم إن كان هذا هو دينهم، أو إن كان بيئة حاضنة تسهّل
ولادة ديكتاتوريّين بالشكل الذي رأيناه خلال عهود "استقلال" حلا للدول
العربيّة أن تناله وتحتفل به... أو بروز مفتين يصدرون كلّ يوم رأيًا صادمًا لا سلطة
شرعيّة تضع حدًّا لشذوذه ولاإنسانيّته...
أعرف طبعًا أنّ الإجرام لا دين له ولا جنس ولا قوميّة (عنوان مقالة سابقة)،
وأعرف بالتأكيد جرائم المسيحيّين، والمسيح منها براء، في حقّ الهنود الحمر وشعوب
أميركا اللاتينية وأفريقيا السوداء وفلسطين، والاضطهاد الذي تعرّض له العلماء حين
رفضت الكنيسة أفكارهم، وحرق النساء بتهم الشعوذة والسحر، وأعرف بما لا يقبل النقاش
أنّ الحربين العالميتيّن الأولى والثانية أبطالها ومجرموها مسيحيّون، وأنّ البيئة
الحاضنة للقنبلة الذريّة بيئة مسيحيّة وإن كانت متصهينة... وأعرف أنّ في الفاتيكان
فسادًا، وأنّ في أميركا عهرًا، وإلى آخر هذه المعزوفة... لكن إلى هذه الدول يهاجر
شبابنا طلبًا للعلم، وزعماؤنا طلبًا للاستشفاء والراحة والاستجمام... لماذا؟ لأنّ
العلم في بلاد "الكفّار" هذه صار هو الدين الأوّل، ولأنّ الحنكة جعلت
العقل المفكّر في منظومة هذه الدول يعتمد مبدأ إعطاء الشعوب نمط حياة يبعدهم عن
السياسة، ولو مخدّرين بوهم ديمقراطيّة وحريّة... ومع ذلك فالحلم أجمل من الكابوس
قطعًا، وهذا ما نعانيه نحن... كابوس مرعب كأنْ لا نهاية له... (موضوع مقالة سابقة)
العِلم في تلك البلاد كان دائم الحضور ليلتقط ما يعجز الدين عن تأمينه
وهو كثير... وحين وجد الناس في حضن الدولة (ولو ظلمت سواهم) ما يؤمّن لهم أبسط
أمور حياتهم، تراجع الدين ليصير علاقة شخصيّة بين الفرد والله. أمّا الدول
العربيّة وطبعًا هي - ما عدا لبنان - إسلاميّة الأنظمة والتفكير والقوانين، فماذا
قدّمت لشعوبها؟ فلا الدين بقي بريئًا من الموبقات والشرور والفساد، ولا الدولة
استطاعت أن تؤمّن العدالة الاجتماعيّة ليغرق الناس في نعيم، ولو وهميًّا، ليهدأوا
ويستكينوا... وحين يبقى التفكير القبليّ سائدًا تحت غطاء دولة لا أحد يؤمن بها، لا
بدّ أن نصل إلى الهاوية التي نحن فيها الآن...
لا بدّ من أنّ ترحيل المسيحيّين حاصل، ومن الواضح أنّهم
يئسوا وأن لا أحد يريد منهم البقاء هنا، لا الدول الأجنبيّة ولا الدويلات العربيّة
ولا الشعوب الإسلاميّة، لكن الإسلام ما مصيره؟ وكيف سيفهم دارسو التاريخ لاحقًا كيف
أنّ هذا الدين كان غطاء للتكفيريّين والأصوليّين وشذّاذ الآفاق والمرتزقة والخونة
والجواسيس وأصحاب العقول المريضة، وسط صمت تامّ من شعوب مسلمة خرجت إلى الشوارع
لإسقاط رئيس ولم تخرج إلى الشارع لإبقاء شركائهم المسيحيّين والنصارى والأرمن
والكورد والأزيديين في أرضٍ كانوا فيها قبل غيرهم...
وحين تنتشر على صفحات الفيسبوك دعوات شيعيّة لهدم الكعبة
لأنّها في عهدة الوهّابيّين، تقابلها دعوات سنيّة لهدم أماكن الحجّ
الشيعيّة، وحين تنتشر صور بيع النساء غير المسلمات، وختان الذكور غير المسلمين،
وهدم الكنائس وحرق الأديرة، وتهجير الناس،
فذلك يعني أنّ الإسلام نفسه في مأزق وليس مصير بعض المسيحيّين مهما كثر
عددهم.
محاكم التفتيش الإسبانيّة قامت بفظائع مشابهة، لكنّنا
اليوم في عصر الصورة، والصورة في يد مصوّر بارع يعرف كيف يحرّك الإعلام وكيف يدير
اللعبة، وإن كانت هوليود تحتاج إلى سنوات لإنتاج فيلم عن فظائع حرب فيتنام، فإنّ
الناس اليوم، ومن بيوتهم، قادرون على إنتاج عشرات الأفلام عن فظائع ترتكب على مدار
الساعة في أيّ بقعة من العالم، حتّى اعتادت العيون منظر الرؤوس المقطوعة، والأشلاء
المنهوشة... وقست قلوب الأطفال حتى صارت حجارة لن تكون يومًا صالحة لبناء صرح جديد
جميل...
نعم، الأمر مؤامرة صهيونيّة أميركيّة سعوديّة
إيرانيّة... من أجل الغاز والنفط وغير ذلك، لكن الشعوب التي تنساق كقطيع ثيران
هائج خلف فتاوى وخلفاء وأمراء هل تعرف شيئًا عن دينها؟ وماذا علّم رجال الدين في
المساجد والمدارس غير البغض والرفض والتبعيّة العمياء ومحاربة رجال الفكر؟ وإذا
كان الدين الإسلاميّ ليس فيه الآن فقهاء واعون ولا سياسيّون محنّكون، فما مصيره وهو
الذي يجمع الدين والدنيا في كتاب واحد؟ وماذا بعد أن يرحل كلّ من ليس مسلمًا؟
وماذا بعد أن تخلو الأرض للسنّة والشيعة؟ وماذا بعد أن ينتهي قتالهما؟ وبغض النظر
عن المنتصر، فكيف سيبقى الإسلام دينًا وقد ربطوه - بلا أدنى ممانعة جديّة واعية
حكيمة قادرة منفتحة - بالقتل والذبح والاغتصاب والسبي والختان وقطع الأيدي والصلب
والدعارة والنكاح والحوريّات والانتحار؟
سيرحل غير المسلمين، وقد تكون نهايتهم حتميّة هنا: موتًا
أو طردًا، لكن السؤال الحقيقيّ ما هو مستقبل الإسلام؟ وإلى كم فيلم يحتاج المسلمون
لكي تمحى من أذهان الناس الفظائع التي تقضّ مضاجع من ليس على دينهم وتطرد النوم
من عيونهم قبل أن تطردهم فعلًا من أرضهم؟ من دون أن ننسى نقمة العرب على هوليود
التي أنتجت أفلامًا مدى تاريخها، تشوّه صورة العربيّ، في حين أنّ الواقع اليوم،
الواقع العنيف، يظهر تلك الأفلام ساذجة بلهاء عديمة الخيال بالمقارنة مع ما يحصل الآن...
الإسلام اليوم في حاجة إلى شهداء من نوع آخر، لا لمقاومة
إسرائيل والمسيحيّة الغربيّة المتصهينة أو الأنظمة العسكريّة والدكتاتورية، بل
لاتّخاذ موقف فكريّ ناقد يضع حدًّا لكلّ مهزلة تلبس لباس الدين، وتعتمر عمامة
الفِقه، وتطلق لحية الجهاد... شهداء يعتذرون من الفكر العلميّ العلمانيّ، وقبل ذلك
من كلّ مفكّر مسلم متنوّر حورِب واضطُهد وسُجن وعُذِّب وقُتل... لأنّه رأى هذه
النهاية قبل حصولها...
هناك 4 تعليقات:
شعرت بحزن عميق، بقهر مر وبرغبة للبكاء .. لا مجد لأمة بغير الرائين. عافاك يا مريم وحماك
هل تظنين ان ما يجري اليوم هو صراع بين السنة والشيعة ؟؟؟؟ كم انت واهمة .. بل هو صواع بين اغلبية تمثل 80% من المسلمين تقابلها اقلية تمثل 15% من المسلمين ... الصراع يكون بين قوتين متساويتين بالقوة ولكن ما يجري هو حرب ابادة واضطهاد وما يجري للمسيحيين واليزيديين ليس سوا (نواتج عرضية side effects)
فلنجب على السؤال التالي و حينها فقط سوف نفهم سر المآسي التي يعيشها عالمنا المعاصر : ( من أوجد الفكر الوهابي المتطرف و من نماه و دعمه منذ العام 1935 و حتى يومنا هذا ؟؟؟) ... الجواب بكل بساطة هو : ( التحالف الصهيوصليبي ) .... أيها المسيحيون إن داعش و أخواتها هي نتاج سفاحكم مع اليهود فلا تلومننا على ما اقترفت أيديكم
هي الحقيقةالمرة سيدتي وللاسف سيناريو نتبعه بغباء مطلق والكل ينتقد وينظر وفي الاخير يصطف كماشاؤا له سادته تبالثقافة الصحراء القاتلة كل جميل في حياتنا
إرسال تعليق