(إلى كثيرين طالبوني بالكتابة عن الأحياء لا الموتى)
الكتابة عن الراحلين رِحلة في عوالم داخليّة لا نطالها إن أردنا
الكتابة عن الأحياء!
الراحلون، صورُ الله وأمثلتُه الكثيرة، يصيرونه متى صاروا عنده.
يفهمون، ويعرفون، ويغفرون، ويحبّون، ويقرأون الأسطر وما بينها. ونصير نحن الذين
نكتب عنهم أقلامًا في أيديهم، ننقاد خلف نورٍ انبثق من موتهم ليقودنا إلى حياة لا
مكان فيها للعتب والزعل والمساءلة.
نحن لا نتعالى عن سيّئات موتانا كرَمًا منّا وفعلَ خير، ولا خبثًا أو
مسايرة، ولا لأنّنا أنقياء أبرياء، بل لأنّ الموت طهّرنا عنوة، ورفعنا بالرغم منّا
فوق اهتماماتنا اليوميّة العابرة. وموتًا بعد آخر، نُجبَر على النمو بالحكمة
والمحبّة. أمّا القدّيسون المختارون فأولئك الذين يختصرون الدرب، ومن الموت الأوّل
يفقهون ويتّعظون. وطوبى لمن كان منهم!
أمّا الكتابة عن الأحياء فطريق محفوف بأشواك الشكّ، ومزروع بألغام التوقّعات، ومرصوف بحجارة مسنونة من الاتّهامات، لا يمكن أن يعبرها إلّا من حصّن نفسه كما يجب ضدّ سوء الفهم والتأويل والتحليل... وفي أكثر الأحيان لا يرى الكاتب الحقيقيّ أنّه راغب في خوض معارك من هذا النوع، لا تقدّم ولا تؤخّر في تغيير علاقته بنفسه وبالعالم، فينصرف عنها إلى عالمه الخاص الصامت.
أمّا الكتابة عن الأحياء فطريق محفوف بأشواك الشكّ، ومزروع بألغام التوقّعات، ومرصوف بحجارة مسنونة من الاتّهامات، لا يمكن أن يعبرها إلّا من حصّن نفسه كما يجب ضدّ سوء الفهم والتأويل والتحليل... وفي أكثر الأحيان لا يرى الكاتب الحقيقيّ أنّه راغب في خوض معارك من هذا النوع، لا تقدّم ولا تؤخّر في تغيير علاقته بنفسه وبالعالم، فينصرف عنها إلى عالمه الخاص الصامت.
***
رحيل الناس في زمن موت الأوطان له شأن آخر... طقوسه مختصرة، إيقاعه
سريع، حزنه ممزوج بالخوف. كأنّ المطلوب منّا أن ندفن موتانا على عجل، لأنّنا لا
نعرف ماذا ينتظرنا، أو لأنّا نعرف أنّ الذي ينتظرنا غامض وخطير ومخيف إلى حدّ أنّه
يجعلنا نحسد الراحلين على رحيلهم محاطين بالأهل والزهر والصلاة...
***
تكثر الأسئلة في زمن الرحيل، قد تبدو أسئلة عن الموت والغموض الذي
يحيط به، لكنّنا على الأرجح نسأل عن الحياة نفسها، عمّا إذا كنّا عشنا وأَحببنا
وأُحببنا وحقّقنا أحلامنا. غير أنّ خوفنا من الأجوبة التي نعرفها ونخشى مواجهتها،
يحوّل الموت متَّهمًا أوّل مسؤولًا عن إخفاقاتنا وفشلنا.
***
المآتم مناسبات يجبر الناس أنفسهم على التواجد فيها، مهما بعدت
المسافات وكثرت ضغوط الحياة. كأنّهم يبحثون في احتفاليّة الموت عن نفحة حياة، تعيد
الأمل باللقاء. أو كأنّ الموت حجّة وحيدة نقدّمها لأنفسنا كي نترك كلّ شيء ونتبع
الراحل على درب رحيله، ونحن نفكّر في الحزن والفراق والشوق والغياب والنسيان. أو
كأنّنا نواجه الموت متعانقين لنقول له إنّنا متّحدون ضدّه.
هناك تعليق واحد:
هي خميرةُ العُمق الفلسفي الميتافيزيقي، في المقدمة. حوارٌ بين الذات والبعد الإلهي.
ومن ثمَّ القلق الوجودي في تبصّرٍ واعٍ ومقاربة ما بين الإنسان والوطن = الموت والحياة، ووجود الكاتب العاقل أمام مشهدية الوداع ... الموت وتطهير الذات
نُضجٌ خلاّق وإبداع
إرسال تعليق