الخميس، 18 سبتمبر 2025

النكّيشة

 

الصورة من الإنترنت

النكّيشة

كلمة جديدة أدخلها الواقع الاقتصاديّ المتردّي، والفساد المستشري في الدولة، وغياب أيّ حل لمشكلة النفايات: "النكّيشة". رجال ونساء وأطفال يفتّشون في جبال النفايات ومكبّاتها عمّا يمكن الاستفادة منه.

هو مشهد جديد على شاشة حياتنا. كنّا نراه عبر محطّات التلفزيون ومواقع الإنترنت في بلدان العالم الفقيرة، وكنّا نستغرب كيف تصير النفايات مصدر رزق، ونشكر حظّنا الذي جعل الصور بلا رائحة.

اليوم، المشهد على مقربة رمشة عين، و"تنشيقة" أنف. والنكّيشة يقيمون على مقربة منّا، ويتجوّلون في أحيائنا، ويحفرون بأيديهم العارية وأظافرهم السوداء تلال النفايات التي نرميها بلا فرز لأنّنا بتنا نعرف أن لا أمل بإعادة تدويرها، في غياب أيّ خطّة حكوميّة لحلّ هذه المأساة البيئيّة والصحيّة.

هويّة النكّيشة الفقر، وجنسيّتهم العوز، وطائفتهم الجوع، ومذهبهم في الحياة البقاء على قيد الحياة. لكن ذلك لا يعني أنّهم لن يتشاجروا على براميل القمامة أو علب الكرتون وصناديق الخشب وقناني البلاستيك. فهنا أيضًا البقاء للأقوى على فرض سلطته على قُمم الزبالة، تمامًا، كما هي الحال في قِمم الدول. وإذا كانت البلدان الكبرى تنقّب عن النفط والغاز والمعادن النادرة الثمينة، فالنكّيشة يبحثون عن وسيلة لتأمين الطعام... الطعام الذي قد يكون هو نفسه المرمي حديثًا، ولا يغري الهررة والكلاب التي باتت تجد جمعيّات وأفرادًا يهتمّون بها.

وأرضنا التي كانت خصبة بمياهها وثمارها وحبوبها، ينكش الفلّاحون تربتها فيفور الخير، صارت أرضًا تفوح منها روائح كريهة. وبلادنا التي كان البحّارة يعرفون من بعيد أنّهم اقتربوا منها بمجرّد تنشقّهم عطور اللزّاب والأرز والسنديان والحور والصفصاف أمست بلاد النتانة والعفونة والقذارة.

النكّاشة هنا. لكنّهم لا يعلمون أنّ ثمّة من هم مثلهم. نحن الذين ننكش تاريخ وطننا بحثًا عن ومضات مجد فتزكمنا روائح الدمّ المخثّر من حروب لمّا تنته بعد، وننكش لاوعينا فتصفعنا أيدٍ كنا نظنّها تمسح دمعنا، وننكش ماضينا فتخرج منه أشباح تعرقل سيرنا نحو مستقبل النكش فيه من التراب وإلى التراب يعود.

 

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.