السبت، 25 فبراير 2017

من نصّ "عبور الجسد" من كتابي رسائل العبور بترجمة الصديق روجر تقلا

الصديق روجر تقلا
يشاكسني في عيد ميلادي

مشيرًا إلى صاحب القميص الأزرق
شكرًا لك صديقي وزميلي

Had you perceived my body as a safe crossing above a roaring, deafening river, you would have reached to a heaven dotted prairie.
Had you regarded my body as a mysterious, magical pass, you could have reached the land of selfless giving and enjoyed the crossing. But you expected my body to be your hellish corpse and the redemption to your sexual fantasies and lustfull dreams.
You lost me.
You lost it.
In the crowd of consuming bodies, my body did not find a place of it's own. I hated it for it seemed incapable. I grudged because it looked foul.
The breasts and thighs and chests hemmed you in and nodded whorishly and screeched asserting their hunger and thirst - presenting themselves so that you quell your hunger and quench your thirst.
And as you surrendered to their hissing calls, my voice died out. In your chase after their battling flesh, you pushed me to the floor.
You were preying for sex. I was looking for love.
I wanted you to clasp my hand so that I can feel you, but you headed my hand to your body so that you can know you exist. I wanted your lips to press a kiss against my own and let the two be lost in merging transcendence, but I find them burrowing over my body speckled and tinted marks declaring your heroic crossing.
I wanted you to pierce me with the insanity of passion and the serenity of tenderness, but you penetrated as one late for a meeting would and left me as one that escapes an unwelcomed guest.
Marie Kossaifi رسائل عبور
Translated by Roger Takla


لو نظرت إلى جسدي كجسر آمن فوق نهر هادر لأمكنك أن تصل عبره إلى حدائقي الغنّاء.
لو نظرت إلى جسدي كمعبر سحريّ غامض لاستطعت، وأنت تستمتع بعبورك من خلاله، أن تصل إلى أرضي المعطاء.
لكنّك انتظرت من جسدي أن يكون آلتك الجهنميّة، وخلاصة أوهامك الجنسيّة وأحلامك الشبقة.
فخسرتني وخسرته!
في عجقة الأجساد المحيطة بك، لم يجد جسدي مكانًا له، فكرهته لأنّه بدا لي عاجزًا، وحقدت عليه لأنّه ظهر لي بشعًا.
كانت الأثداء والأفخاذ والبطون تحاصرك وتومئ إليك بعهر وتصرخ معلنة جوعها وعطشها، مقدمة نفسها لتسدّ جوعك وتروي عطشك.
وعند استسلامك لفحيح أصواتها غاب صوتي، وفي انجرافك وراء تدافع أعضائها وعناصرها أوقعتني أرضًا.
كنت تسعى إلى الجنس وكنت أسعى إلى الحبّ.
أردتُ أن تمسك بيدي لأشعر بوجودك، غير أنّك اقتدت يدي إلى جسدك لتشعر بوجودك.
أردتُ من شفتيك أن تطبعا قبلة على شفتيّ لا نميّز فيها بين أحدنا والآخر، فإذا بهما تحفران فوق جسدي بقعًا مختلفة الألوان وتعلنان مرورك البطوليّ.
أردتُ أن تدخل فيّ بقوّة العشق وهدوء الحنان، فإذا بك تقتحمني كمن تأخّر على موعد، وتغادرني كمن يتهرّب من ضيف ثقيل.
انتظرتَ منّي الكلمات التي تثير الشهوة، وتحرّك الغريزة، وتضعك على أهبة الفعل ... بلا خيال ولا حلم.
وانتظرتُ منك الكلمات الطالعة من عمق ذاكرتك، والممزوجة بدفق شهوتك والمملوءة بسحر اللحظة.
اكتفيتَ بلقاء جسدين، وكنت أريد، أريد فعلًا، أن يلتقي جسدانا ليلتقي كلّ ما فينا من ماضٍ وحاضر ومستقبل، ليلتقي عبرنا المكان بالزمان، الرجل بالمرأة، الأرض بالسماء، الواقع بالحلم.
كنت تأكل جسدي في سرعةِ من يتناول طعامًا خفيفًا بين اجتماعَي عمل، وكنت أريد أن ترى في جسدي وليمتك الاحتفاليّة التي جرى لها الإعداد لها بكياسة وذوق وترف.
حاولتُ أن أفهمك أنّ الجنس بلا خيال وعشق دعارة، فأخذت تحدّثني عن مشاكلي النفسيّة وعقد الطفولة.
سألتك لماذا تتشابه لقاءاتنا كما تتشابه نقاط المطر فوق رأس متسوّل لم يترك له الجوع وقتًا للشعر، فأدرت ظهرك لي ونمت.
أعلنت أمامك أنّني متشوّقة إلى الذهاب معك بعيدًا في احتفال الجسد وطقوسه وألعابه وخفاياه وسحره ورموزه، شرط أن تذهب معي بعيدًا في احتفال الروح وطقوسها وألعابها وخفاياها وسحرها ورموزها. غير أنّك كنت مصابًا بعجز روحيّ مزمن لا ترضى بالاعتراف به.
أيّها الرجل الباحث عن امرأة جريئة تمارس معها الجنس، ما أسهل خلع الملابس عن الجسد أمام من لا يجرؤ على الحديث عن مكنونات النفس!

السبت، 18 فبراير 2017

لغتنا المائيّة ( النصّ التاسع عشر من كتابي أحببتك فصرت الرسولة)



يعود كلّ الذين رحلوا حين ألتقي بك/ يأتون من أماكنهم الباردة/ يتركون زواياهم المعتمة ويجتمعون حولنا/ يعودون إلى الحياة لحظة تلتقي شفاهنا/ ويتعانق جسدانا/ وتمتزج رغباتنا/ فتتلوّن أرواحهم التي كانت باهتة بألف لون ولون/ ويشرق مجدهم من جديد.
يتوقّف العابرون عن العبور حين نلتقي/ يجمدون في أماكنهم ويرغبون في التشبّث بمكان أو أحد أو شيء/ ينظرون إلينا ونحن متعانقان/ ويفكّرون في أنّ العبور إن استمرّ عبورًا/ ضياع وشتات وامّحاء في أصقاع الأرض.
يأتيني صوتك من مكان بعيد/ ليقول لي أنّ ما كتبته حتّى الآن لم يكن لرجل متخيَّل/ وأنّ ما حلمت به في لياليّ القلقة كان رسائل منك/ وأنّ ما سأكتبه بعد اليوم سيكون أجمل بما لا يقاس ممّا كتبه الشعراء في تاريخ البشريّة.
وحين يلتقي صوتانا بعد لهفة وشوق تسكت الأصوات كلّها/ وتهدأ الحركة في الأرض/ ويصغي الكون إلينا/ ويتعلّم الجميع لغتنا التي اخترعناها.
هي ليست من حروف وكلمات/ لغتنا/ ولا من إشارات ورموز/ ولا من آهات وتنهّدات/ بل من مياه/ لغة مائيّة لم تخطر على بال أحد قبلنا/ ولم ينطق بها لسان قبل لسانينا/ ولم تدوَّن بها قبل قصّتنا أيّ قصّة حبّ.
يصغي الكون إلى لغتنا ولا يفهم منها شيئًا/ لكنّه يقع تحت سحرها/ ويرقص على إيقاعها/ ثمّ يغفو كطفل تعب من اللعب.
يعود الراحلون حين نلتقي/ يرجع الأزواج إلى منازلهم ليرتاحوا/ يحضن الآباء أولادهم ليستمدّوا قوّة الاستمرار/ ينام العاشق في حضن حبيبته/ وهو يحلم بغدٍ وعائلة وحياة لا موت فيها.
يعود الغائبون حين نلتقي/ يعودون من غيابهم إلى حضورنا/ يرجع الشبّان الذين ماتوا/ تضحك العجائز في منازل خالية إلّا من البرد/ تبرأ الجراح في الأجساد المتألّمة/ تستيقظ ذكريات كانت نائمة بين الكتب والأعمار/ وأخاديدِ السنين المحفورة على اليدين والوجه.
يعود التائهون حين نلتقي/ يعودون من عهود التيه إلى لحظة لقائنا/ تجمد اليد التي تمتدّ لتصفع/ يهدأ الغضب في النفوس القلقة/ يشعر الأسرى بنسمة حريّة/ ويتحوّل بكاء الأطفال ضحكًا تفهمه كلّ الشعوب.

يعود الذين رحلوا حين نلتقي/ ينظرون إلينا ونحن متعانقان/ ويطمئنّون إلى أنّ الحياة لا تزال تسري/ في عروق الأرض والأشجار والأنهار/ وحين يعودون إلى غيابهم الذي لا بدّ منه/ يحملون معهم زادًا من الحبّ/ يجعل أيّامهم حيث هي تفيض لبنًا وعسلًا/ وابتساماتٍ تجرح القلب لشدّة عذوبتها.

الأحد، 12 فبراير 2017

أحببتك فصرت الرسولة (النصّ السابع من كتابي أحببتك فصرت الرسولة)



اللوحة للفنّان الأرمنيّ اللبنانيّ زوهراب
Zohrab Keshishian

أصعب ما واجهني في حبّك هو أن أعرف أنّني أحبُّك
ثمّ أن أعترف بهذا الحبّ 
فالمعرفة مسؤوليّة
والاعتراف حملُ المسؤوليّة
وأنا حين اكتشفت أنّني أحبّك اكتشفت سبب وجودي
وصرت الرسولةَ حاملةَ الطيب
وصار حبّك التزامي الذي لا يُلزمني بشيء
بل يَلزمني كي أصير أجمل
ويلازمني كي أتذكّر الفرق بين أن أعيش وأن أحيا
***
حين أحببتك صرت أعرف أكثر
وأبحث أكثر
وأواجه أكثر
وصرت أنطلق من حضنك نسيمًا
ومن عقلك عاصفةً
ومن خيالك حلمًا
وحين كنت أبحث عن طريق العودة إليك لم أكن أخشى أن أضيع
فمعرفةُ أنّك ستجدني أينما كنت كانت تطمئنني
وتسمح لي باللهو أكثر
والمغامرةِ أكثر
كطفلة لا تريد التوقّف عن العبَث في أغراض الكون
وهي مطمئنّة اطمئنانَ الجاهل لجهله إلى أنّ الكون كلَّه يبارك لهوَها
***
أتقدّم في العمر على درب لقائنا ولا أخشى العتمة
أفرح بتجعيدة جديدة في عنقي
لأنّني أعرف أنّ شفتيك ستلاحقان تعرّجاتها
وتزرعان عند منحنيات دربها قبلاتٍ دافئة
تنمو وتمتدّ جذورها في شراييني
وتعربش أغصانها الطريّة نحو شمس
تشرق من عينيّ اللتين لا تغيبان
إلّا عند بحر عينيك
***
أغرق أصابعي في ليل شعري
وأنا غارقة في التفكير فيك
فتتصل أصابعي بيدك وتتحرّك طوعًا لك
وتأتمر بأمر رغبتك وعشقك واشتياقك
وأشعر بأنفاسك الحارّة تتلاحق فوق أفكاري المحمومة المنصهرة في فكرة واحدة هي أنت
آه يا أنت!

يا فكرتي التي أنجبَها رأسي
وهدهدتها أحشائي الراقصة فرحًا بك
يا عالمي الجميل الأنيق الهادئ الآمن الواثق
يا أيقونتي العتيقة المختزلة فنونَ العالم والمختزنةَ أسرارَ الخلود
يا حنانًا يعرف
ومعرفةً تحبّ
ومحبّةً تحمي
وحمايةً لا تأسر أو تقيّد أو تكبّل
***
عندما أتخيّلنا معًا
أراك ساهرًا تراقب نومي
تنحني فوق وجهي
ترفع خصلةً عن جبيني
وتطبع قبلة ناعمة
وأجد نفسي منسابةً في حضنك
وأنا في عزّ نومي
وسكينة لا كلمات تصفها تحيط بي
***
ومرّات أتخيّلك منكبًّا على عملك
منصرفًا إلى البحث والكتابة
أتظاهر بأننّي مأخوذة بقراءة كتاب
في وقت أراقبك فيه
وأخطّط كيف سأتسلّل خلفك
لأطوّق عنقك بساعديّ
وأضع شفتيّ عند ملتقى رغبات جسمك ومشاريع رأسك
قبل أن تحيطني بذراعيك
وتجلسني في حضنك
وتتركني أتأمّل عينيك الباسمتين
***
لماذا أنت من أكتب إليه هذا الكلام؟
لماذا أنت البعيد أشعر بك قريبًا؟
وكيف أجرؤ على الاعتراف أمامك بما يدور في رأسي
وبما يتحرّك في جسمي بلا خجل ولا وجل؟
هل هكذا يفعل عاشقان في مثل عمرنا؟
هل يعودان مراهقين
يحلمان ويخطّطان ويتشيطنان
وهما يسرقان كلّ لحظة لتبادل قبلة توصلهما إلى أقرب مكان
يمارسان فيه حبًّا ينتظر في أقبية الشوق منذ أعمار وأعمار؟
***
تدمع عيناك في هذه اللحظة
فيسبح وجهي في فيض عاطفتك
تضطرب روحك القلقة وترغب في احتضاني لحمايتي من كلّ أذى
ترتعش يدك الممتدّة نحوي كأنّها تخشى ألّا تلاقيَها يدي
أنا فيك، ألا تثق بذلك؟ ألا تؤمن به؟
ألا تشعر بي جزءًا منك كُوّن لحظة كوّنت ورافقك من حياة إلى حياة
ولن يفنى ما دام يحيا فيك ويتجدّد بك؟
***
خبّرني وأنت العارف العالم الشاعر
كيف يمكن حبًّا أن يكون صليبًا وخلاصًا
أن يكون موتًا وقيامة
أن يكون ماء ونارًا؟
أخبرني حكايتنا
ودعني أغفو في هدأة الليل على مخدّة كلماتك عنّا
لأنْ لا أحد سواك يعرف كيف يحكي
وكيف يعشق
وكيف يسكّن عواصفَ الأيّام
فلا تصمت يا من احتفظت لي بكلّ الكلمات التي لم تقلْها بعد

السبت، 11 فبراير 2017

لا أجد الكلمات ( النص الثالث والعشرون من كتابي أحببتك فصرت الرسولة)


الكلمات ليست عاجزة، لكنّه اشتياقي الذي تخطّاها. هو الشوق الذي يفوق وجع الجسد، هي الرغبة التي يحكمها الانتظار، هو الحبّ الذي قادني إليك من دون أن يقيّدني. الكلمات ليست عاجزة. أنا العاجزة عن إيجادها في غمرة حاجتي إلى الاستسلام إلى أمان ما نحن فيه، وفي خضمّ ترتيب عواطفي التي شتّتها التطلّع لرؤيتك واصلًا ما بين غيابك والحضور. والجسد ليس عاجزًا، لكنّه الحبّ الذي يفوق قدرة الجسد، أيّ جسد، على الاحتمال. لعلّ القدّيسين والنسّاك فهموا ذلك أكثر من المنغمسين في الشهوات والرغبات، فحوّلوا عشقهم إلى حيث يجدون من يساعدهم على احتماله، وإلّا راح العاشق والمعشوق ضحيّتَي ما يشعران به.
الحبّ شأن إلهيّ، لا يحتمل كثافته ورقّته سوى إله لا يُعجزه جسد أو يسربله زمن. نحن ندّعي الحبّ، نمثّل أدوار العشق. فما من إنسان قادر على حمل صليب الحبّ، أو احتمال توقه إلى الحبيب، إلّا متى توقّف كلاهما عن الحلم بالمستحيل، وهو أن يصير الواحد منهما هو الآخر وأن يبقى هو.
***
لماذا أكتب هذا الكلام، وأنا حين أرى إلى غصن من غصون الياسمينة يلتفّ حول جذع شجرة الرمّان أرى ذاتي ملتفّة حول ذاتك؟ لماذا أفقد ثقتي فجأة في ما نملكه، وفي ما نحن فيه، كأنّني أدرك من دون تخطيط مسبق أنّ حبًّا متكاملًا كهذا الذي نختبره لا يحتمله كائنان هشّان مثلنا، يعرفان أنّ العبور لا بدّ منه، وأنّ البشريّة تنوء بآلام لا علاج لها، وأنّ الزمن ليس زمنهما.
غيابك المفروض يعيد عقارب الوقت إلى أوكارها، لتلسع نفسها انتقامًا من انتظار لم تختره. غيابك المفروض يهدّدني باحتمال تفتّتٍ، كنتُ فيه قبل أن تجمع أجزائي التي تشظّت من الخيبة. فنحن، يا صديقي المعجون بمياه العمر وخميرة الخيبة، محكومان بهموم سوانا، ومشغولان بآلام غيرنا، ومنهمكان في البحث عن عشبة الحياة، يشرب خلاصَتها كلُّ الآخرين، إلّانا. ومع ذلك، مع كلّ هذا الحبّ الموجع، نعرف أنّ ما نحن فيه ليس لعنة أنزلها بنا إله غاضب أو حاسد، بل جريمة اقترفناها، عن سابق تصوّر وتصميم، في حقّ الوحدة والعمر والمسافة، ونعرف عقوبتها.
***
لا أجد الكلمات. عيناي اللتان تبحثان عن وجهك أضاعتا رغبتهما في معانقة الصفحات، والتمدّد فوق الأسطر، والتمرّغ في الأحرف. صار التوق إليك لغتي الجديدة التي لا ترجمة لها سوى اللقاء، اللقاء الذي لا يكتفي ولا يشبع ولا يرتوي إلّا ليكتشف متعة الطلب والجوع والعطش، من جديد، كلّ مرة من جديد، كلّ مرّة المرّةُ الأولى، كلّ مرّة اللهفةُ الأولى، والشهقةُ الأولى، والدمعة الأولى يذرفها الجسد ولا يخجل.
***
لا أجد الكلمات. عيناي اللتان تنتظران عينيك أرهقهما التطلّع إليك آتيًا بلا موعد، سحابةً فوق صحراء، زهرة ربيع في تشرين، هديّة بلا مناسبة أو عيد. عيناي هاتان ما عادتا تريدان البحث عنك في الكتب والمعاجم، والكتابة إليك عنك، ولا أن تفتّشا عنك في البحر والسماء والغيوم والنجوم، هما تريدانك رجلًا من وجع وشوق ورغبة وغضب وضحك وبكاء، تريدان شفتيك تطبعان قبلة فوق الجفنين التعبين، ولن يكون فراق، لأنّك هو، لأنّك أنت، لأنّنا انتظرنا، لأنّنا حين ننظر نرى، وحين نسمع نصغي، ولأنّنا لا نملك سوى أسئلة، نعرف أن لا أجوبة عليها، ومع ذلك فهي ثروتنا التي لا يعرف مقدارها أحد، ولا يعرف قيمتها أحد.
***

إبتسم أرجوك، واترك لعينيّ اللتين أتعبهما التفتيش عن الكلمات أن تغفوا في حضن ابتسامتك، وتحلما بلغة جديدة لا ترجمة لها سوى اللقاء.

الخميس، 9 فبراير 2017

عبور الجسد – 1 (الجزء الأوّل من النصّ التاسع والأربعين من كتابي رسائل العبور - 2005)





لو نظرت إلى جسدي كجسر آمن فوق نهر هادر لأمكنك أن تصل عبره إلى حدائقي الغنّاء.
لو نظرت إلى جسدي كمعبر سحريّ غامض لاستطعت، وأنت تستمتع بعبورك من خلاله، أن تصل إلى أرضي المعطاء.
لكنّك انتظرت من جسدي أن يكون آلتك الجهنميّة، وخلاصة أوهامك الجنسيّة وأحلامك الشبقة.
فخسرتني وخسرته!
في عجقة الأجساد المحيطة بك، لم يجد جسدي مكانًا له، فكرهته لأنّه بدا لي عاجزًا، وحقدت عليه لأنّه ظهر لي بشعًا.
كانت الأثداء والأفخاذ والبطون تحاصرك وتومئ إليك بعهر وتصرخ معلنة جوعها وعطشها، مقدمة نفسها لتسدّ جوعك وتروي عطشك.
وعند استسلامك لفحيح أصواتها غاب صوتي، وفي انجرافك وراء تدافع أعضائها وعناصرها أوقعتني أرضًا.
كنت تسعى إلى الجنس وكنت أسعى إلى الحبّ.
أردتُ أن تمسك بيدي لأشعر بوجودك، غير أنّك اقتدت يدي إلى جسدك لتشعر بوجودك.
أردتُ من شفتيك أن تطبعا قبلة على شفتيّ لا نميّز فيها بين أحدنا والآخر، فإذا بهما تحفران فوق جسدي بقعًا مختلفة الألوان وتعلنان مرورك البطوليّ.
أردتُ أن تدخل فيّ بقوّة العشق وهدوء الحنان، فإذا بك تقتحمني كمن تأخّر على موعد، وتغادرني كمن يتهرّب من ضيف ثقيل.
انتظرتَ منّي الكلمات التي تثير الشهوة، وتحرّك الغريزة، وتضعك على أهبة الفعل ... بلا خيال ولا حلم.
وانتظرتُ منك الكلمات الطالعة من عمق ذاكرتك، والممزوجة بدفق شهوتك والمملوءة بسحر اللحظة.
اكتفيتَ بلقاء جسدين، وكنت أريد، أريد فعلًا، أن يلتقي جسدانا ليلتقي كلّ ما فينا من ماضٍ وحاضر ومستقبل، ليلتقي عبرنا المكان بالزمان، الرجل بالمرأة، الأرض بالسماء، الواقع بالحلم.
كنت تأكل جسدي في سرعةِ من يتناول طعامًا خفيفًا بين اجتماعَي عمل، وكنت أريد أن ترى في جسدي وليمتك الاحتفاليّة التي جرى لها الإعداد لها بكياسة وذوق وترف.
حاولتُ أن أفهمك أنّ الجنس بلا خيال وعشق دعارة، فأخذت تحدّثني عن مشاكلي النفسيّة وعقد الطفولة.
سألتك لماذا تتشابه لقاءاتنا كما تتشابه نقاط المطر فوق رأس متسوّل لم يترك له الجوع وقتًا للشعر، فأدرت ظهرك لي ونمت.
أعلنت أمامك أنّني متشوّقة إلى الذهاب معك بعيدًا في احتفال الجسد وطقوسه وألعابه وخفاياه وسحره ورموزه، شرط أن تذهب معي بعيدًا في احتفال الروح وطقوسها وألعابها وخفاياها وسحرها ورموزها. غير أنّك كنت مصابًا بعجز روحيّ مزمن لا ترضى بالاعتراف به.
أيّها الرجل الباحث عن امرأة جريئة تمارس معها الجنس، ما أسهل خلع الملابس عن الجسد أمام من لا يجرؤ على الحديث عن مكنونات النفس!

عبور الجسد -2 (الجزء الثاني من النصّ التاسع والأربعين من كتابي رسائل العبور - 2005)


William Claxton

تحدّثني عن الجنس وأنت تقصد المضاجعة أو المجامعة.
لأنّ الجنس لقاء لا تعرفه لأنّك لا تعرف الآخر.
المضاجعة تمرين، رياضة، إفراغ لاحتقان، تخلّص من قلق، أمّا الجنس الذي لا تعرفه فمغامرة واكتشاف وامتلاء وخيال وتبادل أدوار.
في المضاجعة مُطالِب ومطالَب، وفي الجنس تُعطى قبل أن تطلب، وتعطي قبل أن تسأل.
في المضاجعة مقايضة، وفي الجنس مشاركة.
لا تحتاج المضاجعة إلى سحر ولا إلى غموض ولا إلى كلام، ولا إلى همس، ولا إلى تحدٍّ. أمّا الجنس، وجه الحبّ الآخر، فلا يكون إلّا حيث يكون إبداع وشعر وحريّة.
ولا تحتاج المضاجعة إلى حواسك مجتمعة في لحظة واحدة ولا تتطلّب ولا تعترض، أمّا الجنس، مغامرة الإنسان اللامحدودة، فانتقائيّ، مرفّه، صاحب ذوق ومزاج، لا يتنازل عن كبريائه، ولا يقبل بالمتاح الموجود، ولا يساوم على مستواه.
المضاجعة لا تفرض عليك إلّا جهدًا جسديًّا عابرًا وآنيًّا لا يدوم إلّا دقائق. أمّا الجنس/ مرآة العشق ومحيطه الهادر، فيهزّ كيانك كلّه، منذ لحظة التفكير فيه، إلى الاستعداد له، إلى الانصراف إليه، إلى الاستسلام لأهوائه ورغباته، إلى الوصول إلى عوالمه الداخليّة، ولن أقول الانتهاء منه، لأنّه يسكنك ولا يغادرك.
المضاجعة تسيطر عليك وتفرض مواعيدها وقوانينها، في حين يحرّر الجنس روحك من قيودها ويسير معك في دروب الحياة غير المطروقة، ويرافقك إلى قمم الاكتشاف التي لم يصل إليها أحد قبلك، ويطلق جناحيك لتحلّق فوق الرغبات الصغيرة العابرة.
في المضاجعة أنتَ مع امرأة، وفي الجنس أنتَ مع المرأة.
في المضاجعة غربة ومسافة وحدود، وفي الجنس صداقة وعِشرة وانفتاح.
في المضاجعة الشخص الآخر محطّة أو وسيلة سفر، وفي الجنس الشخص الآخر غاية وصولك ورفيق الطريق.
في المضاجعة رائحة، وفي الجنس عطر.
في المضاجعة نظر، وفي الجنس رؤيا.
في المضاجعة أنت كائن والآخر كائن، وفي الجنس أنت ملاك وشيطان، والآخر ملاك وشيطان.
تحدّثني يا صديقي عن الجنس وأنت تقصد المضاجعة، وأحدّثك عن الجنس وأنا أقصد الحبّ.
وكم تبدو الكلمات عاجزة، وكم نبدو على طرفَي نقيض، "نتعايش" في علاقة لا اسم لها، ولا غد، ولا لغة.

الأربعاء، 8 فبراير 2017

رسالة إلى مار مارون عن الاستشفاء (من سلسلة الموارنة مرّوا من هنا)


كم كلفة الوقت وهن ينتظرن الموت في المستشفى؟ ومن يمكن له أن يسدّده؟

    تخيّل يا أبانا مارون أن يأتي يوم لا يذهب فيه المرضى إلى أضرحة القدّيسين ومقامات الأولياء الصالحين، وحين يتساءل أهل السماء عن عزوف المتألّمين عن الحجّ إلى مزارات ومعابد تحمل أسماء من أفنوا العمر في الصوم والصلاة، يأتي الجواب صوتًا هاتفًا من قلب الله: صار الأطبّاء قدّيسين، والممرّضون شفعاء، وما عاد المريض في حاجة إليكم يا أهل السماء لأنّ الأرض صارت هي السماء، فيها من يستبق المرض، ويخفّف الوجع، ويداوي العلّة، ويبلسم الجراح، ويمسك يد المتألّم بمحبّة لا بشفقة، وبدافع الرسالة لا بحكم الوظيفة!
     تخيّل يا صديقي الناسك أن يحصل ذلك فلا يقضي مريض على باب مشفى، ولا يحتضر آخر في وحدة وخوف، ولا يضيع ثالث في متاهة التجارة بالدواء والعلاج وزواريب المستشفيات المعقّمة من الحبّ والملوّثة بالجهل، والموزّعة طبقات اجتماعيّة!
     تخيّل أنّ المستشفيات والمختبرات الطبيّة وشركات التأمين تعمل بشفافيّة، فتقول للناس: هذا ما أخذته منكم وهذا ما أعطيكم إيّاه. هذا واجبي وهذا حقّكم، هذه رسالتي وهذه حياتكم، وها نحن كسمعان القيرواني سنساعدكم في حمل صلبانكم!
     ولكن كيف لك أن تتخيّل ذلك في حين تزكم أنفَك روائحُ كريهة منبعثة من دور العجزة العاجزة عن تأمين أبسط شروط النظافة، ويجرّح أذنيك أنين مرضى لا يملكون ثمن دواء في مجتمع طائفيّ ترمي فيه الطائفة ثقل أتباعها على دولة غيّبها وجودهم، وتناتشها جشعهم؟
     رؤساء طائفتك يا مارون يصحّ فيهم القول: أيّها الطبيب طبّب نفسك! يريدون معالجة شؤون المنطقة وهم عاجزون عن تسيير أمور الرعيّة، يطمحون إلى حلّ مشاكل الدولة وهم منقسمون بين زعماء الدولة، يسعون إلى لعب دور على مسرح العالم السياسيّ، وهم غير قادرين على مأسسة كنيستهم التي تميل أهواء إدارتها مع ميول القيّمين على ممتلكاتها وأموالها! ممتلكات وأموال صارت إلهًا آخر أعظم من إلهك وأكبر من مسيحك!

     وفي انتظار أن تصير مستشفياتنا هي مقصد المرضى وقبلة آمالهم لمعالجة آلامهم بكلفة أقلّ وجعًا من المرض نفسه، صلِّ لأجلنا يا مارون كي نحقّق إنسانيّتنا، فمن الواضح أنّ الطريق إلى الألوهة لا يزال طويلًا!!! 

الجمعة، 3 فبراير 2017

أنت توهّج شغفي (من كتابي أحببتك فصرت الرسولة)



أنت تخيفني
 كما تخيف الولادةُ الجنينَ الذي لا يعلم أنّه مقبل إلى الحياة
فيقاوم اليد التي تمتدّ لتخرجه من عتمة المياه إلى الهواء والضوء
أنت بهدوئك تشكّل خطرًا على عصبيّتي
ومزاجيّتي
وتقلّباتِ الطقس في سماء حياتي
فأحاول
-وأنا أكذب على نفسي-  
أن أهرب منك
خشية أن تروّض ثورتي
وتقلّم أغصاني المجنونة
***
أنت بما في عقلك تهدّد اطمئناني إلى ما في عقلي
فأتحدّاك وأتحدّى نفسي
لأستحقَّ أن أدعى لك شريكةً في جوهرك
أنت بعاطفتك الرصينة تحيط عاطفتي الهوجاء
وتمنعها من ممارسة جنون عصفِها
أنت بحسّك المرهف تشذّب أشواك كلماتي
وتطلقها فراشاتٍ ملوّنة في عالمٍ
النورُ فيه يُشعّ ولا يحرق
آه! يا أنت!
كيف تستطيع أن تنقض منطق الجغرافيا والتاريخ
وتكون قريبًا إلى هذا الحدّ
وأنت في أرضٍ لا أعرفها ولا تعرفني
وحاضرًا إلى درجة لا تصدّقُ
وأنت كنت في ماضي أحلامي عن مستقبل أيّامي؟
***
تندهني عيناك إلى بحيرات حنان لا حدود لها
فأخلع عنّي تعبَ الأيّام
وأرتمي فيها عاريةً  كما خلقتني يا حبّ
وهناك في عينيك
لا وحش غريبًا تحكي عنه الأساطير
ولا عمق مخيفًا لا يُسبر غوره
ولا بقايا مراكبَ شلّعتها الرياح
هناك في عينيك مياه ساكنة حالمة أليفة
كمياه الرحم لجنين لا يريد أن يخسر الأمان والسكينة
***
أعيد اكتشاف جسمك كأني ألتقي به للمرة الأولى
أتحسّس كلّ جزء فيه بأناملي وشفتيّ
وأسكر بعطر اللذّة التي تفوح من خلاياه
فيصير جسمك آلتي الموسيقيّة
ألاعب أوتارَه المشدودة
أو
كتابي المفتوح
أقرأُ فوق سطوره كلماتِ اشتياقك إليّ
أو
ورقتي البيضاء التي أكتب فوقها بحبر عينيّ عن رغبتي فيك
أو
يصير جسمك بساطي السحريّ الذي ينقلني من عالم إلى عالم ومن سماء إلى سماء
وأنا آمنة مطمئنّة سعيدة فرحة محلّقة
لا أرتبط بالأرض ولا أتيه في الفضاء
***
في خضمّ الصراعات والتهديدات
وأمام الموت الذي يهجم جوًّا
أو ينبثق من البحر مفترسًا
أو شاقًا باطنَ الأرض مزلزلاً
يأتيني صوتُك الهادئ
كأنّك تكلّمني من عالم آخر
لا صراع فيه ولا تهديد ولا موت
تصل إليّ نبراتُ صوتك
فتصلني بمكان ليس فيه إلّا الجمال والترفّعُ والسموّ
وتمتدُّ كلماتك دربًا ريفيًّا أخضر
أسير فوق عشبه حافيةً
لأصير عند بابك، المفتوحِ في انتظاري، زهرةً بريّة بيضاء
تُغرق وجهَك في فوح عطرها الربيعيّ
*** 
أقاوم بوجودك غياب الآخرين
وبذكائك غباءهم
وبحبّك حقدهم
أتسلّح بك فكرة وعاطفة
صورة ولحنًا
وأواجه معك الجهل والكسل والجبن
ولا أريد منك شيئًا لأني أريدك كلّك
ولا أطلب منك شيئًا
لأنّني أطلبك في كلّ الأشياء
وفي كلّ المخلوقات وكلّ الناس
ولا أطالبك بشيء
لأنّك أعطيتني ما أريد
***
كيف صرت تعرف ما تعرفه؟
من علّمك أن تكون رجلاً في زمنٍ عزّت فيه الرجولة
وأن تكون قادرًا في عصور العجز
وأن تكون الحنان الذي لم تمتلكه امرأة؟
أيّة آلام تلك التي صهرتْ روحَك
وصقلت طبيعتك
وجعلتك ما أنت عليه؟
لا تملك شيئًا ولا تريد أن يمتلكك أحد
تمضي كأنّ عبورَك مخطّطٌ له منذ الأزل
وترحل غيرَ آسف إلّا على أنّك لم تحبَّ أكثر
وهل يستطيع جسمك المرهق أن يحبّ أكثر من ذلك؟
***
من علّمك أن تعشق الجمال
وأن تحترم الكائنات
وأن تبحث عن المعرفة في أصعب الأمكنة
وألّا تضجر منّي؟
هل ترى إلى نفسك وأنت تولد من ذاتك متجدّدًا كلّ مرّة
رائعًا كلّ مرّة
عارفًا
شاعرًا
عالمـًا
عاشقًا؟
أنت يا من قلت عن نفسك أنّك لا شيء ولا أحد
أنت المنسحب إلى ما خلف واجهات الأضواء المخادعة
المطمئنّ إلى سكينة نفسك
أُعلن استمراري في عشقك
وموافقتي على الانتماء معك إلى عالم سويّ
بنيناه على قياس ما نريده لهذا العالم
وهل نريد لهذا العالم إلّا أن يعرف الشغف الذي نحن فيه؟

الخميس، 2 فبراير 2017

رغبتي فيك تسألني عنك (من كتابي أحببتك فصرت الرسولة)



Chabas

ماذا أقول لرغبتي فيك حين تسألني عنك؟
وهي دائمةُ السؤال
كيف أشبع فضولَها
وأطفئ حاجتَها إلى معرفة أخبارك
على الأقلّ معرفة أخبارك
(أيّ حجّة)؟
بمَ ألهيها حين تثور فيّ وتتّهمني بالجبن والخجل والتردّد؟
رغبتي التي تعرفني منذ الطفولة
وأعرفها منذ اكتشفتُ وجودَها
قالت لي بالحرف الواحد:
ابحثي عنه
اهرعي إليه
ارتمي بين ذراعيه
وتوقّفي عن هذا الانتظار الأبله الذي لا يليق بك
لم أجبها
سكتّ لأترك لها حريّة الكلام
لعلّها تتابع أفعالَ أوامرها وتفضح ما أحلم به
ما أريد أن أفعله
ما أرغب مثلها في أن أفعلَه ولا أفعلُه ولا أترك لها الحريّة لتفعله
***
هذا الفعل/ هذا الانفعال/ هذا الاشتعال
هذا التوق للانصهار
هذه الرغبة المغرمة بعطشها وجوعها وحاجتها
كأنّها تخشى الامتلاء والاكتفاء فالانزواء
هذه الشهوة المقدّسة الشيطانة
التي تريد أن تريد
التي يعجبها أن تشتهي
التي يشعلها أن تُشتهى
التي تؤجّجها خشيتُها الانطفاء
التي ترتجف حين تصل
التي تحرق لحظة تحترق
التي تسيل لحظة تعطش
التي تغتسل بالضوء
التي تختبئ في العتمة
هذه الشهوة
هذه الرغبة
هذا التوق
هذا الاشتعال/ هذا الانفعال/ هذا الفعل
***
أحاول أن ألهي رغبتي فيك بالكتابة عنها
برسمها على جدران غرفتي
على شرشف السرير
بتطريز اسمِها على الوسادة
بعزفِها على أوتار جسدي المشدودة
بنحتِها فوق صفحة الدفتر
غير أنّها ترفض
ترفض أن تصير قصيدة أو لوحة أو معزوفة أو كلمة
تريد أن تصير أنت
أن تلتحم بك
أن تلتصق بجلدك
أخدعها بالكتابة عنك
برسم أحرف اسمك على قميص نومي
برسم شاربين كبيرين فوق فمِك على صورتك في ذاكرة اللابتوب
بتلوين شفتيك بالأحمر كأنّني قبّلتك للتوّ
أنفعل
أدلق الألوان على ثيابك
أضع على رأسك قبّعةً سخيفة
وحين تسألني الآلة إن كنت أريد حفظ التعديلات
أصمت/ أفكر/ أشعر
أغضب من رغبتي التي تسخر من تصرّفاتي الطفلة
أكره حبّي لك
وأبقي وجهك لي
كما كان
قبل نوبة التوق إليك
***
رغبتي امرأة تعرف ماذا تريد
عنيدة/ وقحة/ شرسة/ نهمة
يقيم الشغف في مسامها
وينبت العشق بين رموشها
رغبتي زهرة بريّة لا تطيق الأسر
فتاة مشاكسة لا ترتّب سرير عشقها
تغيّبت عن دروس التهذيب واللياقة الاجتماعيّة فلم تحفظ منها شيئًا
وتثاءبت وهي تستمع إلى عظات الكاهن
فطار خيالُها خلف حكاية ما كان يجب أن تقرأها في طفولتها
وحين حذّر المحترم المحروم من الحبّ
أطلقت ضحكةً مدويّة
فخجلت أمّها
***
تلحّ رغبتي في السؤال
تطالبني بحقوقها
تذكّرني بشرعة حقوق العشّاق
توبّخني على التأجيل
تستفزّ عاطفتي التي أهرقتُها طيبًا عند أقدام مسحاءَ دجّالين منسوخين ممسوخين
تستثير شجاعتي المركونة في زاوية العمر
أثور عليها
أتّهمها بالعهر فتوافقني الرأي مبتسمةً كأنّني أمدحها
أخبرها كم أخجل بها فتضحك كأنّها لا تصدّقني
أهدّدها بإطفاء نارها إلى الأبد
فتلتفت إلى حيث أوراقي وأقلامي كأنّها تذكّرني بأنّ خلف كلِّ نصّ رغبة
أهرب منها فأشعر بالخواء والهشاشة والهباء
وأعود إليها لأسألها المغفرة على كفري بنعمة عطائها
***
رغبتي فيك تسألني عنك
تنتفض في شراييني ملهوفة
تطير من قفص صدري لتحطّ في عشّ يديك
فلا تجدك
هل أقول لها إنّك لست هنا؟
إنّك لن تأتي مع العيد لتكون العيد
إنّك مشغول
إنّك في مطار غريب تنتظر طائرةً غريبة
إنّك نسيت أمرها
إنّك تخاف منها متى خطرت لك
وإنّك تهرب من مسؤوليتك عن صيرورتها كائنًا مستقلاًّ واعيًا عارفًا عاشقًا شاعرًا مريدًا مستعدًّا واعدًا موعودًا
قل لي ماذا أقول للرغبة التي تكوّنت منّي ومنك؟
هل أواجهها بحقيقةِ أنّها سبب اختفائك
ولأنّ ما من رجل عاقل يرضى بجرعة زائدة من العشق الممزوج بالشعر والشغف والشهوة؟
وأنت
مهما جُنّ بك الشوق
عاقلٌ جدًّا.

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.