الاثنين، 28 ديسمبر 2009

عجائب لبنان السبع

وسط بيروت

العالم كلّه يعرف أخبارنا ومشاكلنا وإنجازاتنا وآثارنا ومبدعينا وأبطالنا وشهداءنا، ولكن هناك الكثير ممّا لا يعرفه الناس عنّا ولا يجوز أن يبقى طيّ الكتمان، إذ لو كان هذا الكثير عيبًا أو خللاً لكان من الواجب أن نصلحه أو نعالجه، أمّا إذا كان من مفاخرنا ومآثرنا فيجب أن نعلنه على الملأ لنعلّم الآخرين ما لا يعلمون. فعندنا في لبنان مجموعة من العجائب أرجو ألاّ توجد في سواه من البلدان لكي نحتفظ بحقّنا في دخول الحضارة من بابها الواسع وهي تستحقّ بلا أدنى شكّ الإضاءة عليها من باب الواجب الوطنيّ. لا تذهب بكم الأفكار إلى مغارة جعيتا أو غابة الأرز أو شعر عاصي الرحبانيّ وصوت فيروز، فهذه عجائب من صنع الخالق جلّ اسمه، ولكن ما سوف أكشف لكم النقاب عنه من صنع البشر أو اكتشافهم، بشر لبنانييّن أقنعهم سعيد عقل بأنّهم آلهة:
الأعجوبة الأولى: مغارة علي بابا التي ظنّ المؤرّخون أنّها من وحي الأساطير والحكايات هي في الحقيقة خزنة الدولة اللبنانيّة.
الأعجوبة الثانية: لون البحر الأزرق عندنا ناتج عن التسمّم وليس كمّا يدّعي العلماء عن أنّه انعكاس للون السماء.
الأعجوبة الثالثة: خبير بيئيّ معترف به رسميًّا يعلن في حديث لإحدى الصحف اللبنانيّة المحترمة عن أنّه وضع قطيعًا من الماعز في حرج من الأشجار المعمّرة، وعلّم الراعي كيف يعلّم الماعز أن تأكل العشب الذي سوف ييبس ويتسبّب في حرائق خلال الصيف، كما علّمها كيف تمتنع عن أكل النباتات النادرة، وكيف تكون عنصرًا مساعدًا في الحفاظ على البيئة (من الواضح أن تلاميذي "أتيس" أي أعند من الماعز).
الأعجوبة الرابعة: كلّ اللبنانيّين يصلحون للخدمة في المطاعم والفنادق، وهذا رقم قياسيّ لم يسبقنا أحد إليه...ولن.
الأعجوبة الخامسة: قبل ظهر كلّ يوم، تظهر مقدّمة برنامج عن الطعام على إحدى الشاشات وتعلّمنا فنّ الطبخ الصحيّ في بثّ مباشر تجيب فيه على أسئلة المهتمّين. وفي الوقت نفسه، يتّصل أولادها بمطعم الوجبات السريعة ليؤمّن لهم طعام الغداء لأنّ والدتهم مشغولة بإرشادنا وتعليمنا.
الأعجوبة الخامسة: عدد المطربين والمطربات عندنا أكبر بما لا يقاس من عدد العلماء.
الأعجوبة السادسة: استطاعت مذيعة شابّة أن تحقّق ثروة طائلة من مجرّد العمل، بضمير مهنيّ وحرفيّة عالية، في الربط بين برامج التلفزيون.
الأعجوبة السابعة: ما زلت أكتب وأنا مقتنعة بأنّ الكتابة قد تغيّر أحدًا ما...هو أنا.

ثمّة عجائب لا تحصى ولا تعدّ، ولكنّنا نعتبر أنّ رقم سبعة برمزيّته ومعانيه كفيل باختصار العجائب الأخرى كلّها، بدءًا من اللحظة الأولى من تاريخ لبنان وحتّى كتابة هذه السطور...ونشرها.
لا شكّ في أنّ كلّ عربيّ سيجد عجائب مماثلة في بلده، وقد نتبارى في اختيار العجائب السبعة الأكثر تميّزًا وتعبيرًا عن قدرة الإنسان عندنا على "فعل العجايب"، وقد نتقاتل وقد تنشب الحروب بيننا، وعند ذلك سنكون قد أضفنا أعجوبة ثامنة لم يسبقنا أحد إليها.
*****
أحيانًا، تبدو الكتابة عن مآسينا مؤلمة أكثر من المآسي نفسها. فالكتابة ولو في سخرية سوداء عن واقعنا العربيّ تجعل الأمر حقيقيًّا، كأنّ الكتابة تضع الحدّ الفاصل بين الوهم والحقيقة، بين المتخيّل والواقع، كأنّ الكتابة تقول لك بجرأة من يملك المعلومات كلّها أنّ الكلمات على قسوتها أعجز من أن تنقل الإحباط كما هو، وأنّ الكلمات على لهجتها الهازئة أعجز من أن تعالج هذا الإحباط.
وهذه هي الإشكاليّة: فهل نستمرّ في الكتابة أم ستمرّ الكتابة مرور الكرام؟

هناك 3 تعليقات:

ياسين السويحة | Yassin Swehat يقول...

أحياناً نلتقي ببعض هؤلاء الذين يعتبرون أن الكلام -و الكتابة- الوطنية يجب أن تكون حكماً من صنف التغنّي بحب الوطن و الغزل به و جماليته, و كل ما خارجه ليس له صلة بالوطنية.. أخالفهم الرأي فأنا أرى نصّك هذا شاهداً واضحاً على حسّ وطني يأسف لمواطن الخطأ و يشير إليها.

بالنسبة للكتابة.. أعتقد أنها طوق نجاةٍ لكل هؤلاء الذين لا يجيدون العوم في بحار الكلمات الصامتة و المخنوقة.

تحياتي... و أعياد سعيدة !

ماري القصيفي يقول...

أشكرك ياسين على مرورك وتعليقك/ أتمنّى لك سنة جميلة تعيدك إلى الاستمتاع بالأعياد

جمال السيد يقول...

الأرقام "الكاملة" ذات الرمز والدلالة في الثقافة الإنسانية وفي الأديان الرئيسية هي : 3 و7 و10 و12 . ولكل رقم "أنصاره ومؤيدوه".. عساك تكوني قصدتيها يا ماري.

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.