سليم وإميلي يراقبان سرب طيور |
يكاد أربعون عمّتي إميلي يقترب والكلمات لا تزال تهرب منّي،
كما تهرب فرحة الأعياد من قلوب الحزانى. لعلّني رأيت في موتها تمرينًا على موت صرنا نخشى أن يحصد كبار العائلة، وهذا ما يجعلني أحاذر الاعتراف برحيلها، لعلّها تبقى
بعد أكثر...
عمّتي روزنامة الأعياد التي سقطت آخر
ورقاتها منذ أكثر من شهر، وجارور الحلويات الذي أغلق إلى الأبد، عمّتي المريضة الأنيقة رحلت، والليلة، ليلة عيد البربارة لا حلويات من صنعها ولا مائدة تستعدّ
لعيد الميلاد.
لكأنّ الأعياد بلا أمّهات ليست أعيادًا. أو كأنّ
الأولاد يكبرون فجأة حين تموت الأمّهات، والأحفاد يغادرون الطفولة على عجل حين
تموت الجدّات. أو كأنّ نكهة الأطعمة لا تعود هي نفسها، ورائحة البيت تفقد الكثير
من خصوصيّتها.
عمّتي ليست صغيرة، لكنّ أوجاعها هي التي كانت
كبيرة، وهذا ما يبكينا ونحن نتذكّر حياتها ومعاناتها وهي لا تعرف أنّها مصابة
بالسرطان الذي ترافق مع غسل الكلي.
لكنّي الليلة أكتب وأنا أرى إلى أمّي تغالب دموع
الحزن على المرأة التي كانت ابنة حميها وزوجة أخيها في الوقت نفسه، وتزرع الحبوب
في صحون الفخّار بركة تستعيض بها عن شجرة العيد.
أكتب لعلّ عمّتي تعود ولو قليلًا،
فتداعب رأس زوجها الذي أقفلت الجلطة الدماغيّة مسار الحكايات فيه، وتعدّ الحلوى وهي
تدّعي الصراخ والغضب على الأحفاد الذين يملأون البيت صخبًا وعيدًا، وتنشغل بالإعداد لعرس صغيرها عمر.
أكتب، لعلّ طعم
السكّر يعود إلى الحلوى، ولعلّ المرأة التي صمتت تخرج من صورتها لتفتح الباب لأحفادها
وأولاد الجيران المتنكّرين، ولعلّها تصطحب معها أحبّاء كثرًا رحلوا ولا يزالون يقيمون في
جراح الذاكرة.
غير أنّني مع كلّ كلمة أكتشف كيف تصير الكتابة مزراب الدمع...
هناك تعليق واحد:
عندما تكتبين حزنًا
تُشهرينَ سيف العاطفة النازفة!
ألمكِ - ألمُ الفراق
مجمرةُ عناق للمسافات
جدارٌ لروزنامة الأعياد والأفراح المكلومة لغياب
رحمها الله
وأطال الله بعمركِ
إرسال تعليق