الفنّان بشارة الخوري في سطور
بقلم ابراهام أوهنّسيان*
بمناسبة
عيد مولد الشاعر والمؤلّف الموسيقيّ بشارة الخوري الستين، الموافق يوم الثامن عشر من آذار ٢٠١٧، نرى لزامًا أن نُسلّط
المزيد من الضوء على هذا المبدع، فنتناول
مَحتِده، سيرتَه وأعماله.
* ولد في طرابلس شمال لبنان. هاجر سنة ١٩٧٥. مقيم حالياً في مهبط السماء (Skyfall) في اسكتلندا.
أوّلاً
– المَحتِد:
وُلِدَ
بشارة الخوري في حيّ النقاش، من أعمال بلديّة أنطلياس، بتاريخ ١٨ آذار ١٩٥٧، في
بيتٍ يَصُحُّ القول بأنّه مستَنبَتٌ للعباقرة (Une pépinière de génies).
جدّه لوالده، هو الشاعر بشارة عبد الله الخوري (١٨٨٥
– ١٩٦٨) المُلقّب بالأخطل الصغير، الذي أسّس جريدة "البرق" سنة ١٩٠٨،
وانتُخب نقيباً للصحافة سنة ١٩٢٥. له "الهوى والشباب" و"شعر الأخطل
الصغير". وهو من أشهر شعراء الغزل. نظم أيضًا قصائد وطنيّة ضمّنها هجاءً لاذعًا في حقّ الساسة الفاسدين وفي حقّ الشعب المتواني عن مقاومة الظلم والفساد، الأمر الذي
من شأنه إيجاد تفسير لرفض السلطات اللبنانيّة، غداة الاستقلال عن فرنسا، طلب إعادة
إصدار جريدة "البرق" التي عطّلتها سلطات الإنتداب، سنة ١٩٣٢، وأوقفتها
عن الصدور*.
* الدكتور جوزف الياس، مقال بعنوان "مئة سنة على صدور جريدة "البرق"– جريدة النهار: العدد ٢٣٤٥، تاريخ ١- ٩ - ٢٠٠٨
بُويِع
الأخطل الصغير إمارة الشعر العربيّ إبّان احتفالٍ تكريميّ في القاعة الكبرى، بقصر
الأونيسكو، سنة ١٩٦١ برعاية رئيس الجمهوريّة آنذاك، الأمير اللواء فؤاد شهاب، وبمشاركة
كبار الشعراء العرب.
|
المؤلّف الموسيقيّ بشارة الخوري في حضن جدّه الأخطل الصغير |
والده، عبد الله بشارة الخوري (١٩٢٢-٢٠٠٥)، هو نجل
الأخطل الصغير. حاز إجازة الحقوق الفرنسيّة من جامعة القدّيس يوسف، في بيروت، سنة ١٩٤٤.
مارس مهنة المحاماة، فكان من أبرز رجالاتها. لكنّ ذلك لم يُثنه عن كتابة الشعر
سرّاً مذ كان تلميذًا في مدرسة الحكمة، ثمّ علناً حين ألقى، سنة ١٩٦٩، بمناسبة
مرور سنة على وفاة الأخطل الصغير، قصيدة "مولد الموت" وفيما بعد، حين
نشر ديوانين شعريَّيْن باسم عبدالله الأخطل: "الديوان الأخير"،
سنة ١٩٨١، و"عمري ألف عام"، سنة ١٩٨٤. ولعبدالله الأخطل أيضًا مخطوطات
غير منشورة.
|
بشارة الخوري مع والده عبدالله الأخطل
من كتاب زينه صالح كيّالي - ص 18 |
والدة
بشارة الخوري، هي سلوى
حنّا الرحباني (١٩٢٩-٢٠١٣)، التي رافقت شقيقيها، عاصيًا ومنصورًا، كمغنيّة
تؤدّي أعمالهما عند ابتداء مشوارهما الفنيّ، وذلك قبل التقاء عاصي الرحباني بنهاد
حدّاد (فيروز). تعلّمت سلوى العزف على آلة البيانو. كانت شاعرةً رهيفةً. لها خواطر
شعريّة منشورة، في بعض الصحف، باسم "هلا الريم". وقصّةٌ منشورةٌ باسمها
الأصليّ (وجهي الآخر)، فضلاً عن خواطر وأقاصيص غير منشورة.
|
سلوى الرحباني والدة بشارة الخوري
من كتاب زينه صالح كيّالي - ص 16 |
***
أخوال
بشارة هم الرحابنة
عاصي (١٩٢٣ – ١٩٨٦)، منصور (١٩٢٥ – ٢٠٠٩) والياس (تولّد سنة ١٩٣٧)،
الأغنياء عن التعريف. قدّم الرحبانيّان، عاصي ومنصور، في المرحلة الممتدّة من ١٩٥٧
إلى ١٩٧٥، مع فيروز والفرقة الشعبيّة اللبنانيّة، أعمالاً حقّقت نهضة موسيقيّة عارمة
في لبنان استمرت أصداؤها إلى اليوم.*
وساهم
الياس الرحباني في إدخال اللحن الغربيّ على الأغنية اللبنانيّة وفي انتشارها في أصقاع متعدّدة من العالم.
يتبيّن،
ممّا تقدّم، أنّ بشارة الخوري تكوّن ووُلد ونشأ بين ربّة الشعر وربّة الموسيقى.
وهذا ما يتبدّى بصورة أكثر وضوحًا، عندما نلقي نظرة شاملة على سيرته.
* كمال ديب، تاريخ لبنان الثقافي من عصر النهضة إلى القرن الحادي والعشرين، بيروت، المكتبة الشرقية، ٢٠١٦، ص. ٢١٣
ثانياً
– السيرة:
ظهرت
سيماء النبوغ الشعريّ والموسيقيّ لدى بشارة الخوري منذ الطفولة. فالولد الشقي، ذو
السنوات الأربع، بدأ يقول أبياتًا شعريّة من "عنديّاته"، فتتولّى والدته
أمر تدوينها على دفاتر صغيرة ملوّنة*.
وكان يُبدي فرحاً عارماً خلال دروس العزف
على البيانو التي كانت تتلقّاها سلوى، والدته، على يد مادلين مدوّر بيليفانيان**،
في "الفيلّلا" العائلية المتربّعة فوق تلال حيّ النقّاش، الخضراء
وقتذاك، والمطلّة – بلا استئذان – على البحر.
في
السادسة من عمره، شرع بشارة الخوري بتعلّم أصول العزف على البيانو. إلا أن نقطة
التحوّل الحاسمة باتجاه ارتقائه أدراج الإحتراف العالي، في الموسيقى، تكمن في
التقائه، سنة ١٩٦٩، وكان في الثانية عشرة، بالأستاذ هاكوب أرسلانيان***.
فلهذا الأخير، وهو المتمرّس في تدريس المواد النظرية المتعلقة بأصول الكتابة
الموسيقية، مَقدرة فريدة على شرح هذه المواد (المعقّدة والمنفّرة بالنسبة إلى
كثيرين) بطريقة واضحة، بسيطة وسهلة من دون الوقوع في السطحيّة والإختزال، وعلى تلقينها
للتلامذة بسلاسة قلّ نظيرها إذ يَعتبر أنها مجرّد أدوات لصقل الموهبة (هذا إن وُجِدَت)
لا لتكبيلها. وهو يطبّق المنهاج نفسه، المتميّز بالبساطة والسرعة والفعّاليّة
والنأي عن التعقيد، أيضاً عندما يقوم بإعطاء دروس في العزف على البيانو.
درس
بشارة على الأستاذ هاكوب أصول التناغم الصوتي العامودي (harmonie)، والتناغم اللحني الأفقي (contrepoint)، والـ (fugue)، التي هي من إرهاصات الـ (contrepoint) وتمتاز بالقالب الهندسي الصارم؛ ومادّتَي التحليل الموسيقي (analyse) والتوزيع الأوركستراليّ (orchestration)، فضلاً عن
العزف على البيانو. كما توطّدت أواصر صداقة شخصيّة عميقة بين هذا التلميذ وذاك
المعلّم.
|
من كتاب زينه صالح كيّالي - صفحة 38 |
من
سنة ١٩٦٩ إلى سنة ١٩٧٩ (وهي حقبة تخلّلتها سنوات الدراسة على الأستاذ هاكوب
أرسلانيان)، توالت مؤلّفات بشارة الخوري الموسيقيّة، (وتنوّعت)، بحيث اشتملت على
سمفونيات وكونشيرتات لآلة البيانو والأركسترا، ومقطوعات (صولو) لهذه الآلة، وقصائد
سمفونية للأوركسترا، كما تضمنت إصدار إسطوانتين من الموسيقى
الخفيفة والمنوعات الشرقيّة، فضلاً عن بعض الأغاني.
*
أنظر بالفرنسيّة Figures
musicales du Liban, Bechara El-Khoury compositeur, par Zeina Saleh KAYALI, éd.
GEUTHNER, Paris, 2016, p.16
** المرجع
ذاته p.20 ibidem
*** من مواليد المصيطبة، بيروت، سنة ١٩٤٥. هو
ابن مهران أرسلانيان الذي كان قائداً لأوركسترا الجيش. تتلمذ في الموسيقى على بوغوص جلاليان واستيبان إميان. موسيقار علّامة
ذو فضل في تربية جيل من الموسيقيّين المحترفين.
في
سنة ١٩٧٣، أصبح قائد جوقة التراتيل في كنيسة مار الياس الكبرى – أنطلياس، فوضع
ألحانًا كنسيّة عديدة من بينها "إذهبوا في الأرض كلّها"، "يا من تعمّدت
في نهر الأردن"، "يا جسدًا على الصليب"، إلخ.
في
ميدان الشعر، أصدر بشارة الخوري ثلاثة كتيّبات: "السكوت المتوحّش" (١٩٧١)،
"الرياح الأخيرة" (١٩٧٢) و"مجيئك الغريب صدفةً" (١٩٧٣).
منحه الرئيس سليمان فرنجية، وهو في الخامسة عشرة، جائزة "الشاعر الأصغر
سنًّا"، في احتفال اقتصر على المقرّبين.
مع
اندلاع الحرب اللبنانية قرّ الرأي على وجوب مغادرة بشارة الخوري لبنان. فهو صاحب
موهبة موسيقيّة فذّة، ولم يعد باستطاعة هذا البلد، الداخل في الفوضى والتحلّل
والخراب، أن يتيح أيّ مجال لموهبة مثل موهبته. الأمر الذي دفع بالأستاذ هاكوب
أرسلانيان إلى تشجيعه على الرحيل*. وَلكن إلى أين؟ فقد صُرِف النظر عن الذهاب إلى أرمينيا (الجمهورية السوفياتية وقتذاك) وإلى إيطاليا.
وكان لا بدّ من اتخاذ قرار بالسفر... إلى باريس. فَحُزِمت الحقائب في ١٢ شباط ١٩٧٩،
ولمّا يبلغ بشارة الثانية والعشرين.
وصل
بشارة الخوري إلى باريس وفي يديه حقيبتان كبيرتان: واحدة تحتوي الملابس وثانية تضمّ
مؤلفاته الموسيقيّة!... وهناك التقى بيار – بوتي (١٩٢٢-٢٠٠٠)، المؤلّف الموسيقيّ
الفرنسيّ والناقد في صحيفة "الفيغارو" (Le Figaro) ومدير
المعهد العالي للموسيقى في باريس (L’Ecole Normale Supérieure de Musique) الذي أدرك، منذ اللقاء الأوّل، أنّه يواجه
عبقريًّا في الموسيقى. فوافق على إعطائه دروسًا خصوصية تكميليّة في الكتابة
للأوركسترا وفي هندسة المؤلفات الموسيقيّة**.
لعب بيار بوتي (Pierre-Petit) دوراً
حاسماً في انطلاق موسيقى بشارة الخوري نحو الشهرة على الصعيد الفرنسي. فقد عرّف تلميذه
الفذّ إلى كبار العازفين وكبار قادة الأوركسترا وكبريات دور النشر الموسيقية في
باريس. كذلك، دبّج بيار- بوتي (Pierre-Petit) عدّة مقالات عن موسيقى الخوري في جريدة
"الفيغارو" (Le Figaro)، أوّلها المقال الصادر في ١٨ كانون الأوّل
١٩٨٣، تحت عنوان: " لقد وُلد مُؤلّف" (Un compositeur est né)***، بعد تسعة أيام من تاريخ إقامة أوّل أمسية موسيقيّة مخصّصة
بالكامل لأعمال بشارة الخوري السمفونيّة من قبل أوركسترا كولون الباريسية العريقة (Orchestre Colonne)****، بقيادة بيار ديرفو (Pierre Dervaux)*****.
إشارة إلى انعقاد تلك الأمسية (Concert
de gala) مساء
الجمعة ٩ كانون الأول ١٩٨٣على مسرح الشانزيليزيه (Théâtre des Champs-Elysées) بمناسبة الذكرى المئويّة الأولى لولادة جبران خليل جبران، تحت
رعاية رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة آنذاك، الشيخ أمين الجميّل (ممثّلاً بوزير التربية
الوطنية، نقيب المحامين سابقاً، الأستاذ عصام الخوري)، وإيلاء تلفزيون لبنان مهمّة
نقلها مباشرةً.
*Zeina Saleh KAYALI, op. cit.,
p.37.
**Zeina Saleh KAYALI, op. cit., op 39-40: “[Pierre – Petit] me
dit alors qu’il n’a pas grand-chose à m’apprendre à part quelques techniques
d’orchestration et un peu plus de structure dans la composition d’une oeuvre”.
***أنظر بالفرنسية المرجع ذاته Zeina
Saleh KAYALI, op. cit., p.43.
****
تاسست هذه الأوركسترا سنة ١٨٧٣ في باريس. وقد تعاقب على قيادتها مؤلفون
موسيقيون مرموقون من أمثال سان – سانس (Saint – Saëns)، فاغنر (Wagner)،
تشايكوفسكي (Tchaïkovsky)، ريشار ستروس (Richard Strauss)، ديبوسي (Debussy)، كيكلان (Koechlin)، إلخ ...
***** من أهم قادة الأركسترا
الفرنسيين (١٩١٧-١٩٩٢). ناصر الموسيقى الفرنسية المعاصرة. ترأس وقاد أركسترا كولون
(L’Orchestre Colonne) من سنة ١٩٥٨ حتى وفاته سنة 1992، كما ورد
في المرجع ذاته، Op.cit.p.58.
استمرّ التعاون
المثمر بين بشارة الخوري وأوركسترا كولون (Orchestre Colonne) لسنين
عديدة.
سرعان ما تخطّت
موسيقى بشارة الخوري (أكانت مكتوبة للأوركسترا أو لموسيقى الحجرة أو للآلات
المنفردة) "القُطر الفرنسيّ”، وعُزفت في أماكن عدّة من بينها بودابست،
القاهرة، بيروت، لندن، كييف وموسكو، وصولاً إلى بازل، هامبورغ، برلين، أبو ظبي
وديترويت...
حاز الخوري على الجنسيّة
الفرنسيّة سنة ١٩٨٧.
نال دِرع الفنون والثقافة
من المؤسسة اللبنانيّة للإرسال سنة ١٩٩٤ وفي العام ٢٠٠٠ جائزة "روسّيني"
التي يمنحها المعهد الفرنسيّ (L’Institut
de France). وقلّده
رئيس الجمهوريّة اللبنانية، العماد إميل لحّود، وسام الأرز الوطني من رتبة فارس في
احتفال خاص أقيم للمناسبة، بتاريخ ١٧ آذار٢٠٠١، في السفارة اللبنانيّة في
باريس.
كما تسلّم "جائزة سعيد عقل" في احتفال أقيم
سنة ٢٠١٥ في جامعة N.D.U.، في الذكرى السنويّة الأولى لرحيل "المعلِّم".
تُعتبر مسابقة ماستربرايز (Masterprize) العالميّة
للتأليف السمفونيّ، التي تُقام سنويًّا في العاصمة البريطانيّة، نقطة صعود نجم بشارة
الخوري في اتّجاه الشهرة العالميّة. فمن بين ١٥٠٠ متسابق من بلدان العالم أجمع، تمكّن
من التأهُّل، مع خمسة متسابقين آخرين، إلى المرحلة النصف – النهائيّة إبّان دورة
العام ٢٠٠٣، ما أتاح المجال لتأدية مقطوعته المشاركة في تلك المسابقة
"الأنهار الغارقة" (Les
fleuves engloutis)، من قبل أوركسترا
لندن السمفونيّة (London Symphony
Orchestra)، بقيادة
المايسترو دانييل هاردينغ (Daniel
Harding)، وذلك في
قاعة باربيكان (Barbican Hall) في لندن. فتح وصول بشارة الخوري إلى
نهائيّات مسابقة ماستربرايز (Masterprize) الدوليّة الطريق إلى تسجيل أوّل أسطوانة CD، من أعماله،
في Abbey Road Studio اللندنيّ المرموق، مع أوركسترا لندن السمفونية
بقيادة كل من قائدي الأركسترا دانيال هاردينغ (Daniel Harding) ومارتين برابنز (Martyn
Brabbins). مع العلم
بأنّ شركتي ERATO و forlane الفرنسيّتين
سبق وأن أصدرتا ألبومات تتضمّن أعمالاً أوركسترالية لبشارة في كل من العامين ١٩٨٣ و ١٩٩٦.
في المقابل، توطّدت علاقته مع أوركسترا فرنسا الوطنيّة (L’Orchestre National de France) وأوركسترا باريس (L’Orchestre
de Paris) الأكثر
شهرةً بين الأركسترات الفرنسيّة. كذلك، أدّت أوركسترات أخرى مرموقة أعمالاً من
تأليفه مثل أوركسترا NDR السمفونية في هامبورغ، الأوركسترا الوطنيّة في
أوكرانيا، أوركسترا موسيقى الحجرة في بازل، الأوركسترا الفيلهارمونيّة في ستراسبورغ،
أوركسترا بوتسدام في برلين، أوركسترا ديترويت السمفونيّة، إلخ ... ونذكر أبرز مؤدّي
موسيقى بشارة: قادة الأوركسترا بافو يارفي (Paavo Järvi)، دانييلي
غاتي (Daniele Gatti)، إيفيند غولبيرغ – يانسن (Eivind Gulberg-Jensen)، كورنيليوس مايستر (Cornelius
Meister)، هانس غراف
(Hans Graf) فضلاً عن الراحل كورت مازور (Kurt Mazur).
ومن العازفين المنفردين
عازف الناي (flûte) إيمانويل
باهو (Emmanuel Pahud)،
عازف المزمار (Clarinette) باتريك
مسّينا (Patrick Messina)،
عازف البوق (Cor) دافيد
غيرييه (David Guerrier)،
عازفو الكمان جيرار بوليه (Gérard Poulet)، دانييل هوب (Daniel
Hope)، سارة نمتانو
(Sarah Nemtanu) وفاني روبيّار (Fanny Robilliard)،
وعازفو البيانو باسكال أمواييل (Pascal Amoyel)، جيل بن كيمون (Gilles
Benkemoun)، عبد
الرحمن الباشا، تاتيانا بريماك – خوري (قرينة المؤلّف الموسيقيّ اللبنانيّ هُتاف
خوري)، وسيمون غريشي (ٍSimon
Ghraichy) البرازيليّ من أصول لبنانيّة، إلخ ...
استطاع بشارة الخوري أن يكتب اسمه على القائمة الذهبيّة
بين المؤلّفين الموسيقيّين المرموقين. يعود الفضل في هذا إلى موسيقاه، ما يحدو بنا
إلى مقاربة هذه الموسيقى بما يتيحه نطاق هذا المقال.
ثالثًا – أعمال بشارة الخوري الموسيقيّة:
في المُستَهَلّ، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ جميع أعمال
بشارة الخوري الموسيقية المعروفة هي تلك الواردة في الفهرس الرسميّ (Catalogue officiel) لمؤلفّاته*، أي المؤلّفات التي شرع بكتابتها في باريس إثر تتلمذه
على بيار – بوتي (Pierre-Petit). فلا أثر بالتالي، في أيّ فهرس آخر،
لمؤلّفاته الغزيرة العائدة لمرحلة الطفولة والصبا في لبنان والسابقة، في مطلق
الأحوال، لسنة ١٩٧٩. بيد أن هذا الأمر لا ينفي عن مؤلّفات "الحقبة
اللبنانيّة" الجودة العالية التي اتّسمت بها كما يؤكّد عارفو بشارة،
وبخاصّة الأستاذ هاكوب أرسلانيان.
*Zeina Saleh KAYALI, op. cit., p.116
كذلك نشير إلى أنّ الشعر لطالما شكّل مصدر إلهام
أساسيًّا لموسيقى بشارة الخوري (الذي يكتب أيضاً قصائد بالفرنسيّة)، ولا سيّما
كتابات فريديريك نيتشه، وجبران، وطاغور، ولامارتين، وتشارلز بوكوفسكي، إلخ...،
فضلًا عن نظرته الرومنطيقيّة إلى الطبيعة، وعشقه للحياة وللنساء، قراءته الفَجائعيّة (vision tragique) للحال الإنسانيّة (La
condition humaine).
من المؤكّد أنّ هذه المعطيات تركت بصمات واضحة على موسيقى
بشارة. فهذه الأخيرة تمتاز بخصال قلّما نجدها في الموسيقى المعاصرة الجادّة: فهي
تستوقف السامع، تجتذبه إليها، وتخرجه عن أطواره (كما تفعل الريح الماطرة بالعشب
الراكد) مُرغِمةً أحاسيسه وأفكاره على الارتقاء إلى ما يَحجُبُه الروتين الآمن
المُطمَئنّ.
|
المؤلّف الموسيقيّ بشارة الخوري مع Daniel Hope |
اتّبعت موسيقى بشارة الخوري مسارًا تصاعديًّا واضحًا يسمح بتجزئتها إلى مراحل ثلاث:
١- مرحلة الوصول إلى باريس والأعمال الموسيقية الأولى (التي يعترف بها المؤلّف). يطغى النفس
الرومنطيقيّ والوجدانيّ على هذه الأعمال رغم حداثة اللغة الموسيقيّة المعتمدة.
أبرز أعمال هذه المرحلة هي تلك التي عُزفت في الأمسية
الموسيقيّة الباريسيّة الأولى (سنة ١٩٨٣) والتي تضمّ أعمالاً للأوركسترا، منها:
"اللحن الجنائزيّ لشهداء الحرب اللبنانيين" (Requiem)،
القصيدة السمفونيّة الثانية "مراكب من ورق" (Les bateaux de papier)،
مقطوعة "آلهة الأرض" (Les Dieux de la Terre)،
المجموعة السمفونيّة "الليل والمجنون" * (La Nuit et le Fou). والعملان الأخيران هما من وحي جبران.
*المهداة إلى الأستاذ هاكوب أرسلانيان.
٢- مرحلة التحديث والتجريد (إن جاز التعبير). تبتدئ مع طباعة الأعمال الموسيقيّة لبشارة الخوري لدى دار النشر الباريسيّة Max Eshig، (التي اندمجت فيما بعد مع شركة
durand- salabert) وألفونس لو دوك Alphonse Leduc ولا سيّما السوناتة الأولى لآلة البيانو (Sonate no.1 pour piano)*، الكونشيرتو للبيانو والأوركسترا (أداء عازف البيانو عبد الرحمن
الباشا وأوركسترا Colonne بقيادة Pierre Dervaux في Salle Pleyel يوم ١٧ آذار ١٩٨٦)، وسمفونية
"أطلال بيروت" (Les ruines de Beyrouth) المكتوبة
سنة ١٩٨٥ والتي أدّتها الأوركسترا الفلهارمونيّة اللبنانيّة، في كنيسة الآباء
اليسوعيّين، سنة ٢٠٠٩، بقيادة فوشياك شيبيل.
* المرجع ذاته Zeina Saleh KAYALI, op.cit., p.86-89
٣- مرحلة الجمع بين النقائض المُشار إليها أعلاه (أهي نقائض حقيقيّة؟). وهي متزامنة مع بدء اشتهار
موسيقى بشارة الخوري على الصعيد العالميّ بدءًا من سنة ٢٠٠٣. من أعمال هذه المرحلة:
"الأنهار الغارقة" (Les
fleuves engloutis) وهي
المقطوعة الأوركستراليّة التي فازت في مسابقة ماستربرايز (Masterprize)،
New York, Tears and Hope
افتتاحيّة
"عواصف" (Orages) للأوركسترا (سنة ٢٠١٣ (، إلخ ...
هناك ثوابت يمكن استخلاصها من مجمل النتاج الموسيقيّ لبشارة الخوري: امتلاك ناصية الأوركسترا وطاقة هائلة على تطويعها، ما يتيح
القول، من دون مبالغة، إنّ بشارة الخوري معلّم من معلّمي هذا النوع من الكتابة في القرن الحادي والعشرين
(Un maître de l’écriture pour
l’orchestre au XXIème siècle)، أسلوب موسيقيّ متفرّد، قادر على تخطّي التناقضات الجماليّة (Les divergences esthétiques) القائمة، في الغرب، بين المدارس والتوجّهات الموسيقيّة المتنوّعة،
والمتباينة، وعلى استنباط لغة مغايرة لا تشبه إلّا ذاتها.
ما كتبناه عن بشارة الخوري سوف ينتهي بعد أسطر قليلة.
لكن يهمّنا التأكيد على أنّ سيرة بشارة ومسيرته هي سطور لا تنتهي! ... فسُنّة الإبداع
أن لا ينضب الإبداع إلّا برحيل المُبدع.
هنيئاً لك العيد الستون، يا عزيزي! وَلتَبتَكر عبقريَّتُكَ
بعد ...
أ.أ.
ملاحظة: يمكن لمحبّي الموسيقى الراغبين في الاستماع إلى أعمال بشارة الخوري الموسيقيّة إيجاد بعضها على
"غوغل"، عن طريق النقر على
الرابط: Bechara ElKhoury compositeur (كما يفعل
كاتب هذه السطور!) أو على يوتيوب. إلّا أنه من الأفضل شراء الإسطوانات (CDs) المتضمنة
بعضًا من أعمال بشارة والتي تنتجها شركة "ناكسوس" (Naxos).
للمزيد من الاطّلاع على "الديسكوغرافيا" الكاملة،
فضلاً عن سيرة هذا الفنان الاستثنائيّ، ننصح بقراءة كتاب زينة صالح كيالي باللغة
الفرنسيّة، الصادر سنة ٢٠١٦، في باريس، عن دار Geuthner، والذي
استعنّا ببعض محتوياته في معرض الإعداد لهذا البحث المتواضع.
إشارة إلى إرفاق الكتاب المذكور بمفتاح USB يتيح
للراغبين الاستماع، بواسطة الحاسوب إلى بعض المختارات من أعمال بشارة.