(Pierre Auguste Cot (17 February 1837 – 2 August 1883 |
اخترعتك لأنّني في حاجة إليك، وقبل ذلك لم يكن لوجودك وجود.
أيّها العابر بين الحلم واليقظة وبين النعاس والنوم، ها أنا الليلة مشوار عبورك وأريحك من همّ السفر فوق الأسطر المنتظرة وطء الكلمات يرسمها مرورك الضبابيّ. وأقلب القلم رأسًا على عقب لأمحو صورتك المصنوعة من وهم احتفالي بك وشوقي إلى احتمال انبثاقك من بين جفنَي الانتظار.
أيّها المصنوع من ندى صيفيّ وبروق شتائيّة، أمزّق الليلة الورقة الأخيرة من روزنامة الفصول وأسدل الستائر على الشبابيك المنتظرة وجهك، وأعلن نهاية الرواية.
أيّها الرجل المتنزّه على صراخ الألم، والمتفرّج على انتحار اللذّة، والساخر لحظة يبكي الحنين! دعني أصدّق الليلة أنّي قادرة على الاغتسال ببكائك النهائيّ، وعلى الإقامة ولو للمرّة الأخيرة في بحيرة عينيك الآمنة كالرحم، وعلى أن ألبس دموعك ولو للمرّة الأولى جلدًا مائيًّا كغلالة عروس.
لم أكن أعرف حين أنجبَتك رغبتي فيك أنّك قادر على البكاء، أنت الرجل الذي أغمض عينيه كي لا يراني لأنّه يخاف أن يرى، والذي كان يتكلّم كي لا يترك لي الفرصة للكلام لأنّه يخاف أن يسمع ما أرغب في البوح به، والذي كان يخبّئ يديه كي لا أرى رعشة الاشتياق في أصابعه.
وحين فاجأتني وبكيت بدا العالم جميلاً ونظيفًا كأنّه يغتسل بماء المطر الأوّل، وبدت الدموع قادرة على محو الآلام والأحزان، كأنّك تبكي عن كلّ المتألّمين، وعن كلّ التائبين، وعن كلّ العشّاق، وعن كلّ المتروكين. بيد أنّ لحظات قليلة كانت كافية ليتبدّد كلّ ذاك الذي بدا للحظة حزينًا وحنونًا وحقيقيًّا، وإذا بعينيك الجافّتين المصنوعتين من الزجاج الملوّن الجميل تجودان بدمع غريب يحرق لكنّه أضعف من أن يشفي، يهمي لكنّه أبخل من أن يروي، يغسل لكنّه أعجز من أن يطّهر.
أيّها المصنوع من أحلام طفلة وأوهام عجوز، حكتكَ من خيوط الكلمات التي لن تغفر لي خطيئة صنعك، لأنّ جنون كبريائك جعلك تتعالى عليها هي التي تباهت بك منذ لحظة تكوينك.
فلتُمحَ إذًا الكتابة التي جعلت الرجال يحسدونك، ولتُمزّق الصفحات التي تمدّدتَ فوق بياضها ملكًا لا انتهاء لملكه، ولتتحطّم العناوين التي وضعتك عنوانًا لكلّ كتابة. ولتُغفر خطيئتي لأنّي جدّفت على الكلمة حين آمنت في صدق أنّ اللقاء بك أجمل ممّا أكتبه.
فلتُمحَ إذًا الكتابة التي جعلت الرجال يحسدونك، ولتُمزّق الصفحات التي تمدّدتَ فوق بياضها ملكًا لا انتهاء لملكه، ولتتحطّم العناوين التي وضعتك عنوانًا لكلّ كتابة. ولتُغفر خطيئتي لأنّي جدّفت على الكلمة حين آمنت في صدق أنّ اللقاء بك أجمل ممّا أكتبه.
(نشر في صحيفة النهار عام 2003)
هناك تعليقان (2):
سيبقى دوما حرفك قادر على ادهاشى وامتاعى بتراكيب صورك المذهل
دمتِ ودام وقلمك بكل خير
شكرًا لك يا ستّ فرويد، على أمل أن ترفقي بي عند التحليل النفسي.
لك تحيّتي وتنيّاتي بالخير
إرسال تعليق