1-
لست
صحافيًّا لأنقل إليكم الأخبار وأعلّق عليها الخواطر. ولا نظرة السياسيّ
نظرتي...أمّا موقفي فهو من واجهة الإيمان بطوبايات الإنجيل وعظة الجبل... والقضيّة
الكبرى اليوم هي عندنا الفتنة القائمة حول فلسطين، وقد شُرّد أهلها باسم وعد إلهيّ
جاء في التوراة...ليتني \اوفّق أن أنطق بالحقّ بينكم وأشهد له دون محاباة. وحديث
الحقّ شاقّ عسير تُصاب سمعة صاحبه إن أخلص فيه، أو يعذّبه ضميره إن وار فيه ومارى.
لقد اخترت أشدّ الأمرين، فما همّّ السمعة إذا ارتاح الضمير. (مقدّمة كتاب أرض
الميعاد الذي جمعت فيه العظات التي ألقيت عام 1968)
2-
تلك
الأرض التي جاءها ابراهيم كانت أرض الكنعانيّين أجدادنا القدامى الذين سبقوا فبنوا
لهم أروع حضارة قديمة. وكانت القدس من مدائنهم، رفعوا فو أكمتها هيكلًا لهم،
وملكيصادق في الهيكل يقرّب "للإله العليّ" لا ذبائح عجول وثيران، بل
خبزًا وخمرًا هما رمزان كنعانيّان عن السرّ القربانيّ الذي ما برحت الكنيسة تجمّع
حوله كلّ يوم بنيها. وملكيصادق الكنعانيّ نفسه كان رمزًا عن المسيح، فهو، على ما
قال بولس الرسول "ملك ساليم أي ملك السلام"، ولم يعرف له أب في القبائل
كالمسيح الذي انبثق في الدهر من غير تناسل فلا أب يعرف له بين البشر. (من المحاضرة
الأولى في زمن الصوم
الكبير- أرض الميعاد– 1968)
3-
نحن
(معشر المسيحيّين المشرقيّين) الذين عشنا في هذا الشرق نحمل فيه وحدنا أجيالًا
صليب المسيح، ليستمرّ فعل فدائه قائمًا في أرضه ما قام الدهر، فعشنا مع هوانه في
غربة، ها هي النكبة تكثّر لنا الإخوان، وتجمعنا في مطهر واحد. (من المحاضرة
الثانية في زمن الصوم الكبير- هاجر أو الضرخة الأولى – 1968)
4- فلسطين رمز عن الملكوت، والوصول إليها
والاستشهاد حتّى الموت في سبيلها، هو شوق مبطّن إلى ذلك الملكوت الذي قال الإنجيل
"إنّه يؤخذذ عنوة على يد الغاصبين". ولكنّ الاغتصاب الإنجيليّ هو جهاد
النفوس في المحبّة، التي هي "ملكوت الله في داخلكم" كما قال المسيح. هذا
ما يجب أن يعلنه المسيحيّون في حومة العراك لبنقلوا الكفاح من ظاهره إلى باطنه
فيبيّنوا أبعاده ومراميه الروحيّة. (المحاضرة
الثالثة في زمن الصوم الكبير – صوت صارخ في البريّة – 1968)
5- لقد كرهوا (ابناء
جيل اليوم) السلام الذي نبشّر به ولا نمارسه، فأرادوا الثورة عسى الضدّ يظهر ضدّه،
وتكون الثورة أضمن سلامًا من السلام الكاذب الذي نعيش فيه. ولقد كرهوا الدين
لأنّنا معه، فألحدوا لأنّنا آمنا ولم نغيّر وجه العالم إذ لم ينقل فعل إيماننا
"الجبل إلى البحر". لإنّ إيماننا طقوس ونصوص، إيمانهم إيمان معكوس، رأسه
إلى أسفل، وقد يكون أقرب إلى الإيمان الحقّ ممّا نظنّ، أو قد يكون تطهيرًا وتصفية
للإيمان. (المحاضرة الرابعة - جيل الشهود وجيل الجحود – 1968)
6- من جبل أمانوس
إلى الجنوب العربيّ، من قبرس إلى ما وراء الفرات حتّى الهند، المسيح مصلوب على
كرسيّ أنطاكية، وصوته المنازع يطوّف في الطوائف صارخًا: "كونوا واحدًا كما
أنّني والله واحد". والكنيسة التي صوّرها الآباء كأنّها قميصه المنسوج من خيط
واحد، ممزّقة. وكلّما تهشّمت تلك القميص كان ذلك مقدّمة لصلبه وموته. ألا قتل الله
الطوائف ليحيا المسيح! (المحاضرة الخامسة – انطاكية القميص المهشّم – 1968)
7- ما نفع التغنّي
بأمجاد بينزنطية والترنيم بألحان طقوسها والاتّشاح ببرفير ملابسها والطواف بالبخور
والشموع حول أيقوناتها، إذا كان ورّاثها من الأروام قد ضيّعوا مجد قداسة عبّادها
ورهبانها وانزلقت عندهم النفوس إلى عبادة الطقوس.
وإذا كان للمورانة شرف الأمانة المستمرّة دون شذوذ ولا
انقطاع كما يقولون، أيغنيهم الشرف القديم عن الحاضر المتقاعس، أتعوّض عليهم شهادة
أولئك الذين حوّل التركمان عليهم النهر في قاديشا فجرفهم النهر... أتعوّض عليهم
هذه الشهادة وغيرها من الشهادات، إذا كان الطمع والعهر جرفا معظم رجالها وكاد مقعد
معروف يلهيهم...؟
وهل قيمة السريان تحسب لهم اليوم لأنّهم جاءوا بالأمس
بيعقوب الرهاوي وملأوا الشرق الأمويّ فكرًا وترجمة ونشاطًا... أيعوّض عن ذاتهم
القديمة ظلّها الهزيل الشاحب؟
وهل ينفع النساطرة والكلدان أن يقولوا: كانت لنا في حقل
الرسالة بطولات مذهلة؟... ليسوا اليوم سوى رماد ما بين النهرين...
قد نكون اليوم (1968) في أواخر سني عمرنا في الشرق. أترى
المفاخرة بأمجاد الأمس، لو كانت كلّها حقيقة لا موضوعة، تكفي لتؤمّن لنا استمرارًا
عتيدًا؟ (المحاضرة السادسة – أنطاكية وسائر المشرق – 1968)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق