الموارنة
– ما عدا قلّة منهم تقاوم حتّى الشهادة كي تبقى الخميرة الروحيّة والخمرة الجيّدة –
مستقيلون من دورهم، دورهم الوحيد المطلوب منهم بلا حصريّة أو تقوقع: أن يكونوا
جماعة نسك وحريّة وعِلم.
أساقفتهم
وكهنتهم وراهباتهم مستقيلون: يريدون كلّ شي وهم يردّدون أنّهم لا يريدون شيئًا:
يريدون الرسالة والوظيفة والشهادة والسفر والحياة الاجتماعيّة وتأمين العائلة فلا يجدون
وقتًا لحوار لا يؤمنون مسبقًا بأنّهم منتصرون فيه. مشغولون دائمًا بألف همّ وهمّ،
ما يوتّر أعصابهم ويبعدهم عن سكينة لا تستقيم حياة روحيّة من دونها. مهتمّون بأمور
كثيرة والمطلوب واحد. يعطون لقيصر ما له حين يكون القيصر من حزبهم، ويقاسمونه حين
لا يناسب تطلّعاتهم. مدّعو معرفة وفَهم كأنّهم وحدهم يملكون الحقيقة. لا وقت عندهم
لحلّ مشكلة عائليّة، ينأون عن حاجات الناس، يحكمون كدكتاتوريّين على أساس أنّهم
غير منتخبين ولا رأي للجماعة في أدائهم إن في الرعيّة أو المدرسة أو الجامعة أو
المستشفى... نفّذ ثمّ اعترض ... وفي أكثر الأحيان لن تجد مجيبًا مهما اعترضت. إن
بان عليك تعب أو قلق أحالوك إلى طبيب أمراض عصبيّة، إن تشاجر أخوان يوجّهونهما إلى
القوى الأمنيّة، إن كنت فقيرًا وجّهوك إلى وزارة الشؤون الاجتماعيّة، إن كنت ثريًّا أجلسوك في صدور مجالسهم، إن طالبتهم بحقوقك قالوا لك: لا تكنزوا في الأرض، ولا يهمّكم ما
تأكلون وتشربون، وإن زايدت عليهم في الترفّع عن الأمور الماديّة قالوا لك: القانون
لا يحمي الأغبياء، وكونوا حكماء كالحيّات. على مزاجهم أنت ابن الدولة، وعلى مزاجهم
أنت ابن الكنيسة. مؤسّساتهم الإعلاميّة تجذب العجزة والمرضى ولا تطلق ثورة. كنائسهم صالونات فسيحة لا هويّة واحدة لها.
أمّهاتهم
وآباؤهم مستقيلون: الفقراء ينجبون ويرمون على طرقات الغربة، والأثرياء ينجبون ويرمون في
المدارس. خذوهم عنّا، هي عبارتهم الأثيرة، وردّوهم إلينا حملة شهادات. كان ينقصهم الهواتف
الخلويّة، والنوادي الرياضيّة والرحلات السياحيّة ومن يؤمّن لهم الخدمة المنزليّة،
كي يكتمل اغترابهم عن أولادهم وأرضهم. لغتهم هجينة، تصرّفاتهم مستوردة، صلواتهم
واجب بين الترويقة والغدا... يَصِلون إلى القدّاس متأخّرين، يتأفّفون إن لم يجدوا مقعدًا
يعجبهم، يستعجلون الانصراف، وفي خلال كلّ ذلك أولاد يصخبون ويلعبون والحجّة أنّ
المسيح قال: دعوا الأطفال يأتون إليّ. عبارة وحيدة يحفظونها من غير فهم ومن خارج
السياق. غير ملتزمين بأرض أو هويّة أو وطن، متنكّرون لتاريخهم وتراثهم وأهلهم،
متسكّعون بين المتاجر، كانوا يربّون الماعز ويتخلّقون بأخلاقها العنيدة الأبيّة
صاروا يربّون الكلاب ويكرّمونها وينظّفون قذارتها. أسنانهم أكثر بياضًا من قلوبهم،
سيّاراتهم أكثر حداثة من أفكارهم، ملابسهم أكثر أناقة من أخلاقهم. أولادهم مدمنون،
طائرون في سيّارات، مثليّون من باب التجريب والتحدّي والموضة، لا قيمة عندهم لكتاب
أو شجرة أو التزام. صناعاتهم وحرفهم إلى زوال، حقولهم دائمًا مطروحة للبيع، زراعاتهم
موضة بائدة قديمة، مدارسهم وجامعاتهم تجارة، فنّانوهم الأصيلون مهمّشون،
والمزيّفون مغنّون في بلاطات الأثرياء، مفكّروهم منسيّون، أحرارهم مضطهدون،
شهداؤهم يموتون كلّ يوم، أحلامهم هجرة، وآمالهم ثروة سريعة، وطموحهم وظيفة في دولة
عربيّة غنيّة، أعراسهم ومآتمهم تجارة وثنيّة، يثرثرون أكثر ممّا يقرأون، بيوتهم من
زجاج، نساؤهم من سيليكون، أطفالهم من كوكا كولا، رجالهم من تَنْبك.
وما سياسيّوهم سوى انعكاس أصيل لهذا المجتمع الهجين.
وما سياسيّوهم سوى انعكاس أصيل لهذا المجتمع الهجين.
وكلّ
من يرى غير ذلك متعامٍ عن الحقيقة، ينظر ولا يرى، يسمع ولا يصغي... يعيش على بقايا
تاريخ من القداسة والانتصارات، يستعيدها يومًا بعد يوم، وعظة بعد عظة، لعجزه عن
إحداث ثورة روحيّة فكريّة ثقافيّة حضاريّة.
والآتي أخطر...
والآتي أخطر...
هناك 3 تعليقات:
لذلك هم بحاجة لصلواتنا ومحبتنا
باركك الله. أطلقتِ كلمة الحقِّ التي تجمّدت على ألسنة الموارنة الصادقين، أطلقتِها حرةً. كافأك الله خيراً.
Tu as raison même le saint Père le Pape François à bien parlé de ce problème
Il faut vraiment prier profondément pour notre pauvre église
إرسال تعليق