فلنتفّق أوّلاً على أنّ الزجل اللبنانيّ يختلف عن الشعر العاميّ اللبنانيّ الذي ولد من رحم الزجل غير أنّه استقلّ في بيته الخاصّ. ولنتّفق ثانيًا على أنّ ما أريد قوله عن الزجل اللبنانيّ يصحّ على كثير من وجوه التراث والفولكلور في لبنان وفي أيّ بلد آخر.
الزجل اللبنانيّ في ذاكرة الناس طاولة يجلس خلفها شاعران أو أربعة شعراء يتبارون في ارتجال شعر له نكهة خاصّة ومميزة، ومهما علت النبرة واشتدّت اللهجة وقست المفردات تنتهي المبارزة الشعريّة بتوافق الجميع وخلاصة ترضي الضمير والجمهور. وكانت الطاولة عبارة عن مائدة ملأى بالمازات اللبنانيّة وكؤوس العَرق، قبل أن يمتنع بعض الشعراء عن وضع الكحول احترامًا لمشاعر كثيرين. كانت المائدة لوحة لا يكتمل المشهد الزجليّ من دونها، وغالبًا ما كنّا، صغارًا، نراقب كيف يتطاول الشاعر ليرتفع رأسه فوق رأس البندورة في صحن الخضار الكبير الذي يزيّن وسط المائدة. وما نخشاه أن يزول الزجل وتبقى المائدة والمازة اللبنانيّة على عادتنا في التمسّك بشكل التقاليد من دون النظر إلى أبعد من صورتها البرّاقة.
مناسبة هذا الكلام، دعوة وزير الداخليّة زياد بارود إلى إدخال الزجل في المناهج التعليميّة. وجاء هذا الكلام خلال حفلة في رعاية الوزير وحضوره لمناسبة توقيع ديوان "غلال العشرين" للشاعر الزجليّ جورج ضوّ . صحيح أنّ هذه الدعوة نالت حصّتها من تعليقات البرامج الفكاهيّة على اعتبار أنّنا نداوي أمراضنا بالسخرية ونحلّ مشاكلنا بالنكات، غير أنّنا، ولو كان عندنا هموم أكثر خطورة، لا نستطيع إلاّ أن نوافق الوزير على وجوب إدخال الزجل والشعر العاميّ في المناهج الرسميّة على اعتبار أنّهما وجهان من وجوه ثقافتنا، ووسيلتان تعبيريّتان حضاريّتان جميلتان وغنيّتان في أزمنة الشتائم والقبح والقحط الفكريّ.
في الزجل كما في سواه من الفنون ما يستحقّ التخليد والتدريس بقدر ما فيه من الحشو والتكرار والمبالغات الصبيانيّة والركاكة. وحين نوافق معالي الوزير على طرحه نأمل عند الفرز أن يطرح الزؤان ويحتفظ بالقمح، خصوصًا أنّه قال في كلمته: "قلبي على الزجل اللبنانيّ في شكل خاصّ، وأضمّ صوتي إلى صوتكم في ضرورة جمع هذا التراث العريق، وتعليمه في المدارس. فشعر الجاهليّة جميل حفظه، ولكن حذار من جاهليّة لا شعر يحفظ فيها ولا تراث ولا شعراء يكرّمون".
ونضيف إلى تحذير الوزير: حذار من أغنيات لا شعر فيها، وحذار من شعر لا فكر فيه ولا جمال، وحذار من سياسة لا أخلاق فيها، وحذار من قشور لا نفع لها وقروش لا هويّة لها، وحذار من طوائف لا دين لها، وحذار من شعارات وطنيّة ترتفع فوق أنقاض الوطن.
هناك تعليق واحد:
أنا مع و بشدّة, و بالقياس أتمنى لو يحدث ذلك في سوريا أيضاً..
في أغلب الدول العربية يتم احتقار الفلكلور و تهمل جماليته لأنه (ليس عربياً) فيعتبرون أن فقط ما كتب بالفصحى هو أدب و شعر و ثقافة, و ما تبقّى لا.. و هذا لعمري خطأ كبير لأنه إهمال لذاكرة الشعوب على مرّ العصور.
أتابع جميع النصوص يومياً و أسعد بغزارتها رغم أنني لا أتمكن دوماً من التعليق, ربما لأنني لا أملك احياناً ما أضيف, أو أعتقد أنه يضيف
تحية
إرسال تعليق