يصل زمن الميلاد ويحضر معه الوقت:
نصوص ومقالات نشر أكثرها في الصحف والمجلاّت اللبنانيّة والعربيّة بعضها باسم مستعار هو مي م الريحاني
السبت، 4 ديسمبر 2021
الحبّ في زمن الميلاد (من كتابي أحببتك فصرت الرسولة)
يصل زمن الميلاد ويحضر معه الوقت:
الأربعاء، 1 ديسمبر 2021
اسمه عيد الميلاد! صحيفة النهار - الثلاثاء 14 كانون الأوّل
هل ينتهي مسيحيّو الشرق في كرة زجاجيّة؟
تعرّض عيد الميلاد منذ بداية الاحتفال به لأكثر من محاولة لتشويه معناه، من المسيحيّين الذين لم يفهموا الجوهر الدينيّ للمناسبة، ومن غير المسيحيّين الذين يسيئون – عن جهل أو عن قصد – إلى رموزه وشعاراته وطقوسه. وإذا حصرنا الكلام في المرحلة المعاصرة، فنجد أنّ بابا نويل هو من الأخطار على الدين إن لم نضعه في خانة مساعدة الفقراء وتوزيع الفرح على الناس. ومن غير المسموح أن يصير هو بطل العيد ومحوره فيخفي بقامته الكبيرة وجسمه العريض وثيابه الدافئة ولحيته البيضاء طفل المزود الصغير العاري. ولذلك باءت بالفشل محاولات بعض الكهنة استبدال مقدّم الهدايا ذي الثياب الحمر بثلاثة من المجوس يوزّعون الهدايا على مثال الملوك الذين حملوا الهدايا للطفل يسوع. فالأطفال يولدون اليوم وفيهم جينات موروثة تعتبر بايا نويل من المسلّمات، كالتنفّس والجوع والعطش. وشجرة العيد خطر آخر إن صارت تتبع الموضة والألوان السائدة وآخر صيحات الأزياء والديكور، ومغارة العيد خطر ثالث إن كان ثمن أيّ تمثال من تماثيلها يوازي الحدّ الأدنى لعائلة في حاجة إلى دواء وماء وكهرباء.
ولا يخفى أنّ السينما الأميركيّة خطر دائم على هذه المناسبة، وتتحمّل صالات السينما وإدارات المحطات التلفزيونيّة الأرضيّة والفضائيّة المسؤوليّة الأخلاقيّة والأدبيّة والوطنيّة والقوميّة، حين تختار أفلاماً أو برامج تسخر من العيد أو تتلاعب بمفهومه الدينيّ أو تجعله إطاراً لقصص طريفة أو حكايات حبّ يحضر فيها الجميع ويغيب صاحب العيد.
أمّا الخطر الأكبر، فهو اللغة التي بقدر ما هي إنتاج الفكر تستطيع أن تكون المؤثّر في خلاياه والمتلاعب بما يدور فيه. فحين يُختصر الاسم بالإنكليزيّة ليصير Xmas، مع ما يعنيه الحرف الأوّل الذي "يؤكّس" على المعنى الروحيّ ويلغيه، فذلك مؤشّر إلى عمليّة غسل دماغ تحاول حرفاً بعد حرف أن تمحو العيد من الوجدان الجماعيّ. وحين يصرّ مقدّمو البرامج ومذيعو التلفزيون، أيّاً تكن المحطّة ومهما كان انتماؤها، على التهنئة بموسم الأعياد من دون تحديد، فذلك يعني أنّ المحاولة تأخذ بعدًا آخر لطمس الهويّة وتمييع هدف الاحتفال. وهذا أمر فعلته إسرائيل حين خطّطت لإلغاء الوجود الفلسطينيّ من فلسطين، فمحت أسماء القرى والبلدات وغيّرت معالم الشوارع والطرق وهدمت ما يرتبط بذاكرة المكان، كعيون المياه وساحات القرى والجوامع والكنائس وأنواع الأشجار، كي لا يجد العائدون، ولا بدّ عائدون، ما يذكّرهم بحكايات آبائهم والأجداد.
ليس الوقت ملائمًا أبدًا للتذرّع بحجج إعلاميّة وإعلانيّة وانتماءات علمانيّة في وقت يبدو الخطر على مسيحيي الشرق أكيدًا وخطيرًا. ومن غير المسموح أن يكون الإعلام اللبنانيّ، بمختلف اتجاهاته ووسائل تعبيره، رأس الحربة في حرب تطاول أيّ دين من الأديان التي يتشكّل منها النسيج الاجتماعيّ في المشرق العربيّ عموماً واللبنانيّ خصوصاً، فكيف إن كان الأمر يتعلّق بالمسيحيّين الذين يتعرّضون لاعتداءت الأصوليّين؟ فإن كان الإعلاميّون والمعلنون يجهلون ما يفعلون فالأمر خطير على الثقافة واللغة والدين، وإن كانوا يعلمون ويفعلون فالأمر في غاية الخطورة على الكيان اللبنانيّ كما نتمنّاه: المتعدّد الحضارة بلا حساب للعدد، والمنفتح على كلّ العالم من دون أن يكون مشرّع الأبواب، والمتنوّع الثقافات من دون أن تكون النوعيّة فيه حصريّة.
الأحد، 25 أبريل 2021
الأربعاء، 7 أبريل 2021
الجمعة، 2 أبريل 2021
الأربعاء، 31 مارس 2021
السبت، 27 مارس 2021
الجمعة، 26 مارس 2021
الجنون في بعض ملامحه الأدبيّة والفنيّة (4)
أربع مجانين وبسّ الأغنية |
(4)
أنا الإله المجنون |
الأربعاء، 24 مارس 2021
الجمعة، 19 مارس 2021
الجنون في بعض ملامحه الأدبيّة والفنيّة (3)
ميّ التي حُجر عليها |
(3)
الأربعاء، 17 مارس 2021
الجنون في بعض ملامحه الأدبيّة والفنيّة (2)
الممثّل الراحل نبيه أبو الحسن (1934 - 1993) في دور "أخوت شانيه" من تأليف أنطوان غندور |
الجنون من يدري على مسافة لحظة لحظتين
(2)
(يتبع)
الثلاثاء، 16 مارس 2021
الجنون في بعض ملامحه الأدبيّة والفنيّة (1)
(1)
يقولون: في كلّ قرية مجنون "أخوت"، وساذج
بسيط القلب، يلوّنان أيّامها بالغرابة والبراءة. يقولان ما لا يقوله الآخرون.
يسبحان عكس التيّار. يتكاملان ويتناقضان. ليل ونهار في لحظة واحدة ومكان واحد،
يتواجهان مع أنّ قد قيل أنّه لا يمكن للمرء أن يرى مؤخّرة رأسه، ويهرب أحدهما من
الآخر مثلما يهرب المجرم من ضميره، والمشوّه من المرآة، والأعرج من ظلّه ترمي به
الشمس في طريقه.
|
الاثنين، 15 مارس 2021
الأحد، 7 مارس 2021
المجتمعات المريضة (2011)
فإذا أخذنا مثلاً المحطّات التلفزيونيّة الأرضيّة في لبنان، نجد أنّ البرامج الطبيّة المتخصّصة تحديدًا بالعلاج التقليديّ أو الطبيعيّ أو البديل، صارت تحتلّ فترات بثّ طويلة تشعرنا بأنّنا لن نعجز مع قليل من المتابعة على تبادل الوصفات الطبيّة عبر "الإيميل" وإعطاء النصائح لمن نعرفهم من المرضى. فلكلّ محطّة طبيبها الخاصّ (فضلاً عن منجّمتها)، أو معالِجُتها المتخصّصة، وكلّهم يغسلون أدمغتنا وأمعاءنا بنصائح يختلط فيها الغرب بالشرق، والحديث بالقديم. كلّ ذلك وجمهور المشاهدين عاجز عن الفهم أو التمييز بين ما تقوله "مريم نور" أو ينصح به "زين الأتات" و"نقولا قيماز" أو تعلن عنه شركة "أمانة كير" ثمّ جاء برنامج "لازم تعرف" متزامنًا مع برنامج "الأطباء" المنسوخ عن الأصل الأميركيّ. وفي أكثر الأحيان تختلط الوصفات وتتشابك التعليمات فيتحوّل العلاج الذي اخترعه المريض سمًّا زعافًا.
أمّا إذا انتقلنا إلى المحطّات الفضائيّة العربيّة فنجد في انتظارنا "الدكتور فيل"، و"الدكتور أوز" الضيف الدائم في برنامج "أوبرا" التي تستضيف فضلاً عنه أطباء آخرين وفي مجالات مختلفة، و"دكتور هاوس"، و"الأطباء" الأميركيّين، ولن ننسى مسلسل "إي آر" المتخصّص في ما يجري في قسم الطوارئ، وGrey's Anatomy وغير ذلك من المعلومات الجادّة على المحطّات العلميّة أو التعليقات الساخرة في البرامج الكوميديّة، فضلاً عن برامج الحوار العربيّة في الصبحيّات وبعد الظهر ومساء. غير أنّها كلّها تشعرك بأنّك كيفما قلّبت المحطات فستجد حتمًا طبيبًا يقدّم لك رأيًا في حالتك النفسيّة أو ما قد يتعرّض له جسمك.
ولكن ما يلفت الانتباه في كثرة هذه البرامج هو دلالتها على كثرة الأمراض. فما كانت هذه الأحاديث الطبيّة لتجد الصدى والإقبال لو كان الناس أصحّاء أو مطمئنّين إلى أنّ أنظمة الحياة المعاصرة لن توقعهم في شرك الأمراض النفسيّة والجسديّة. فمما لا شكّ فيه أنّ المجتمعات هي المريضة لا الأفراد، والأنظمة الغذائيّة هي الموبوءة لا الأشخاص، ولذلك كانت المعالجة الجماعيّة الإعلاميّة هي الحلّ بعدما بات من المستحيل معالجة كلّ فرد على حدة، لكثرة ما انتشرت الأمراض وتنوّعت الأعراض.
فحين نجد طبيبًا نفسيًّا يعالج في بثّ مباشر حالة مراهقة مدمنة على المخدّرات، وتمارس الدعارة لتأمين حاجتها منها، نفهم أنّ الحاجة أمّ الاختراع، وحاجة المجتمع كلّه للتخلّص من أمراضه هي التي تدفع إلى مثل هذا النوع من العلاج العلنيّ الصادم بعدما كان الأمر محصورًا في العيادات وداخل جدران الصمت والعيب والممنوع. ومن الطبيعيّ أن يزعجنا ويثير خوفنا امتلاءُ شاشاتنا بهذا الكمّ من الأمراض والشذوذ والإدمان والشراهة في الأكل والتدخين. ولكنّ الحلّ ليس في إسكات الجهاز وتعتيم الشاشة كي نوحي لأنفسنا بأنّ الأمور على ما يرام، لأنّنا على صفحة الشاشة السوداء سنرى انعكاس صورتنا وهي، إن كنّا صادقين مع أنفسنا، لا تختلف كثيرًا عمّا كنّا نشاهده قبل أن نضغط على زرّ إطفاء التلفزيون.
الخميس، 4 مارس 2021
الأحد، 28 فبراير 2021
الجمعة، 26 فبراير 2021
الموسيقيّ الدكتور وليم نصّار المقاوم بالموسيقى حتّى آخر مظلوم في الأرض
الفنّان وليم نصّار |
الموسيقيّ الدكتور وليم نصّار المقاوم بالموسيقى حتّى آخر مظلوم في الأرض
لسواي من رفقاء وليم نصّار في الحزب
الشيوعيّ أن يتحدثوا عن تجربته الحزبيّة والسياسيّة؛ ولسواي من النقّاد
الموسيقيّين أن يكتبوا عن قيمة أعماله، وأن يدرسوها أكاديميًّا وعلميًّا؛ ولغيري
ممّن واكب مسيرته عن كثب أن يصفه كإنسان مقاوم، أمّا أنا فأكتب مقالة انطباعيّة
عن بعض أعماله الغنائيّة ما كنت أحسب أنّني، بعد فيروز، سأجد أغنيات (وليس كلّ ما أصدره
نصّار) لن أملّ من الاستماع إليها، لأكتشف كلّ مرّة أنّ في كلٍّ منها جديدًا لم
ألحظه سابقًا.
ما يجمع النتاج
الموسيقيّ لنصّار، في رأيي، التزامه الأكيد بقضيّة آمن بها فجعل صوته وموسيقاه
والكلمات التي وضعها أو كتبها سواه في خدمتها، وليس العكس، أي أنّ مشروعه الفنيّ
ليس فنيًّا بحتًا على الرغم من تخصّصه الأكاديميّ في الموسيقى، وخصوصًا الإتنية
منها. وهذا ما يميّزه عن عدد من الفنّانين الملتزمين الذين بدت القضيّة السياسيّة
في بعض أعمالهم وسيلة لا غاية. ما لفتني في بداياته، وكان لا يتجاوز الثامنة عشرة
من عمره، اهتمامه بالتوزيع الموسيقيّ، معطيًا لكلّ آلة حقّها في العمل، وهذا أمر
يحسب له إذ يعبّر عن إيمانه بالعمل الفريقيّ، وتوزيع الأدوار، لا بالنجوميّة
والأحاديّة. فنجده مثلًا في أغنية "مويل الهوى" التراثيّة الفلسطينيّة،
يبرز البيانو والناي والكمنجة والقانون في عزف منفرد يفرض نفسه وعازفه في عمل
يحترم التراث، ويؤمن بأنّ على الجماعة كلّها أن تكون في خدمة المبدأ والقضيّة.
والقضيّة التي يبدو
لكثيرين، عن غير وجه حقّ، أنّها محصورة بفلسطين هي بالنسبة إلى نصّار قضيّة الإنسان
والمجتمع بغضّ النظر عن الدين والوطن والعرق واللون، لذلك دافع عن لغة المسيح
الآراميّة، ودافع عن حقوق الأرمن والأكراد، وعن الأزيديات وسواها من القضايا التي
جعلته ناشطًا لافتًا وفاعلًا في مجال حقوق الإنسان في كندا (منفاه الاختياريّ)
والولايات المتحدة وأوروبا. ولم يتردّد في توجيه نقد لاذع وخطير للمنظّمات الفلسطينيّة
واليسار اللبنانيّ والفلسطينيّ حين اعتبر أنّهم تخلّوا عن القضيّة الأساس.
يحمل وليم نصّار شهادة الدكتوراه في العلوم
الموسيقيّة (إثنو- ميوزيكولوجي) ومارس مهنة تدريس الموسيقى في عدد من الجامعات والمعاهد
الموسيقيّة في أوروبا، الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ولا يزال، إلى جانب
نشاطه الموسيقيّ والغنائيّ. كما يحمل عضويّة عدد من الجمعيّات الموسيقيّة الدولية،
ويعتبر اليوم أحد أهم فنّاني أغنية الاحتجاج في الغرب الداعين إلى نبذ العنف ووقف
الحروب في الشرق الأوسط.
ثمّة محطّة أساس لا بدّ من التوقّف عندها قبل الإضاءة على ثلاث من أغنياته، هي الإصابة بالسرطان. ففي العام 2014 أصيب وليم نصار بسرطان الدم وسرطان الكبد، وخضع لعلاج قاس لمدة عام ونصف. ويخصّص الفنّان، كعربون وفاء للدعم المعنويّ الذي تلقّاه من الجمعية الكندية لمكافحة مرض السرطان، حفلتين في كلّ عام يعود ريعهما كاملًا لصالح الجمعيّة متبرّعًا والموسيقيين الذين يرافقونه ببدل أتعابهما، فضلًا عن كونه ناشطًا فاعلّا في مشاريعها وبرامجها. والإشارة إلى المرض هدفها لفت الانتباه إلى أمرين: أوّلهما أنّ المرض الذي يأبى أن يتركه لم يثنه عن العملين الفنيّ والاجتماعي/ السياسيّ، فكان يقيم الحفلات ويشارك في الاعتصامات ويخضع للتوقيف والتحقيق حتّى وهو في المستشفى، مع الإشارة إلى أنّه لا يزال يتابع العلاج حتّى الآن؛ وثانيها أنّه اختبر الألم الجسديّ بكلّ أنواعه (السرطان ومحاولة الاغتيال) فازداد رغبة في تحسين أوضاع الناس، رافضًا الحروب والظلم، داعيًا إلى الفرح والسلام، ما انعكس في أعماله الموسيقيّة ومقالاته.
على طريق عيتات
البداية مع الأغنية
الأشهر لوليم نصّار "على طريق عيتات"، هي الأغنية التي أطلقت اسمه ولونه
الفنيّ المميّز، وتعرّضت بعد انتشارها وبسبب شهرتها للقرصنة والسرقة في أكثر من
بلد وبصوت أكثر من مغنيّة ومغنّ. في تركيا أدخلوا اسم اردوغان، وفي سوريا استبدلوا
اسم عيتات بالقرداحة، وإحداهنّ استبدلت عيتات بعيتيت، وبدل "جمّول"
(جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة) وضعوا "علي" وأسماء أخرى، وسرقات
كثيرة غيرها، ما دفع بنصّار إلى رفع دعاوى قضائيّة تحفظ حقّه، وحقوق من وضعت
الأغنية من أجلهم.
صدرت الأغنية عام 1986
لتكريم الأسير أنور ياسين، صديق نصّار، ثمّ أعيد تسجيلها بتوزيع جديد عام 2015،
بعنوان "ترتيلة حمرا" من ألبوم "شو بتشبهي الرمّان". ثمّ أعاد
صاحبها نشرها بأسلوبين آخرين، جاز وأوبرا، ليكون مجموع أنواعها أربعة، كأنّ وليم
نصّار، كاتب كلماتها وملحّنها ومغنّيها، يجد فيها غنى موسيقيًّا قابلًا للتنويع
وإعادة التوزيع، أو كأنّي به يتمسّك بمرحلة المقاومة القادرة على التعبير عن نفسها
بأكثر من أسلوب ولغة ووسيلة، أو يذكّر نفسه بالبداية الثوريّة، رافضًا تغيير مبدأه
الأساس وهو العداء للكيان الصهيونيّ وما يمثّله، أو يؤكّد لمن يحاول إسكاته من
الداخل اللبنانيّ المتأسرل المتصهين أنّه باق على العهد.
ومع ذلك، لم يسلم وليم نصّار من حملة تكذيب وتشهير شنّها عليه بعض المنتمين إلى الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين (ربّما لأسباب شخصيّة كالغيرة والحقد)، لمشاركته في المهرجان الدوليّ للموسيقى الاثنيّة في كيبيك، وحاز فيه جائزة المهرجان الأولى فرفض تسلمها كي لا يصافح موسيقيّة صهيونيّة. وكأنْ لم يكفه أن يتعرّض لهذا الهجوم من بعض الفلسطينيّين الذين اعتبر نفسه واحدًا منهم، والذين تعهّدوا بالاعتذار بعد مشاهدة فيديو الحفل ولم يفعلوا، حتّى أتته الملامة من المجتمع الغربيّ الذي اتّهمه بمعاداة الساميّة نتيجة رفضه الجائزة، فارتفعت أصوات تطالب بسحب الجنسيّة منه.
بيروت
في 25 شباط من العام
1987، وبعد سبعة أشهر من إصدار أغنية "بيروت"، وبالقرب من ثكنة الحلو، مرّت سيّارة
بالقرب من وليم نصّار، وهو خارج من أحد المقاهي، فأصيب في يده وصدره. وفي اليوم
نفسه أحرق المعتدون بيته بعد نهبه، وصارت المكتبة الضخمة وألبومات صور العائلة
رمادًا. يروي نصّار في أحاديثه أنّه يعرف من أطلق عليه النار ولماذا. ومع ذلك لم يغادر
بيروت مباشرة بعد محاولة الاغتيال، بل بقي فيها لغاية سنة 1993، وحين أخذ قرار
الهجرة، فعل ذلك، بحسب تعبيره، "بسبب الحريرية واتفاقات أوسلو، واستفحال
الاستبداد المخابراتيّ السوريّ". فاختار المنفى الطوعيّ في كندا، وانضمّ إلى
أهله هناك، حيث تابع الدراسة، محاولًا أن يتابع الحياة متحديًّا الغربة والملاحقة
ومرض السرطان.
في أغنية "بيروت"، ثلاث
عبارات تلقي الضوء على لغة مختلفة متحديّة لم يكن هناك ما يماثلها في تلك الفترة:
سرقوا هدايا العيد وليلة الميلاد – الشعارات العتيقة – يا إمّي شيلي حجابك، وهي
بذلك تفضح مطلق النار الذي صادر عيد الميلاد، وبقي ملتصقًا بالشعارات العتيقة
واستفزّته عبارة نزع الحجاب. ولكنْ فيها بالنسبة إليّ شجن وحزن ورؤيا مستقبليّة
سوداوية على الرغم من الرهان على السنديانة الحمرا التي، بحسب الأغنية، تطمئن إلى
الغد ما دامت تكبر وتنمو، وعلى الرغم من "الفجر الطالع وغنيّة بكرا ويللي بيكفّوا
كتار". وما النفي الطوعيّ الذي اختاره نصّار سوى اعتراف بأنّ السنديانة
الحمرا لم تستطع أن تحميه من شمس حارقة بدأت تحوّل البلاد صحراء قاحلة في الطبيعة
والفكر والفنّ.
أمّا عن لحنها فأكاد أجزم بأنّ الحنان السائل منها بكلمتي بيي (بيي بتذكر شو قلتلي) وإمّي (ولو فيكي يا إمّي تمحي عن الحيطان) لا مثيل له في أي أغنية عاطفيّة أو وطنيّة أو سياسيّة. ولعلّ من يستمع إلى هذه الأغنية سيجد أنْ جرى تقليدها في كثير من الأصوات والأغنيات.
شو بتشبهي الرمّان
"شو بتشبهي الرمّان" أغنية عاطفيّة تعبّر
بالنسبة إليّ عن مشروع نصّار الموسيقيّ الذي يجب أن ينصرف إليه بعدما استنزفته
الأغنية السياسيّة، وإن كنت لا أحبّ لصق السياسة بأغنياته التي أعتبرها إنسانيّة/
اجتماعيّة. ففي كلمات "شو بتشبهي الرمّان" جرأة في التعبير عن الحبّ، لا
تبتعد عن الجرأة في الموقف الملتزم بالقضايا الكبرى، ليصير الحبّ هنا قضيّة كبيرة
كذلك، تستحقّ بدل الصوت صوتين، إذ استعمل نصّار صوته بأسلوبين يوحيان بأنّ ثمّة
شخصين يغنيان. لكأني به يعبّر عن حاله بجزء من صوته وعن الحبيبة بجزء آخر من الصوت
نفسه، لتحضر المرأة، بين الصوتين، بصدرها العامر، وعطر جلدها، وشفتيها المرتعشتين،
وريق فمها السكريّ الطعم، وجسمها القمحيّ ولون الخبا الغافي في حميم مواضعه. وقد
تكون هذه الأغنية، في رأيي، من أكثر الأغنيات اللبنانيّة/ العربيّة تصويرًا لمشهد
حسيّ حميم بلا كلمة نابية تجرح الجمال وتخدش العشق، برفقة موسيقى غنيّة تجعل
المستمع إليها يكتشف كلّ مرّة آلة جديدة لم يلحظ وجودها من قبل، كأنّ الأغنية
تتجدّد مع كل إعادة واستعادة.
وإذا كنت اعتبرت هذه
الأغنية جزءًا من العمل الثوريّ لنصّار، فلأنّني أرى المرأة حاضرة فيها بجسدها
وشهوتها، كما تحضر في العمل الحزبيّ والاجتماعيّ، لتكون شريكة الرجل في أيّ نشاط
أو واجب... أو متعة هي من أبسط حقوقها.
الموسيقيّ وليم نصّار مع المطران هيلاريون كبوجي |
نصّار ووجه الكنيسة الثائر
إنّ اختيار هذه
الأغنيات لا ينتقص طبعًا من قيمة غيرها، أو من قيمة المقطوعات الموسيقيّة التي
تحمل أسماء تجعلها جزءًا من رسالته الفنيّة الثوريّة. لكنّي، إذ أتمنّى على
الدكتور نصّار ألّا يكتفي بشهرته الكنديّة/ الأميركيّة/ الأوروبيّة، وأن يعمل على
تعريف الأجيال اللبنانيّة الجديدة به، وكثر لم يسمعوا باسمه كما لاحظت حين نشرت
بعض أغنياته على مواقع التواصل، أدعوه إلى مواجهة أعدائه بالموسيقى والمزيد من
الأغنيات. فهو، وإن كان ينشط على صعد كثيرة ومنها العمل الصحافيّ بنشره مجلّة "الكاتب
اليساريّ" التي تصدر بثلاث لغات، ويحارب المرض الذي أنهكه منذ شبابه وحاربه
كما حارب إسرائيل والتعصّب والجهل والحقد، مقصّر في إصدار ألبومات موسيقيّة هي
كلمته التي لن تسكتها رصاصة مكتومة الصوت، أو مرض مهما بلغ خبثه فلن يصل إلى خبث
من يدّعي محاربة إسرائيل، ثمّ يقتل من ينتصر عليها بالموسيقى والحضارة والعلم.
مقلّ وليم نصّار في
إطلالاته الإعلاميّة العربيّة واللبنانيّة، لكنّي ومن خلال مقابلتين له مع زاهي وهبي عبر
تلفزيون المستقبل وفاتن حموي عبر إذاعة صوت الشعب، وبحسب موقعه الرسميّ على
الإنترنت، ومنشوراته على فيسبوك وتغريداته على تويتر، أجده يمثّل، بحسب انطباع
شخصيّ لن يعجب على الأرجح الدكتور نصّار، حال كثيرين من المسيحيّين الذين اضطهدهم
مجتمعهم المسسيحيّ المتهوّد ولم ير فيهم وجه المسيح الثائر، ثمّ اضطهدهم مجتمعهم
اليساريّ المنحرف لأنّه كان صورة عن ثورة المسيح التي فضحت ثورتهم، واضطهده بعض
الفلسطينيّين لأنّه أشار إلى انحراف في مسار القضيّة، واضطهده الغرب لأنّهم كان
فلسطينيًّا أكثر من كثير من الفلسطينيّين.
لذلك، وانسجامًا مع قراءته الخاصّة لمجريات الأمور، والتزامًا بمواقفه التي دفع ثمنها في دكاكين تجّار الهيكل، كان من أوائل الداعمين لزيارة البطريرك الراعي إلى فلسطين، فتوجّه إليها في الوقت نفسه، وكتب مقالة افتتاحيّة في مجلته "الكاتب اليساريّ"، هاجم فيها رافضي الزيارة، وردّ على حملة تخوين البطريرك المارونيّ وعلى الداعين لمحاكمته بتهمة التطبيع. وكان من المتوقّع ألّا تمرّ هذه المقالة من دون أثر، فمن جهة توقّفت الحملة العلنيّة ضدّ البطريرك، ليردّ، في المقابل، من طالتهم كلماته بحملة إشاعات وتشهير وتقارير إلى الأجهزة الأمنيّة، خصوصًا أنّه أنهى مقالته بموقف حاسم، فكتب:
"أسجّل موقفي أخيرًا وبالقلم العريض …
أنا الشيوعيّ ذو الخلفيّة المارونيّة...
الملحد... والمعارض لكلّ أشكال التطبيع مع "إسرائيل" .. دولة وشعبًا "يهوديًّا"…
أعلن أنّني مع أيّ زيارة أو إقامة في فلسطين … سواء كانت فلسطين الضفة الغربيّة أو
فلسطين التاريخيّة … فهذا تحدٍّ وكسر للتعنّت اليهوديّ في منع لمّ شمل الفلسطينيّين ..
لإبقائهم معزولين عن أشقائهم العرب … ومعتقلين في سجن كبير اسمه الوطن ..
أنا وليم نصّار... الملحد … والشيوعيّ من أصول
مارونيّة حتّى آخر قطرة دم... وغير المؤمن بالكنيسة .. أعتبر أنّ زيارة البطريرك
بشارة الراعي .. ممارسة لحقّ العودة إلى فلسطين … رغم أنف ضابط الأمن "الإسرائيليّ".
سنأتي إلى إسرائيل وفلسطين .. وإلى
موارنتها على وجه التخصيص … رغم كلّ الدروب الشائكة … وبكافّة الوسائل
والطرق الممكنة ..
سنعبر إليهم … وكنيستنا المارونيّة رأسها أعلى من أن تطاله المسوخ …"
***
أنشر هذه المقالة في
توقيت يقع بين ذكرى محاولة اغتيال وليم نصّار يوم 25 شباط 1987، وقبل توجّه داعمي
البطريرك المارونيّ بشارة الراعي إلى بكركي يوم السبت 26 شباط 2021، تأييدًا لطلبه
حياد لبنان، وقبل أن يصدر الفنّان اللبنانيّ الكنديّ ألبومه الجديد
"ارتباك".
هي إذًا مرحلة ارتباك
لنا جميعًا، فهل سنعرف اليقين بعدها؟
لعلّ الفنّ يكون طريقنا الجميل إليه!
***
روابط خاصّة بالموسيقيّ وليم نصّار:
-
فرانكو كاسباري وماريّا أنطونيلاّ باولا بيتي مارينا كوفا كاتيوشيا ميشيلاّ روك بعدما تقدّم بها العمر فرانكو داني ...
-
من رسومات علي فرزات كنّا، صغارًا، نستمع إلى جدّاتنا وهن يردّدن على مسامعنا أغنية تترافق معانيها مع عدد أصابعنا الخمس البريئة وأجزاء ...
مشاركة مميزة
فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993
فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...
من أنا
- ماري القصيفي
- الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
- صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.