يعود
كلّ الذين رحلوا حين ألتقي بك/ يأتون من أماكنهم الباردة/ يتركون زواياهم المعتمة
ويجتمعون حولنا/ يعودون إلى الحياة لحظة تلتقي شفاهنا/ ويتعانق جسدانا/ وتمتزج
رغباتنا/ فتتلوّن أرواحهم التي كانت باهتة بألف لون ولون/ ويشرق مجدهم من جديد.
يتوقّف
العابرون عن العبور حين نلتقي/ يجمدون في أماكنهم ويرغبون في التشبّث بمكان أو أحد
أو شيء/ ينظرون إلينا ونحن متعانقان/ ويفكّرون في أنّ العبور إن استمرّ عبورًا/
ضياع وشتات وامّحاء في أصقاع الأرض.
يأتيني
صوتك من مكان بعيد/ ليقول لي أنّ ما كتبته حتّى الآن لم يكن لرجل متخيَّل/ وأنّ ما
حلمت به في لياليّ القلقة كان رسائل منك/ وأنّ ما سأكتبه بعد اليوم سيكون أجمل بما
لا يقاس ممّا كتبه الشعراء في تاريخ البشريّة.
وحين
يلتقي صوتانا بعد لهفة وشوق تسكت الأصوات كلّها/ وتهدأ الحركة في الأرض/ ويصغي
الكون إلينا/ ويتعلّم الجميع لغتنا التي اخترعناها.
هي
ليست من حروف وكلمات/ لغتنا/ ولا من إشارات ورموز/ ولا من آهات وتنهّدات/ بل من
مياه/ لغة مائيّة لم تخطر على بال أحد قبلنا/ ولم ينطق بها لسان قبل لسانينا/ ولم
تدوَّن بها قبل قصّتنا أيّ قصّة حبّ.
يصغي
الكون إلى لغتنا ولا يفهم منها شيئًا/ لكنّه يقع تحت سحرها/ ويرقص على إيقاعها/
ثمّ يغفو كطفل تعب من اللعب.
يعود
الراحلون حين نلتقي/ يرجع الأزواج إلى منازلهم ليرتاحوا/ يحضن الآباء أولادهم
ليستمدّوا قوّة الاستمرار/ ينام العاشق في حضن حبيبته/ وهو يحلم بغدٍ وعائلة وحياة
لا موت فيها.
يعود
الغائبون حين نلتقي/ يعودون من غيابهم إلى حضورنا/ يرجع الشبّان الذين ماتوا/ تضحك
العجائز في منازل خالية إلّا من البرد/ تبرأ الجراح في الأجساد المتألّمة/ تستيقظ
ذكريات كانت نائمة بين الكتب والأعمار/ وأخاديدِ السنين المحفورة على اليدين
والوجه.
يعود
التائهون حين نلتقي/ يعودون من عهود التيه إلى لحظة لقائنا/ تجمد اليد التي تمتدّ
لتصفع/ يهدأ الغضب في النفوس القلقة/ يشعر الأسرى بنسمة حريّة/ ويتحوّل بكاء
الأطفال ضحكًا تفهمه كلّ الشعوب.
يعود
الذين رحلوا حين نلتقي/ ينظرون إلينا ونحن متعانقان/ ويطمئنّون إلى أنّ الحياة لا
تزال تسري/ في عروق الأرض والأشجار والأنهار/ وحين يعودون إلى غيابهم الذي لا بدّ
منه/ يحملون معهم زادًا من الحبّ/ يجعل أيّامهم حيث هي تفيض لبنًا وعسلًا/
وابتساماتٍ تجرح القلب لشدّة عذوبتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق