...وصديقي الذي يعبر الآن إلى مجد أيّامه جميل كلحظة الولادة التي تكتشف نفسها مع مرور الساعات، والتي تفرض وجودها كلّما ازدادت تشبّثًا بالحياة.
هو نفسه لم ينتبه إلى هذا الجانب من شخصيّته إلّا مع تقدّمه في العمر، كأنّما الأعوام التي مضت شغلته عن النظر إلى شكله الخارجيّ. وعندما امتلأ داخله بالغنى الذي يجب أن يكون فيه، التفت إلى المرآة ورأى ما كان يراه في عيون الآخرين.
الآخرون هم الذين هتفوا بجماله، أو أشاروا إليه في حياء، فلم يصدّقهم. وظنّ أنّ الأمر كلّه مجرّد انفعال صارخ أو مجاملة مهذّبة. ومن أجل هذا الظنّ فقط تقبّل كلامهم بمحبّة وتواضع. ولكن مع مرور الوقت، بدأ الداخل الذي نضج ينضح أكثر فأكثر إلى الخارج، وظهر على وجهه ما يشبه الفرح ولكنّه ليس فرحًا، أو ما يشبه السكينة ولكنّه ليس هي، أو ما يشبه المحبّة ولكنّه ليس منها فقط. كأنّ ما على وجهه مزيج من هذه كلّها، فيشعرنا، نحن الناظرين إليه، بفيض من الحنان والدفء، كاللذين تمنحنا إيّاهما لحظة صلاة عميقة، أو لقاء حبّ صادق.
كان الجمال الذي فيه ممزوجًا بالذكاء والكرم وخفّة الظلّ والتهذيب والخجل والجرأة. ولم يكن من السهل أن نفصل بين عناصر هذا المزيج، كأنّ جماله لا يكتمل إلّا بذوبانها بعضها في البعض الآخر، من دون أن يفقد أي عنصر منها كينونته وخصوصيّته.
ومع ذلك، فإنّ هذا الرجل الذي لم يكتشف صورة الإله فيه بعد، يؤمن إيمانًا ثابتًا بعدم اكتماله. وهكذا عرفنا، نحن الذين نراقب بهاءه المتوهّج كقصيدة، أنّ السعي نحو الكمال هو الجمال كلّه.
هناك تعليقان (2):
رائعة و مميّزة:)
أنتظر جديدك دائماً بفارغ الصبر :]
تحيّاتي ...
أهلًا علي، شكرًا على اهتمامك ورأيك
وأتمنّى لك سنة خير وبركة
إرسال تعليق