أعتقد
أنّ الإنسان ولد لينام... وإلّا لما كان الحرمان من النوم طريقًا للجنون... ولما كانت
مختبرات العلماء والأطبّاء تعمل ليل نهار لينام إنسان يجافيه النوم... النوم العميق،
الجميل، النوم الذي يفترش الأمان، ويلتحف السكينة، النوم الذي لا كوابيس فيه ولا أحلام،
النوم الذي يتسلّل إلى العينين والفكر، فينتظم النَفَس، وترتخي العضلات، فيغرق النائم
في "سابع نومة"، وهو مطمئنّ إلى أنّه لن يستيقظ على صوت انفجار، أو زمّور
سيّارة، أو شجار جارين... النوم الذي وإن كان يشبه الموت، غير أنّه ليس هو... وإن كان
يشبه السفر، غير أنّه ليس هو، وإن كان يشبه الطيران غير أنّه ليس هو...
هو النوم
الذي ينسيك الحبّ والحزن والتعب والتفكير والقلق... هو النوم الذي يحضنك لتعود طفلًا
تعرف أنّ الملائكة تحرس نومك، لا أمّك ولا والدك ولا حبيبك...
يغفو
الطفل بعد أن يولد بقليل... كأنّ رحلته من رحم أمّه أرهقته، فكيف لا ينام عقل أرهقه
التفكير والتحليل والحلم؟ كيف لا يرتاح جسد أرهقه الوجع؟ كيف لا يرتاح قلب أتعبه الحبّ؟
ما عاد
الأطفال ينامون على أصوات الجدّات وتهويدات الأمّهات... يتثاءبون نعسًا لكنّ وسائل
التواصل الحديثة توصل إليهم موتًا يخيف النوم فيهرب... وكلّنا أمام الموت والنوم والحبّ
أطفال...
لم تعد
راحة الضمير الفرديّة مقياس النوم... فما يجري حولنا مسؤوليّة جماعيّة تقضّ المضاجع
وتطرد النعاس الرقيق اللطيف الحنون... كأنّ الواحد منّا يشعر بمسؤوليّته عمّا يجري
في أقصى بقعة من الأرض، ويكتشف في اللحظ ذاتها أنّه هشّ، سريع العطب، عاجز، ضعيف،
ناقص، ساذج... وأنّه لن يكون سوى مشاهد محايد، لا يقدر سوى أن ينفعل، لا أن
يفعل...
والمنفعل
لا ينام، أعصابه مشدودة وحواسّه متأهّبة وتفكيره مشلول... الفاعل يتعب وينام، أمّا
المنفعل فيضطرب ويتقلّب على فراش كالإبر، الفاعل جسد مرهق، والمنفعل روح مراهقة.
الفاعل يغفو قبل أن يصلّي، والمنفعل يضرع إلى السماء كي يغمض جفناه ولو للحظات...
جدّتي
كانت تردّد: يللي ما بيعمل خير، نومو خير... لا أعرف ماذا نفعل، نحن الساهرين، كلّ
ليلة؟ لماذا نعمل ونتعب إن كنّا لن نجد القدرة على نوم يجدّد نشاطنا؟ لماذا نكتب
عن النوم ونحن نفكّر في الموت؟ لماذا نخاف من النوم كأنّنا لن نصحو منه؟ هل لأنّنا
لا نثق حتّى بالنوم ونخشى أن يغدر بنا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق