الخميس، 9 فبراير 2017

عبور الجسد – 1 (الجزء الأوّل من النصّ التاسع والأربعين من كتابي رسائل العبور - 2005)





لو نظرت إلى جسدي كجسر آمن فوق نهر هادر لأمكنك أن تصل عبره إلى حدائقي الغنّاء.
لو نظرت إلى جسدي كمعبر سحريّ غامض لاستطعت، وأنت تستمتع بعبورك من خلاله، أن تصل إلى أرضي المعطاء.
لكنّك انتظرت من جسدي أن يكون آلتك الجهنميّة، وخلاصة أوهامك الجنسيّة وأحلامك الشبقة.
فخسرتني وخسرته!
في عجقة الأجساد المحيطة بك، لم يجد جسدي مكانًا له، فكرهته لأنّه بدا لي عاجزًا، وحقدت عليه لأنّه ظهر لي بشعًا.
كانت الأثداء والأفخاذ والبطون تحاصرك وتومئ إليك بعهر وتصرخ معلنة جوعها وعطشها، مقدمة نفسها لتسدّ جوعك وتروي عطشك.
وعند استسلامك لفحيح أصواتها غاب صوتي، وفي انجرافك وراء تدافع أعضائها وعناصرها أوقعتني أرضًا.
كنت تسعى إلى الجنس وكنت أسعى إلى الحبّ.
أردتُ أن تمسك بيدي لأشعر بوجودك، غير أنّك اقتدت يدي إلى جسدك لتشعر بوجودك.
أردتُ من شفتيك أن تطبعا قبلة على شفتيّ لا نميّز فيها بين أحدنا والآخر، فإذا بهما تحفران فوق جسدي بقعًا مختلفة الألوان وتعلنان مرورك البطوليّ.
أردتُ أن تدخل فيّ بقوّة العشق وهدوء الحنان، فإذا بك تقتحمني كمن تأخّر على موعد، وتغادرني كمن يتهرّب من ضيف ثقيل.
انتظرتَ منّي الكلمات التي تثير الشهوة، وتحرّك الغريزة، وتضعك على أهبة الفعل ... بلا خيال ولا حلم.
وانتظرتُ منك الكلمات الطالعة من عمق ذاكرتك، والممزوجة بدفق شهوتك والمملوءة بسحر اللحظة.
اكتفيتَ بلقاء جسدين، وكنت أريد، أريد فعلًا، أن يلتقي جسدانا ليلتقي كلّ ما فينا من ماضٍ وحاضر ومستقبل، ليلتقي عبرنا المكان بالزمان، الرجل بالمرأة، الأرض بالسماء، الواقع بالحلم.
كنت تأكل جسدي في سرعةِ من يتناول طعامًا خفيفًا بين اجتماعَي عمل، وكنت أريد أن ترى في جسدي وليمتك الاحتفاليّة التي جرى لها الإعداد لها بكياسة وذوق وترف.
حاولتُ أن أفهمك أنّ الجنس بلا خيال وعشق دعارة، فأخذت تحدّثني عن مشاكلي النفسيّة وعقد الطفولة.
سألتك لماذا تتشابه لقاءاتنا كما تتشابه نقاط المطر فوق رأس متسوّل لم يترك له الجوع وقتًا للشعر، فأدرت ظهرك لي ونمت.
أعلنت أمامك أنّني متشوّقة إلى الذهاب معك بعيدًا في احتفال الجسد وطقوسه وألعابه وخفاياه وسحره ورموزه، شرط أن تذهب معي بعيدًا في احتفال الروح وطقوسها وألعابها وخفاياها وسحرها ورموزها. غير أنّك كنت مصابًا بعجز روحيّ مزمن لا ترضى بالاعتراف به.
أيّها الرجل الباحث عن امرأة جريئة تمارس معها الجنس، ما أسهل خلع الملابس عن الجسد أمام من لا يجرؤ على الحديث عن مكنونات النفس!

هناك 4 تعليقات:

MSMO يقول...

أكثر من رائعة :)

ملاحظة بسيطة ، لم تضغطي علي زرار شيفت بمايكفي لكتابة فاصلة في السطرين ، أريد فعلًان أن يلتقي جسدانا ليلتقي ، أنّ الجنس بلا خيال وعشق دعارةن فأخذت تحدّثني عن مشاكلي النفسيّة وعقد الطفولة

ماري القصيفي يقول...

شكرًا على الرأي والملاحظة... دكتور هاوس!

عابد يقول...

.. لماذا تتشابه لقاءاتنا .. لعلها طالت الالفة ، وحلت الرثابة .. واشياء من هموم المحيط تطارده .. اراك قاسية عليه، بعد كل هذا البوح الرائع بما يخالج جوانحك . ويؤرق اللقاء . مودتي

ماري القصيفي يقول...

هي قسوة المرأة عمومًا لا قسوتي الشخصيّة! قسوة المرأة العاشقة التي تريد للحبّ أن يتبدّى في أجمل أشكاله!

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.