مرّة
ثانية، وفي مرحلة توديع قسم آخر من مكتبتي الخاصّة، وضمن إطار "الفلفشة" بين الكتب
التي تغادر مكانها في اتجاه مكتبة جبران خليل جبران العامّة في بشرّي، أقع على نصّ
من مجموعة "الجبل الملهم" للشاعر شارل القرم وقد عرّب الكتاب وقدّم له الدكتور جميل جبر.
أنقل من الصفحة 66 هذه المعاني التي إن قرأناها في ضوء الواقع المارونيّ الحالي
نفهم أين كان أبناء هذه الطائفة وإلى أين انحدروا:
آه!
حدّثينا خصوصًا عن العصور الرائعة
حين
نعمنا على الدوام بقلب دينيّ؛
ويا
لها من معجزة لا تصدّق، مع أنّها حقيقيّة،
أن
نستمرّ أوفياء لله.
**
قولي
لنا كيف أنّ مسيحنا جوهر النور،
اختار،
لكي يتجلّى، جبلًا من جبالنا،
بعد
أن أتى لإحدى أمّهاتنا،
لكي
يطرد الشيطان.
**
وكيف
قدّيسنا جرجس، في سفح تلالنا البحريّة
قضى
على التنّين بطعنة رمح،
فأصبح
الفارس المغوار الذي جعله الإنكليز
شفيع
جيوشهم.
**
وكيف
أبناء جبلنا، المحصورون في حدودنا،
استطاعوا،
من شاطئ البحر إلى قبب السماء،
بناء
الجلول الحافظة أراضينا،
وأمواتنا
وعسلنا.
**
كيف
امراؤنا القدامى وشيوخنا وبطاركتنا،
وقد
آلمتهم العباءة وأوهنتهم المسوح،
دافعوا
عن أرضنا في الوهاد
وعاشوا
في قلب الصخور.
**
حدّثينا
عن نسائنا الطاهرات
كيف
كنّ يحملن في الأحشاء جنينًا،
وعلى
الصدر طفلًا، وفي الروح
ملائكة
وقدّيسين.
(انتهى
الاقتباس)
لستُ
هنا في معرض الحديث عن المنحى القوميّ اللبنانيّ الفينيقيّ في فكر القرم وشعره،
ولا في قيمة فنّه مقارنة بشعراء كتبوا بالعربيّة أو بالفرنسيّة عن الهويّة اللبنانيّة،
لكنّي أرغب في التوقّف قليلًا عند الفقرة الأخيرة من النصّ، تلك التي تشيد
بالإنجاب وتفتخر به، وتربطه بالطهر والملائكة والقدّيسين، كأنّه واجب روحي أكثر ما
هو جسديّ، لا بقاء لهذا الجبل الملهم إلّا به.
سأفترض
أنّ هذا الكلام محصور بالموارنة الذين ينقص عددهم يومًا بعد يوم، بالموت والهجرة،
وتحديد النسل، إذ تكتفي أكثر العائلات بولد أو اثنين.
هؤلاء
الموارنة أنفسهم يسخرون من كثرة الولادات عند اللاجئين السوريّين، وعند الشيعة،
قائلين: بالبطن ولد وع الإيد ولد... أليست هذه كلمات القرم عن العائلات المسيحيّة؟
وكيف انتقل الإنجاب من مدعاة فخر وواجب مقدّس إلى سبب للسخرية والتعالي؟
لا
شكّ في أنّ الإنجاب – وهو في التقليد المسيحيّ إلى زمن ليس ببعيد هدف الزواج
وغايته، مطلوب في المجتمعات الزراعيّة التي كان عليها الموارنة بهدف تأمين اليد
العاملة، ولكن ألا يفترض حبّ البقاء الإكثار من الولادات كذلك، ولو انتفت الحاجة
إلى اليد الزارعة القاطفة الحاصدة؟ أليس هذا ما تفعله المجتمعات المهدّدة
بالانقراض؟ وكيف يتوقّع الموارنة أن يحافظوا على وجودهم، وبالتالي على الرئاسة
الأولى، وهذا موسمها، إن قلّ عديدهم وخسروا أرضهم؟
الموارنة
الجدد لا يعرفون شيئًا عن شارل القرم، ولا يعنيهم في شيء تاريخ لبنان أو هويّته أو
مستقبله،... والكنيسة ليست في صدد تشجيع الولادات عبر المساعدات المدرسيّة على
الأقلّ، واللواتي يحملن في البطن جنينًا وعلى الصدر طفلًا لسن مارونيّات ... وعلى هذا الأساس تبدو النتيجة معروفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق