الأحد، 24 ديسمبر 2017

كتاب مفتوح إلى المونسنيور منصور لبكي



كان من الممكن أن أكتب في مثل هذا اليوم الذي يسبق عيد الميلاد عن خالي ميلاد الذي تبكي أمّي رحيله في يوم عيد ميلاده، أو عن خالي سليم وعمّتي زوجته اللذين رحلا في فترة الميلاد أيضًا، أو عن كثيرين وكثيرات من عائلتي وأصدقائي رحلوا ولم يأخذوا معهم الحزن...
كان من الممكن أن أكتب عن المرضى والفقراء والوحيدين والمظلومين...
لكنّي اخترت أن أكتب لك عنك!
ربّما لأنّ ترانيمك باتت جزءًا من الميلاد، ربّما لأنّ أمّي تنسى البكاء حين تسمعك ترنّم للعذراء: أنت الشفيع الأكرم، وربّما لأنّني لم أعرف بعد ماذا أقول في قضيّتك العالقة...
***
لعلّك بريء يا أبانا من كلّ ما أنت متّهم به... لا بأس، فما الظلم اللاحق بك سوى مشهد من مشاهد الجلجلة.
لعلّك مذنب يا أبتِ في كلّ ما قالوا أنّك ارتكبته... لا بأس، فالكنيسة في حاجة إلى كهنة خطأة يعيدون إليها طابعها البشريّ المحتاج إلى طبيعة المسيح الإلهيّة... بعدما كثُر فيها مدّعو القداسة...
لعلّك بريء ومذنب في الوقت عينه... لا بأس، فهذه حالنا كلّنا!
لكنّك أيّها الكاهن المنتظِر كتبت ولحّنت ورنّمت، وهذا ما لم يفعله كثر من الذين يرجمونك. وبشّرت وساعدت وحنوت، وهذا ما لم ينبرِ للقيام به أكثر الذين يجلدونك بسياط جبنهم وتردّدهم. وتاجرت بالوزنات التي أُعطيتها، فربحت وخسرت، وهذا ما لم يجرؤ على القيام به أكثر الذين يرشقونك بسهام التجريح.
***
إنّ ترانيمك التي يتردّد صداها في كنائسنا ومدارسنا أبقى من عظات كثيرة، إنّ الكلمات البسيطة التي كتبتها لا تقلّ أهميّة عن كتب اللاهوت الصعبة، إنّ الألحان التي وضعتَها درجاتٌ في سلّم يرقى بك نحو السماء: تعال بيننا، قلبي مهيّا مغارة، انشالله القمحة، ليلة الميلاد، يا مريم يا ناي ألحان السماء، أترك كلّ شي واتبعني، علّمني حبّك يا الله، أنت وحدك دعوت... وغيرها وغيرها من صلوات يردّدها الناس وهم لا يصدّقون ما نُسب إليك.

وفي انتظار نهاية قضيّتك، لا يسعني اليوم سوى أن أشكرك لأنّ أمّي تنسى البكاء حين تسمعك مرنّمًا وتخاطبك هامسة: مش حرام شو عملو فيك...
***
من كلمات المونسنيور لبكي كما نشرها صديقه الإعلاميّ بسّام برّاك:
وهنا مقتطفات من النصّ اللبكيّ من داخل صومعتِه:
عندما نقول للمسيح : نعم، لا نزيد على تلك النَعم كلمة "ولكن".
خبرت حبَّ المسيح في كل مراحله؛ أمسك بيدي وسار بي على"ذوقه" لا على ذوقي. وفي ذلك راحة لبالي، لأنه الخبير الوحيد بالطريق ومعاثرِها، فكنتُ كالطفل المحمول على ذراع والده، يقطع معه العواصف والزلازل، فلا يهاب الأخطار لأنه في أيادٍ أمينة.
لما أصابتني سهامُ المكائد على حين غرَّه، كالصاعقة، إهتز كياني كله، فهرعتُ إلى الكنيسة أسأل الرب عمّا يحصل. فلم أستطع لفظ أيَّ كلمة لشدة الصدمة، بل أغمضتُ عيني وقد سالت منها سواقي دموعِ الاستغراب والغضب الكبير. وبرزت أمامي، لاشعوريا، مواقف المسيح، انطلاقا من نزاعه في بستان الزيتون، حتى صلبِه على تلة الجلجلة...
مئات المشاهد والعِبر من حياة المسيح وأقواله، تنزّهت في ذاكرتي وحرّكت مشاعري لتحولها من ظلام الشك إلى بهاء اليقين. فصرتُ سابحا في بحر هادئ لا يُعَكِّر هدوءَه سوى قلقي على ضعفاء النفوس الذين تعرفوا إلى المسيح او ازداد حبهُّم له، من خلال ما قرأوا أو سمعوا أو رتلوا معي لسنين طويلة.
من جراء محاولة تشنيع صورتي، يسعى أعداء الخير أن ينالوا من القطيع الباقي، ولكني سلّمتُ أمري للمسيح متمتما في قلبه: عذبني بما شئت وليصمد مؤمنوك في حبك.
في عزلتي، وكل يوم بعد يوم، زدتُ يقينا أن الرب وهبني، ودائما على طريقته، متسعا من الوقت لكي أجَسدَ نصَّاً ولحناً ما توصلت إليه من اختبارات روحية، والذي ما كنتُ قادراً على القيام به من دون هبوب تلك العاصفة الهوجاء، نظرا لضيق الوقت ولكثرة الانشغال بأمور روتينية. فاستجبت لمشيئة الرب السرية، ورحتُ أكثِرُ القراءات والتأملات، منقبا في الكتاب وحياة الشهود العمالقة في مسيرة الإنجيل.
فمن بنات تاملاتي وغوصي في تصوير ما أغرف مِن غِنى روحي من الكتب الصديقة التي لازمتني في منفاي العجيب، تمكنتُ بعد عناء مُضْنٍ وتأملٍ طويل، أن أضٓعَ بعض الأناشيد وهي باقةٌ من بساتين متعددة.
ألحان جديدة ونصوص من وحي الامتحان الذي أرادَني الرب اجتيازه.
هذا هو جوابي على ما تعرضت من كذب وبهتان وظلم وهوان.
أشرب هذه الكاس "إستغفاراً" لساقيها. آمين

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.