لست من السذاجة بحيث أؤمن بأنّ دول العالم الأوّل هي الفردوس الذي يعيش فيه كلّ الناس في نعيم أبديّ، غير أنّني لست متشبّثة برأي غبيّ يقول إنّ الغرب هو الشيطان الرجيم القبيح. يكفي أن أقارن بين ما تنقله الصور عن يوم الجمعة 29 نيسان 2011 لأرى نوعين من الحياة وذلك من خلال مشاهد الاحتجاجات في الدول العربيّة ومشاهد الاحتفالات في العاصمة البريطانيّة.
أنا من جيل مرّت عليه مرحلة الأحلام الورديّة تحت القصف وبين جثث القتلى، ولست اليوم في وارد أن أسكب الدمع تأثّرًا بقصّة عاطفيّة تجمع بين حفيد الملكة إليزابت وفتاة من عائلة ثريّة، ولكنّي لا أستطيع أن أنفي عن حفلة العرس سيطرة أجواء الأناقة والجمال والموسيقى الراقية والتنظيم والحضارة والرقيّ واحترام الأنظمة ، في مقابل ما نراه في الشوارع العربيّة من فقر وحرمان وفوضى وبشاعة. فلا يمكن والحالة هذه إلاّ أن نقارن بين البزّات العسكريّة التي يرتديها العريس وليام وشقيقه هاري ووالده تشارلز وجدّه التسعينيّ فيليب، والبزّات العسكريّة التي يرتديها الزعماء العرب. كما لا يمكننا ألّا نتساءل عن السبب الذي يدعو البريطانيّين إلى التمسّك بالعائلة المالكة ومطالبتهم بتوريث وليم بدل أبيه، في حين يرفض العرب توريث أولاد رؤسائهم.
طبعًا، تسهل الإجابة على هذا النوع من الأسئلة إن وضعناها تحت عنوان مفهوم الدولة. فلا أحد ينكر أنّ زعماء الدول العربيّة نعموا لأعوام وأعوام بالبذج والترف، فالمسألة إذًا ليست الوضع الماليّ للدول العربيّة، ولا أحد ينكر أنّ التاج البريطانيّ يكلّف الخزينة أموالاً طائلة، لكنّ البريطانيّين تعلّموا كيف يستفيدون من النظام الملكيّ في وقت تعلّمت العائلة المالكة أن تأخذ ما لها وتعطي للدولة ما لها، واكتفت بأن تكون صورة جميلة وحكاية تداعب مخيّلة الرومنسيّين، تاركة الحكم لأهل الحكم.
وهذا ما لم يتعلّمه الحكّام العرب وأبناؤهم، ومنهم من يشارك اليوم في حفلة العرس.
كلّ حكم في الأرض باطل. ودول الاستعمار كما يحلو لنا أن نسمّيها ليست قطعًا مقياسًا دائمًا للعدل أو الإنسانيّة، ولكن الأكيد الأكيد أنّنا لسنا نحن من يزايد عليها أو من يدّعي أنّه أفضل منها. يكفي أنّنا نهرب إليها طلبًا للعلم والحريّة والاحترام والاستشفاء والعدالة والحماية. ومن لا يريد أن يصدّق فليسأل نفسه: من هي الشعوب الأكثر ابتسامًا اليوم؟ الشعوب العربيّة الغارقة في ثورات لا أفق لها، أم تلك التي تتابع عرسًا خياليًّا وتغسل عيونها بمناظر حضاريّة جميلة وراقية ولو ليوم واحد؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق