كم كلفة الوقت وهن ينتظرن الموت في المستشفى؟ ومن يمكن له أن يسدّده؟ |
تخيّل يا أبانا مارون أن يأتي يوم لا يذهب فيه المرضى إلى أضرحة القدّيسين
ومقامات الأولياء الصالحين، وحين يتساءل أهل السماء عن عزوف المتألّمين عن الحجّ
إلى مزارات ومعابد تحمل أسماء من أفنوا العمر في الصوم والصلاة، يأتي الجواب صوتًا
هاتفًا من قلب الله: صار الأطبّاء قدّيسين، والممرّضون شفعاء، وما عاد المريض في
حاجة إليكم يا أهل السماء لأنّ الأرض صارت هي السماء، فيها من يستبق المرض، ويخفّف
الوجع، ويداوي العلّة، ويبلسم الجراح، ويمسك يد المتألّم بمحبّة لا بشفقة، وبدافع
الرسالة لا بحكم الوظيفة!
تخيّل يا صديقي الناسك أن يحصل ذلك فلا يقضي مريض على باب مشفى، ولا يحتضر
آخر في وحدة وخوف، ولا يضيع ثالث في متاهة التجارة بالدواء والعلاج وزواريب
المستشفيات المعقّمة من الحبّ والملوّثة بالجهل، والموزّعة طبقات اجتماعيّة!
تخيّل أنّ المستشفيات والمختبرات الطبيّة وشركات التأمين تعمل بشفافيّة، فتقول
للناس: هذا ما أخذته منكم وهذا ما أعطيكم إيّاه. هذا واجبي وهذا حقّكم، هذه رسالتي
وهذه حياتكم، وها نحن كسمعان القيرواني سنساعدكم في حمل صلبانكم!
ولكن كيف لك أن تتخيّل ذلك في حين تزكم أنفَك روائحُ كريهة منبعثة من دور
العجزة العاجزة عن تأمين أبسط شروط النظافة، ويجرّح أذنيك أنين مرضى لا يملكون ثمن
دواء في مجتمع طائفيّ ترمي فيه الطائفة ثقل أتباعها على دولة غيّبها وجودهم،
وتناتشها جشعهم؟
رؤساء طائفتك يا مارون يصحّ فيهم القول: أيّها الطبيب طبّب نفسك! يريدون
معالجة شؤون المنطقة وهم عاجزون عن تسيير أمور الرعيّة، يطمحون إلى حلّ مشاكل
الدولة وهم منقسمون بين زعماء الدولة، يسعون إلى لعب دور على مسرح العالم
السياسيّ، وهم غير قادرين على مأسسة كنيستهم التي تميل أهواء إدارتها مع ميول
القيّمين على ممتلكاتها وأموالها! ممتلكات وأموال صارت إلهًا آخر أعظم من إلهك
وأكبر من مسيحك!
وفي انتظار أن تصير مستشفياتنا هي مقصد المرضى وقبلة آمالهم لمعالجة
آلامهم بكلفة أقلّ وجعًا من المرض نفسه، صلِّ لأجلنا يا مارون كي نحقّق إنسانيّتنا، فمن الواضح أنّ الطريق إلى الألوهة
لا يزال طويلًا!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق