إلى الملوك والأمراء والرؤساء والحكّام العرب:
اشتروا لبنان ولا تشتروا
أمراء الحروب فيه
تسري إشاعات في لبنان مفادها أنّكم تدفعون
للمسؤولين فيه، في كلّ مرّة تتدهور الأوضاع، ملايين الدولارات كي يتّفقوا وكي
يتنازل كلّ منهم عن مطلب من مطالبه. أرجو ألّا يكون الأمر صحيحًا لأنّ الذين
يستفيدون من ثرواتكم يملكون من المال ما يجعلنا نحسدهم على ما يرمونه من فضلات على
موائدهم، في حين أنّنا، نحن المواطنين العاديّين، لا نملك ثمن حلم جميل.
ولذلك أقترح عليكم أن تشتروا لبنان، أرضًا
وشعبًا، فذلك أوّلاً أرخص ثمنًا لأنّ الشراء بالجملة يختلف طبعًا عن الشراء
بالمفرّق، وثانيًا لأنّكم بذلك تضمنون الانتهاء من قضيّة لبنان مرّة واحدة
ونهائيّة.
إنّ شراء لبنان عمليّة رابحة مئة في المئة:
فطبيعة لبنان، أو ما تبقّى منها، مزراب ذهب:
المياه التي تذهب هدرًا تستطيعون استغلالها أحسن استغلال لأنّكم تعرفون قيمة نقطة
المياه، والأشجار التي نحرقها تعرفون قيمتها لأنّكم تشترونها من عندنا بأثمان
باهظة بسبب السماسرة اللصوص، والجبال التي نحوّلها رمالًا تعرفون قيمتها لأنّكم
تعرفون كيف هي الحياة فوق الرمال. ألم يقل الكبير أنطوان كرباج عند عودته إلى
لبنان في أجواء حرب تهين كرامة الإنسان والفنّان: أنّكم حوّلتم الصحراء جنّة ونحن
نحوّل الجنّة صحراء.
والأماكن الأثريّة في لبنان مزراب ذهب: قلاع
وحصون وقصور لا نعرف كيف نحافظ عليها، بل نحوّل بعضها زريبة للماعز، وبعضها ملتقى
ليليًّا للمدمنين والعاهرات، وبعضها نبيعه قطعًا في الأسواق السوداء.
أمّا أنتم فعلّمتمونا كيف يبني الإنسان فوق الرمل أبراجًا تتحدّى الطبيعة وتشمخ
فوق السحاب.
والأماكن الدينيّة مزراب ذهب: فعندنا كما
تعلمون عددًا من الطوائف والمذاهب ولكلّ منها قدّيسون وأولياء، ولكلّ منهم معبد أو
مزار أو ضريح، وإلى جانبها مطاعم ومحلاّت لبيع الشموع والزهور والمناقيش والبخّور
والتذكارات، وهكذا تستقطبون المتعطّشين إلى الصلاة والتأمّل من كلّ أنحاء العالم.
والفنادق مزراب ذهب، وكذلك المستشفيات،
والمدارس، والملاهي الليليّة، والمسابح والمصارف وشقق الدعارة ومراكز الدراسات
وسواها من الأماكن التي يدفع فيها الناس أموالهم وهم ممنونون شاكرون.
ونحن فضلًا عن ذلك نجيد لغات الأرض كلّها
وعندما يعجز اللسان نستخدم سائر أعضاء الجسد، فالمهم ألّا يزعل منّا أحد، وألّا تتوقّف الاستثمارات، إذ إننا كما تعلمون بعدما انتهينا من تصدير الأدمغة بدأنا
بتوزيع البنات والصبيان على المحتاجين في كلّ أنحاء العالم.
ونجيد كذلك الضيافة والطبخ واستعمال الأعشاب
وتحضير الأرواح والتبصير وكتابة الرقي والأحجبة وتقديم المسرحيّات وإنتاج المغنّين
والمغنيّات والراقصين والراقصات والأفلام، وعندنا أصوليّون ومتحرّرون، وعندنا
محجّبات وعراة، وأغنياء ومتسوّلون، وزعماء ومرافقون، كلّ ذلك في بقعة صغيرة
"تجمع بين الساحل والجبل" ولبنان يا أخضر حلو" و"ألله معك يا
بيت صامد بالجنوب".
أيّها الحكّام: أرجوكم اشتروا لبنان! وما
دامت احتمالات الحروب والتقسيم واردة فلماذا لا تتقاسموننا بينكم، فلكلّ منكم
أصدقاء في لبنان يتمنّون أن يعملوا بإرشاداتكم وتوجيهاتكم، وما دام الجميع عندنا
يعمل بناء على توجيهاتكم فلماذا لا تختصرون الطريق ويكون في بلدنا (على سبيل
المثال وكما كان الحال أيّام العثمانيّين): سنجق الرياض، وسنجق الدوحة، وسنجق دبي،
وسنجق المنامة، وهكذا نعيش في أمن وسلام وبحبوحة و"بيرجع يتعمّر لبنان، أحلى ممّا
كان" وذلك نظرًا لما حققتموه في بلادكم ولشعوبكم.
أرجوكم اشتروا لبنان وسنكون كلّنا من أتباعكم
المخلصين، فما دمتم تدفعون لنا أقساط المدارس وفواتير الاستشفاء فسنخدمكم أحسن
ممّا يخدمكم زعماؤنا ورؤساؤنا وقادتنا، على الأقل نحن لا نكذب ولا نخون.
اشتروا لبنان واسمحوا لنا أن نعيش في سلام.
ولا تشتروا زعماءه، فالشعب والأرض أرخص بكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق