لن ينجو لبنان من الدرك الذي انحدر إليه
إلاّ متى أزيلت عنه لعنات ثلاث: لعنة الأشجار ولعنة الكتب ولعنة التاريخ.
فالأشجار المقطوعة والمحروقة لن تغفر
للبنانيّين ما فعلوه بها بعدما رسموها رمزًا في وسط علمهم. وما لم يستعد لبنان
اخضرار سفوحه، وبياض قممه، وتماسك تربته، فلن يعرف أهله راحة البال ولا هناءة
العيش. والكتب المكسوّة غبارًا فوق رفوف المكتبات لن تسامح اللبنانيّين، أحفاد
الكنعانيّين، على إهمالهم إيّاها بعدما اخترعوا حروفها ونشروها في العالم.
والتاريخ المملوء شهداء وضحايا لن يصفح عن شعب يمجّد الموت ويستهتر بالحياة، يرضخ
ولا يقاوم، يموت جوعًا ولا يثور.
وإن كانت الأشجار تجد من يدافع عنها بين
أنصار البيئة وحماتها، والتاريخ لن يُعدم من يحسّن صورته ويجمّل عيوبه، فإنّ الكتب
لا تجد لها نصيرًا وعنها مدافعًا. فمن سخرية الأمور أنّ اللبنانيّين يجدون سعر
الكتاب باهظًا مهما كان زهيدًا، ولا يقرأونه ولو قدّمته لهم مجّانًا. ومع ذلك يجد
الكاتب دائمًا من يقول له: كتابك غالي الثمن لذلك لم نشتره. لكنّ مقارنة سعر
الكتاب بأسعار بعض البضائع والحاجيّات يبيّن كم تبدو هذه الحجج سخيفة. وهذه بعض
الأمثلة الوسطيّة التقريبيّة بالليرة اللبنانيّة: كيلو من الصنوبر (60000)
كيلو من الشوكولا (40000)
مسحوق غسيل (20000)
صفيحة البنزين (32000)
غالون الزيت (40000)
غالون عرق بلدي (60000)
لن نأتي على ذكر النبيذ والويسكي
مرطبان عسل (30000)
صباغ الشعر وتسريحه (40000)
قارورة الغاز (20000)
صفيحة المازوت (26000)
كيلو من السمك (30000)
كيلو من لحم البقر (20000)
كيلو من لحم الغنم (33000)
كيلو من الجبنة العاديّة (20000)
أمّا إذا كان سعر الكتاب 20000 ليرة فلن يشتريه أحد.
وإن أردنا الانحدار إلى فئة المشتريات التي تقلّ عن ذلك أي ما يعادل 15000، نجد بطاقة السينما، والأركيلة، وفنجان قهوة مع قنينة مياه، ومسحوق لتنظيف الحمّام. وكتاب بهذا السعر لن يجد أيضًا من يشتريه من تلقاء نفسه، ما يجعل الكاتب يرضخ لشرط دار النشر ويقيم حفلة توقيع تخفّف عنه قليلاً كلفة الكتاب.
كيلو من الشوكولا (40000)
مسحوق غسيل (20000)
صفيحة البنزين (32000)
غالون الزيت (40000)
غالون عرق بلدي (60000)
لن نأتي على ذكر النبيذ والويسكي
مرطبان عسل (30000)
صباغ الشعر وتسريحه (40000)
قارورة الغاز (20000)
صفيحة المازوت (26000)
كيلو من السمك (30000)
كيلو من لحم البقر (20000)
كيلو من لحم الغنم (33000)
كيلو من الجبنة العاديّة (20000)
أمّا إذا كان سعر الكتاب 20000 ليرة فلن يشتريه أحد.
وإن أردنا الانحدار إلى فئة المشتريات التي تقلّ عن ذلك أي ما يعادل 15000، نجد بطاقة السينما، والأركيلة، وفنجان قهوة مع قنينة مياه، ومسحوق لتنظيف الحمّام. وكتاب بهذا السعر لن يجد أيضًا من يشتريه من تلقاء نفسه، ما يجعل الكاتب يرضخ لشرط دار النشر ويقيم حفلة توقيع تخفّف عنه قليلاً كلفة الكتاب.
فعلى الراغبين في بيع كتبهم ألّا يتخطّوا
ثمن الأركيلة، فاللبنانيّ النرفوز ليس مضطرًا إلى الاستعاضة عن نَفَس من التنبك
العجمي يهدّئ الأعصاب بكتاب يدفعه إلى التفكير والتحليل. وإن لم يعجبكم الأمر،
حضرات الأدباء والشعراء، فهنالك مهن كثيرة تؤمّن لكم دخلاً محترمًا وكان عليكم أن
تختاروها، فمعاينة مريض مردودها 15000 ليرة لبنانيّة، وتغيير زيت لسيّارة رباعيّة
الدفع يقارب الـ50000 ليرة، فتخيّلوا في يوم واحد عدد المرضى في عيادة طبيب مشهور
وعدد السيّارات عند ميكانيكيّ بسيط، واجروا عمليّة حسابيّة بسيطة، وتأكّدوا من
أنّكم اخترتم النصيب الأسوأ.
من طرائف (مآسي) عملي في الشأن التربويّ
ما اختبرته شخصيًّا في موضوع العلاقة بين المعلّم والكتاب. فعلى الأرجح إنّ
المعلّمين هم أسوأ الزبائن في هذا المجال. وليس الأمر ماديًّا كما قد يتبادر إلى
الذهن، وإن كان هو الحجّة المقدّمة. ولكن بعيدًا عن علاقة المعلّم اللبنانيّ
الفرديّة بالكتاب، اكتشفت أنّ المدرسة في شكل عامّ ليست مجتمعًا تتفاعل فيه الآداب
وتتلاقح وتنتج. على عكس ما يحدث في الأفراح والليالي الملاح، فروابط المعلّمين
مثلاً تصرّ على تقديم هدية فاخرة لزميل عريس ولا يعنيها أن تشتري كتابًا (سعره أقلّ من
سعر الهديّة) أصدره زميل آخر. حتّى المآتم لا تتساهل هذه الروابط في شأنها وترسل
أكاليل زهر لافتة (ثمن الواحد منها أغلى من ثمن كتاب)، في حين يبدو تشجيع معلّم
أصدر ديوان شعر أمرًا ثانويًّا لا يستحقّ الالتفات إليه. أما حفلات التكريم التي
تدعو إليها إدارات المدارس في شهر آذار لمناسبة عيد المعلّم فلن تكون إلى مهرجان
للكتاب وإلاّ شعر المعلّم بأنّه يُعاقب، بل إلى مسرحيّة هزليّة تتلاعب على المعاني
الجنسيّة والسياسيّة. ومن طلب العلى سهر الليالي ولا يهمّ أين يكون ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق