Femme fleur, interprétation libre d'un tableau de Vurpillot |
(2009)
إذا استعدنا أشهر قصص الحبّ في التاريخ، وتذكّرنا ما رافقها من صعوبات، نجد أنّ الأهل هم السبب المباشر في المعاناة التي لحقت بطرفَي العلاقة، وحجّتهم الحرص على مصالح أولادهم، ما يجعلهم مقتنعين بأنّ وقوفهم في وجه هذه المشاعر هو التصرّف الأمثل.
وتتنوّع الحجج التي يقدّمها الأهل لتبرير مواقفهم المعارضة، فهناك الاختلاف الطبقيّ والعرقيّ كما في قصّة عنترة بن شدّاد وابنة عمّه عبلة، وهناك الخوف من نظرة المجتمع وكلام الناس كما في قصّة جميل بن معمر وبثينة، وهناك الصراعات العائلية كما في قصّة قيس بن الملوّح وليلى، وهناك الاختلاف الطائفيّ كما في روايات "ضحيّتان" لجورج مصروعة و"طواحين بيروت" لتوفيق يوسف عوّاد و"الحيّ اللاتينيّ" لسهيل ادريس، وكثير من الأمثلة التي لا تحصى في التاريخين العربيّ والعالميّ، وكلّها تبيّن أن لولا ممانعة الأهل لما كان عندنا قصّص حبّ خالدة.
تبيّن هذه النماذج أن ليس الحبّ هو ما جعل المأساة تنمو تدريجًا، وليس الحبّ هو ما أوصل الحبيبين إلى الجنون أو التشرّد أو الموت، بل مواقف الأهل التي مهما اختلفت تبقى موحّدة تحت عنوان المعارضة ومنع هذا الحبّ من تحقيق غايته في اللقاء والوصال. ولذلك تبدو الحجج التي يقدّمها الأهل بعيدة كلّ البعد عن المنطق والعدالة فضلاً عن أنّها تؤكّد أنّ ما يسعى إليه الأهل هو تحقيق غايتهم الشخصيّة بغضّ النظر عن مشاعر أولادهم، ما يؤكّد أنّ الأنانيّة هي المحرّك الأساس، غير أنّها تتنكّر بثوب الرغبة في ما هو أفضل للأبناء والبنات.
بعض ممانعات الأهل يقف خلفها خوف الأب على ابنته من حبيب يشبهه ويتصرّف مثلما فعل هو مع النساء، ولذلك فكثير من الآباء يقول حين يستبدّ به الانفعال: أنا رجل وأعرف ماذا يريد الرجال. أو قد يكون سبب الاعتراض خشية الأم من أن تقع ابنتها على حبيب يتصرّف معها بعد الزواج كما يتصرّف زوجها هي معها وأن تكون ابنتها عاجزة عن المواجهة مثلها. وهناك الرغبة في الإبقاء على الأولاد لأطول فترة ممكنة في البيت العائليّ، وهناك الشعور بأنّ على الأبناء أن يعيلوا أهلهم قبل أن يفكّروا في الزواج والارتباط ، وهنا أتذكّر حكاية شابّة جميلة ارتبطت بقصّة حبّ مع طبيب يعلّمها في الجامعة وقرّرا الزواج، وكانت حجّة والدها في الممانعة، أنّ عليها أن تعمل لتفيه كلفة ما دفعه عليها قبل أن تفكّر في الزواج.
إنّ التربية التي تنتقل ممارستها من جيل إلى جيل من دون مراجعة أو مساءلة أو نقد تضع في ذهن الأهل أنّ الأولاد استمرار لهم وبالتالي يستطيعون أن يتابعوا عبر حياة أبنائهم وبناتهم ما عجزوا هم عن تحقيقه، فالأب يريد أن يعمل ابنه في مهنة اختارها له وغالبًا ما تكون تتمّة لعمل متوارث في العائلة أو مرادفًا له، والأم تريد من ابنتها أن تتزوّج من الرجل الذي يشبه فتى أحلامها هي، وأيّ اعتراض على ذلك هو من العقوق ونكران الجميل.
تحضرني هنا خاطرة كان جدّي يردّدها حين يُسأل عن رأيه في موضوع ما: "اتعسوا برأيكم ولا تسعدوا برأيي"، أي أنّه لم يكن يعطي رأيه حتّى ولو كان في ذلك للآخرين سعادة (غير مضمونة على كلّ حال). وكنت أتساءل وأنا أسمع ذلك منه إن لم يكن الأمر تهرّبًا من المسؤوليّة أو جهلاً في ما يجب أن يقال، غير أنّني كنت ألاحظ أنّه قانع في دوره هذا، مكتف بأن يقول للناس، ومن بينهم أولاده: أنتم أحرار في الاختيار، وتحمّلوا وحدكم نتيجة خياراتكم.
أعتقد أنّه في ذلك كان يبحث عن حريّته.
هناك تعليق واحد:
أتفق تماماً مع الاعتقاد الأخير ...
تحية
إرسال تعليق