فترة الانتداب لم تعطَ حقها روائياً رغم وضوح آثارها في حياتنا اليومية
ماري القصيفي: الروايات العربية بدأت تضجرني لتشابهها
حاورتها : عناية جابر
22 آذار 2011
عن « سائر المشرق» صدرت للشاعرة والكاتبة اللبنانية ماري القصيفي روايتها حديثاً: « كل الحقّ ع فرنسا».
ماري، في بدايات علاقتها بالكتابة في الصحف، كانت تُذيّل مقالاتها باسم مُستعار هو مي الريحاني، لتعود وتُصدر باسمها الأصلي نتاجاتها في الشعر والمقالة والرواية منها: «لأنك أحياناً لا تكون» و»رسائل العبور» و»نساء بلا أسماء» و»الموارنة مرّوا من هنا». مع القصيفي عن جديدها الروائي، كان هذا الحديث:
ماري، في بدايات علاقتها بالكتابة في الصحف، كانت تُذيّل مقالاتها باسم مُستعار هو مي الريحاني، لتعود وتُصدر باسمها الأصلي نتاجاتها في الشعر والمقالة والرواية منها: «لأنك أحياناً لا تكون» و»رسائل العبور» و»نساء بلا أسماء» و»الموارنة مرّوا من هنا». مع القصيفي عن جديدها الروائي، كان هذا الحديث:
[ لماذا كلّ الحقّ ع فرنسا، والقول الشائع هو إنّو الحقّ ع الطليان؟
ـ على الطليان أو على فرنسا، المقصود أنّنا دائمًا نضع الحقّ على الآخرين لا على أنفسنا. «نجلا»، إحدى أهمّ الشخصيّات في الرواية تتهمّ فرنسا في ما أصاب عائلتها، وتبرّئ نفسها من أيّ ذنب مع أنّها هي التي دفعت ابنتها إلى أحضان أحد الضبّاط الفرنسيّين في مقابل أن يخرج ابنها من السجن. ولكن أحد أحفاد «نجلا» يقول ما معناه: لم نعد نعرف الحقّ على من: فرنسا أو أميركا أو سوريا أو إسرائيل.أعتقد أنّ فترة الانتداب لم تعط حقّها على الصعيد الروائيّ، مع أنّ آثارها واضحة في تفاصيل حياتنا اليوميّة. وهذه الرواية محاولة لرصد هذه الآثار من خلال قصّة عائلة تغيّرت مصائر أفرادها بسبب محاولة الأمّ استغلال الانتداب المتمثّل هنا بالضابط الفرنسيّ لتحقيق هدف آنيّ شخصيّ. فنحن اللبنانيّين نتذاكى دائمًا على المحتلّ أو المنتدب ونظنّ أنّنا نستغلّه ونستفيد منه. ولكن في الرواية ما هو أكثر من ذلك، فيها حكايات الحرب والزواج بين الطوائف والهجرة والخطف وتغيّر صورة لبنان مع كلّ مرحلة من تاريخه.
صورة لبنان
ـ على الطليان أو على فرنسا، المقصود أنّنا دائمًا نضع الحقّ على الآخرين لا على أنفسنا. «نجلا»، إحدى أهمّ الشخصيّات في الرواية تتهمّ فرنسا في ما أصاب عائلتها، وتبرّئ نفسها من أيّ ذنب مع أنّها هي التي دفعت ابنتها إلى أحضان أحد الضبّاط الفرنسيّين في مقابل أن يخرج ابنها من السجن. ولكن أحد أحفاد «نجلا» يقول ما معناه: لم نعد نعرف الحقّ على من: فرنسا أو أميركا أو سوريا أو إسرائيل.أعتقد أنّ فترة الانتداب لم تعط حقّها على الصعيد الروائيّ، مع أنّ آثارها واضحة في تفاصيل حياتنا اليوميّة. وهذه الرواية محاولة لرصد هذه الآثار من خلال قصّة عائلة تغيّرت مصائر أفرادها بسبب محاولة الأمّ استغلال الانتداب المتمثّل هنا بالضابط الفرنسيّ لتحقيق هدف آنيّ شخصيّ. فنحن اللبنانيّين نتذاكى دائمًا على المحتلّ أو المنتدب ونظنّ أنّنا نستغلّه ونستفيد منه. ولكن في الرواية ما هو أكثر من ذلك، فيها حكايات الحرب والزواج بين الطوائف والهجرة والخطف وتغيّر صورة لبنان مع كلّ مرحلة من تاريخه.
صورة لبنان
[ ما الذي دفعك إلى تأريخ هذه المرحلة روائيًّا؟ ولماذا الآن؟
ـ التاريخ الحقيقيّ للشعوب موجود في الرواية. قديمًا كان الشعر تاريخ العرب. اليوم تقوم الرواية بهذا الدور، خصوصًا في بلد كلبنان لا كتاب تاريخ موحدًّا له. تاريخنا مملوء بالصراعات والحروب على أرض ضيّقة جغرافيًّا، فمن الطبيعيّ أن نحمل كلّنا بصمات هذه الصراعات والحروب في لغتنا وعاداتنا وطرائق عيشنا، وهذه كلّها تجد مكانها في الرواية كنوع غير خاضع للقوانين التي وضعناها للتأريخ: محسوبيّات ومسايرات. فحين لا يكون لدينا أبطال متّفق عليهم بين جميع مكوّنات الوطن يصير كلّ واحد منّا بطلاً يستحقّ رواية تؤرّخ سيرته. لذلك أنا لا أكتب تاريخ وطن بل ألتقط مشاهد من حياة أبناء هذا الوطن الذين همّشهم التاريخ. أمّا لماذا الآن، فربّما لأنّني تركت التعليم. العمل التربويّ يستهلك الوقت والطاقة، قد يسمح بمقالات أو قصائد، أمّا الرواية كبنية فتحتاج إلى التفرّغ. عدا عن أنّ عالم التربية عالم محكوم بجملة اعتبارات تعيق الحرية في الإبداع والتعبير، مرّة بحجّة المحافظة على الأخلاق كما يفهم القيّمون على المدارس موضوع الأخلاق، ومرّة نزولاً عند اعتراض لجنة الأهل التي تخاف على أفكار التلامذة من أفكار المعلّمة. ولن أخفي أن تركي التعليم تمّ تحت ضغط هذه الازدواجيّة في معايير التربية إذ ندّعي أنّنا نسأل التلميذ عن رأيه، إلاّ أنّنا ننتظر أن نسمع الجواب الذي نريده. وفي هذه الأجواء يفرض الواحد منّا على نفسه رقابة ذاتيّة تخنق إبداعه أو يترك التعليم وهو آسف لأنّ المدارس صارت مجمّعات تجاريّة ترضخ لشروط العرض والطلب. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، أنا مقتنعة الآن بأنّ صورة لبنان التي كنت أعرفها وأحبّها مهدّدة. الأمر يرعبني فعلاً. وكان عليّ أن أكتب. لا لأجد الأجوبة، بل لأطرح الأسئلة على نفسي قبل أيّ أحد آخر. فأنا لست شديدة الإيمان بأنّ الكتابة تغيّر الآخرين، بل تغيّر من يكتب.
ـ التاريخ الحقيقيّ للشعوب موجود في الرواية. قديمًا كان الشعر تاريخ العرب. اليوم تقوم الرواية بهذا الدور، خصوصًا في بلد كلبنان لا كتاب تاريخ موحدًّا له. تاريخنا مملوء بالصراعات والحروب على أرض ضيّقة جغرافيًّا، فمن الطبيعيّ أن نحمل كلّنا بصمات هذه الصراعات والحروب في لغتنا وعاداتنا وطرائق عيشنا، وهذه كلّها تجد مكانها في الرواية كنوع غير خاضع للقوانين التي وضعناها للتأريخ: محسوبيّات ومسايرات. فحين لا يكون لدينا أبطال متّفق عليهم بين جميع مكوّنات الوطن يصير كلّ واحد منّا بطلاً يستحقّ رواية تؤرّخ سيرته. لذلك أنا لا أكتب تاريخ وطن بل ألتقط مشاهد من حياة أبناء هذا الوطن الذين همّشهم التاريخ. أمّا لماذا الآن، فربّما لأنّني تركت التعليم. العمل التربويّ يستهلك الوقت والطاقة، قد يسمح بمقالات أو قصائد، أمّا الرواية كبنية فتحتاج إلى التفرّغ. عدا عن أنّ عالم التربية عالم محكوم بجملة اعتبارات تعيق الحرية في الإبداع والتعبير، مرّة بحجّة المحافظة على الأخلاق كما يفهم القيّمون على المدارس موضوع الأخلاق، ومرّة نزولاً عند اعتراض لجنة الأهل التي تخاف على أفكار التلامذة من أفكار المعلّمة. ولن أخفي أن تركي التعليم تمّ تحت ضغط هذه الازدواجيّة في معايير التربية إذ ندّعي أنّنا نسأل التلميذ عن رأيه، إلاّ أنّنا ننتظر أن نسمع الجواب الذي نريده. وفي هذه الأجواء يفرض الواحد منّا على نفسه رقابة ذاتيّة تخنق إبداعه أو يترك التعليم وهو آسف لأنّ المدارس صارت مجمّعات تجاريّة ترضخ لشروط العرض والطلب. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، أنا مقتنعة الآن بأنّ صورة لبنان التي كنت أعرفها وأحبّها مهدّدة. الأمر يرعبني فعلاً. وكان عليّ أن أكتب. لا لأجد الأجوبة، بل لأطرح الأسئلة على نفسي قبل أيّ أحد آخر. فأنا لست شديدة الإيمان بأنّ الكتابة تغيّر الآخرين، بل تغيّر من يكتب.
[عنوان الرواية باللبنانيّة المحكيّة، ولافت التوظيف السلس للعاميّة في السرد. فإلامَ تهدفين من خلال المزج بين العامية والفصحى؟
ـ لم يعد في الإمكان الهرب من مواجهة مسألة اللهجات المحليّة ودورها في التعبير بعدما اكتسحت لغة الدردشة عبر الإنترنت، بأشكال حروفها المستحدثة، وسائل التعبير لدى الأجيال الشابّة. اللغة تنبت من حاجة الناس إليها ولا تكون بقرار. ولهذا في رأيي لم تنجح تجربة «سعيد عقل» اللغويّة في حين نجح الشباب في «اختراع» لغتهم الخاصّة، ومن هذا «الاختراع» بحسب قراءتي للثورات العربيّة التحرّرية كانت بداية سقوط الأنظمة. لم يكن للبنانيّة المحكيّة مكان أو مناسبة في كتبي الأربعة السابقة الموزّعة على نصوص شعريّة ومقالات اجتماعيّة وقصص قصيرة، علمًا أنّني نشرت نصوصًا شعريّة باللبنانيّة المحكيّة، غير أنّ الرواية عالم فسيح يحتمل مزيج اللغات واللهجات والأنواع الأدبيّة. وحين نضع في الرواية شخصيّات كثيرة من مختلف الطبقات الاجتماعيّة والفكريّة، لن يكون من المنطقيّ أن تكون لغتهم واحدة، فهل يمكن أن تتحدّث امرأة أمّيّة كما تتحدّث فتاة جامعيّة؟ على كلٍّ، سبق للروائيّين والمسرحيّين أن عالجوا هذه المسألة ولم يصلوا إلى نتيجة حاسمة. والسؤال في رأيي ليس بأيّة لغة نكتب بل ماذا نكتب وماذا نريد أن نقول.
ـ لم يعد في الإمكان الهرب من مواجهة مسألة اللهجات المحليّة ودورها في التعبير بعدما اكتسحت لغة الدردشة عبر الإنترنت، بأشكال حروفها المستحدثة، وسائل التعبير لدى الأجيال الشابّة. اللغة تنبت من حاجة الناس إليها ولا تكون بقرار. ولهذا في رأيي لم تنجح تجربة «سعيد عقل» اللغويّة في حين نجح الشباب في «اختراع» لغتهم الخاصّة، ومن هذا «الاختراع» بحسب قراءتي للثورات العربيّة التحرّرية كانت بداية سقوط الأنظمة. لم يكن للبنانيّة المحكيّة مكان أو مناسبة في كتبي الأربعة السابقة الموزّعة على نصوص شعريّة ومقالات اجتماعيّة وقصص قصيرة، علمًا أنّني نشرت نصوصًا شعريّة باللبنانيّة المحكيّة، غير أنّ الرواية عالم فسيح يحتمل مزيج اللغات واللهجات والأنواع الأدبيّة. وحين نضع في الرواية شخصيّات كثيرة من مختلف الطبقات الاجتماعيّة والفكريّة، لن يكون من المنطقيّ أن تكون لغتهم واحدة، فهل يمكن أن تتحدّث امرأة أمّيّة كما تتحدّث فتاة جامعيّة؟ على كلٍّ، سبق للروائيّين والمسرحيّين أن عالجوا هذه المسألة ولم يصلوا إلى نتيجة حاسمة. والسؤال في رأيي ليس بأيّة لغة نكتب بل ماذا نكتب وماذا نريد أن نقول.
الرواية أبقى من الواقع
[ كيف ترسمين الحدود بين الواقع والمتخيّل في الرواية؟
ـ شخصيّات الرواية أبقى وأجمل (الجمال بالمعنى الفنيّ) من أيّ واقع. هذا ما يجب أن تكون عليه الأمور، وأتمنّى أن أكون نجحت في ذلك. الفنّ يبقى والأشخاص عابرون، ولولا الفنّ لما بقي شيء ممّا جرى مع الناس ولهم. وهذا البقاء نابع من قدرة الفنّ على الارتقاء بالواقع المحليّ الآنيّ الخاصّ إلى الإنسانيّ الشامل العام. والحياة تقدّم لنا ما هو أغرب من الخيال، ألا يفوق الخيال أن نصمد نحن اللبنانيّين كلّ هذه الأعوام بلا دولة أو نظام؟ ألا يفوق الخيال أن يفتك السرطان بالناس والأطفال ونحن مشغولون بالمحكمة الدوليّة وسلاح حزب الله؟ ألا يفوق الخيال ما يحدث في الدول العربيّة ولا يحدث عندنا؟ ثمّة أمور تجري معنا وحولنا تفوق الخيال، ولولا الحلم لما استطعنا البقاء والصمود. ما من حدود بين الواقع والمتخيّل في الرواية، فلقد تداخلت الأمور بشكل جعلني أصدّق وجود الذين اخترعت وجودهم، وأنساني الأسماء الحقيقيّة لبعض الذين استوحيت من حيواتهم. وحين بدأت الكتابة اختفى كلّ الذين كنت أرغب في سرد حكاياتهم وقادتني الشخصيّات أمامي إلى حكايات أخرى مختلفة تمامًا. وهذه تجربة جديدة بالنسبة إليّ كوني أكتب روايتي الأولى.
[ كيف ترسمين الحدود بين الواقع والمتخيّل في الرواية؟
ـ شخصيّات الرواية أبقى وأجمل (الجمال بالمعنى الفنيّ) من أيّ واقع. هذا ما يجب أن تكون عليه الأمور، وأتمنّى أن أكون نجحت في ذلك. الفنّ يبقى والأشخاص عابرون، ولولا الفنّ لما بقي شيء ممّا جرى مع الناس ولهم. وهذا البقاء نابع من قدرة الفنّ على الارتقاء بالواقع المحليّ الآنيّ الخاصّ إلى الإنسانيّ الشامل العام. والحياة تقدّم لنا ما هو أغرب من الخيال، ألا يفوق الخيال أن نصمد نحن اللبنانيّين كلّ هذه الأعوام بلا دولة أو نظام؟ ألا يفوق الخيال أن يفتك السرطان بالناس والأطفال ونحن مشغولون بالمحكمة الدوليّة وسلاح حزب الله؟ ألا يفوق الخيال ما يحدث في الدول العربيّة ولا يحدث عندنا؟ ثمّة أمور تجري معنا وحولنا تفوق الخيال، ولولا الحلم لما استطعنا البقاء والصمود. ما من حدود بين الواقع والمتخيّل في الرواية، فلقد تداخلت الأمور بشكل جعلني أصدّق وجود الذين اخترعت وجودهم، وأنساني الأسماء الحقيقيّة لبعض الذين استوحيت من حيواتهم. وحين بدأت الكتابة اختفى كلّ الذين كنت أرغب في سرد حكاياتهم وقادتني الشخصيّات أمامي إلى حكايات أخرى مختلفة تمامًا. وهذه تجربة جديدة بالنسبة إليّ كوني أكتب روايتي الأولى.
[ لمن تقرأين؟ وبمن تأثّرت على الصعيدين اللغويّ والفكريّ؟
ـ أقرأ كلّ ما أعرف بوجوده وأستطيع الحصول عليه. قد لا أتابع كاتبًا معيّنًا في كلّ ما كتبه، ومن الممكن أن أضجر من كتاب فلا أنهيه، إلاّ أنّني لا أضع أحكامًا مسبقة على كاتب أو كتاب. أقرأ الشعر دائمًا، وحين أكون في مرحلة الكتابة أمتنع عن قراءة الروايات. الرواية العربيّة بدأت منذ بعض الوقت تضجرني خصوصًا حين صار أكثرها متشابها، فأهرب إلى الرواية الأجنبيّة باللغة الفرنسيّة أو المترجمة إلى الفرنسيّة من لغات أخرى. حاليًّا وبسبب عمل روائيّ آخر أقرأ الآن كتب التاريخ وعلم الاجتماع للإحاطة بمرحلة معينة تدور الرواية فيها.
تأثّرت بطريقة أو بأخرى بكثيرين خصوصًا في مجال الفنّ القصصيّ ما دام الحديث عن الرواية. أحبّ مثلاً الشخصيّات العنيفة والقاسية عند توفيق يوسف عوّاد، والرمزيّة عند يوسف حبشي الأشقر، والحسّ المقاوم عند غسّان كنفانيّ، والثقافة في نصوص جبرا ابراهيم جبرا، وبدايات حنّا مينه. هذا طبعًا على سبيل المثال لا الحصر.
[ هل يعني ذلك أنّ طبيعة نصوصك تتغيّر بين المدوّنة والصحيفة والكتاب؟
ـ ليس طبيعة النصوص وجوهرها لأنّ التي تكتب النصوص كلّها هي أنا، ولكن لنعترف بأنّ الصحافة، مهما تحدّثنا عن حريّتها في لبنان، عوّدتنا على رقابة ما. فأنا مثلاً لم أتعرّض لأيّة مساءلة حول نصوصي في الصحف التي نشرت فيها، غير أنّني من تلقاء نفسي أعرف ما يصحّ نشره في هذه الصحيفة أو تلك. وهذا أمر يزعجني طبعًا لذلك كانت بداية النشر باسم مستعار هو «مي م الريحاني» أكثر المراحل الكتابية حريّة لأنّ الناس لم يعرفوا من هي صاحبة الاسم، ولم أكن أفرض على نفسي رقابة لأنّ النص إن رُفض فلن يكون الرفض موجّهًا لـ»ماري القصيفي» بل لـ»مي م الريحاني» التي على ما يبدو كانت أكثر شجاعة وقدرة على قبول الرفض والاستمرار في الكتابة. أمّا المدوّنة فصحيفتي اليوميّة، تصلني بالعالم وتحرّرني من الرقابة وعدد الكلمات المسموح بها، وتتيح لي أن أضيف لوحات وصورًا وأن اكتشف هذا العالم الجميل والمخيف في الوقت نفسه، فضلاً عن أنّه عرّفني على قرّاء يتمتّعون بحسّ عال من الثقافة والنقد، وحين يتابعني يوميًّا نحو 400 شخص من مختلف أنحاء العالم، أعرف أنّني لا أكتب لنفسي فقط. وهذه مسؤوليّة ومتعة. الكتب مسؤوليّة من نوع آخر وإن كان لي فيها الحريّة المطلقة، هي المسؤوليّة الأدبيّة عمّا أريد أن يبقى على صعيد الإبداع بين كلّ هؤلاء المبدعين والمبدعات الذين أرغب في الانضمام إلى حلقتهم.
ـ ليس طبيعة النصوص وجوهرها لأنّ التي تكتب النصوص كلّها هي أنا، ولكن لنعترف بأنّ الصحافة، مهما تحدّثنا عن حريّتها في لبنان، عوّدتنا على رقابة ما. فأنا مثلاً لم أتعرّض لأيّة مساءلة حول نصوصي في الصحف التي نشرت فيها، غير أنّني من تلقاء نفسي أعرف ما يصحّ نشره في هذه الصحيفة أو تلك. وهذا أمر يزعجني طبعًا لذلك كانت بداية النشر باسم مستعار هو «مي م الريحاني» أكثر المراحل الكتابية حريّة لأنّ الناس لم يعرفوا من هي صاحبة الاسم، ولم أكن أفرض على نفسي رقابة لأنّ النص إن رُفض فلن يكون الرفض موجّهًا لـ»ماري القصيفي» بل لـ»مي م الريحاني» التي على ما يبدو كانت أكثر شجاعة وقدرة على قبول الرفض والاستمرار في الكتابة. أمّا المدوّنة فصحيفتي اليوميّة، تصلني بالعالم وتحرّرني من الرقابة وعدد الكلمات المسموح بها، وتتيح لي أن أضيف لوحات وصورًا وأن اكتشف هذا العالم الجميل والمخيف في الوقت نفسه، فضلاً عن أنّه عرّفني على قرّاء يتمتّعون بحسّ عال من الثقافة والنقد، وحين يتابعني يوميًّا نحو 400 شخص من مختلف أنحاء العالم، أعرف أنّني لا أكتب لنفسي فقط. وهذه مسؤوليّة ومتعة. الكتب مسؤوليّة من نوع آخر وإن كان لي فيها الحريّة المطلقة، هي المسؤوليّة الأدبيّة عمّا أريد أن يبقى على صعيد الإبداع بين كلّ هؤلاء المبدعين والمبدعات الذين أرغب في الانضمام إلى حلقتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق