الاثنين، 25 مارس 2019

المعلّم الشهاديّ والمعلّم الأديب - أنطون قازان

منحوتة تمثّل أنطون قازان


أنطون قازان
(بالضغط على الرابط كلمة قازان في تسجيل نادر في مهرجان ذكرى شبلي ملّاط)

واصف البارودي

كان المحامي الراحل انطون قازان من أولئك الذين يمارسون المحاماة، وفي الوقت نفسه، يمارس الأدب بحب وشغف وعمق، تماماً كما فعل غيره من المحامين في لبنان، من أمثال: بشارة الخوري وشارل حلو ويوسف السودا وعبدالله لحود وجوزف مغيزل وعبدالله الأخطل وجوزف باسيلا وفؤاد المشعلاني واميل بجاني وغالب غانم وادمون رزق وعصام كرم وسليم باسيلا والسلسلة طويلة... فالعلاقة بين الأدب والمحاماة في لبنان علاقة قديمة ووثيقة.
بعد رحيله، نحت له الفنان حليم الحاج تمثالاً، وأزيح الستار عن التمثال، الذي أقيم في ساحة عامة، في زوق مكايل في سنة 1995، ورفعت صورته في «المكتبة الوطنية» في بيروت سنة 1974، وأطلق اسمه على شارع في منطقة الجمّيزة.
***
المعلّم الشهاديّ والمعلّم الأديب
من كلمة المحامي الأديب أنطون قازان في ذكرى وفاة المربّي الأديب واصف البارودي (1964)

... تمكّن (واصف البارودي) أن يكون مربيًّا دون أن تتحكّم بأدبه مظاهر التعليم. فيوم راح يعلّم بثَّ نفحات الموهبة، وسعى في التلقين إلى طريق الذوق، فهو الشجرةُ المفيَّحة يتحلّق حولها الظامئون.
إنّ المربّي الأديب نعمة من الله يسبغها على مختاريه لتستمرّ بركة الأدب وتخصب جنّاته.
ما أحوجنا في هذا الوقت عينه، وطلّاب العلم يكادون يغتصبون الشهادات اغتصابًا، فلا يتزوّدون من كنوز المعرفة إلّا بالمقدار الذي يمكّنهم من قريب الغاية، ما أحوجنا إلى ذلك الذي بعدت في نفسه الغايات، حتّى كادت تضمحّل، لتنهضَ على أنقاضها الشخصيّة ويستقيم التكثيف الحاضريّ.
ولقد يعبّر المعلّمون الشهاديّون ولا يبقى من تجارتهم سوى إطارات شاحبة متروكة على الحيطان، أو لفافات مطويّة في الزوايا المنسيّة.
أمّا المعلّمون الأدباء فلهم على الدنيا بسطة سلطان، قوامُه المعرفة الصحيحة والإبداع الخيّر.
إنّ ساعة مشحونة بالتلميحات الثقافيّة البعيدة، وزاخرة بالتفجير الجماليّ، من معلّم أديب ترك الكتاب ليفتح صفحات الحياة، وأوصد كوى المناهج الضيّقة ليُشرع أبواب التراث الإنسانيّ، كساعة عدل توازي ألف ساعة عبادة.
ويطلّ الباروديّ من مجتمعه المدرسيّ إلى فُسح المجتمع الأكبر، ثائرًا على المدرسة الجزيرة، رابطًا بينها وبين الشطآن، فيتابع تلك الرسالة البنّاءة بادئًا من حيث يجب أن يبدأ ومنتهيًا إلى حيث يقيّض له الله.
والشجرة الإنسانيّة تُتعهّد من أغصانها، فتنمو بمقدار ما تُرعى. ويعرف الباروديّ أن يستخلص من مهمّته التعليميّة ما يكفي لازدياد عناصر الرسالة في الأديب الموجِّه، ومن هنا أثر ذلك الكاتب الذي التزم إصلاحًا بطريقته الموزونة وأسلوبه السمح النافذ.
إنّ البساطة الحلوة التي تميّز بها في كتاباته، والتي بلغت حدّ الصفاء، هي من مقوّمات الأدب التوجيهي الذي يُضحّي في سبيل الغاية بكثير من مغريات السبل.
وتتجلّى قدرة البارودي الأديب المعلّم في حديثه الذي يراوح بين طبعيّة الصديق الألوف ورصانة المحاضر الذي لا ينسى دعوته إلى التقويم والإصلاح. إنّه المحدّث الذي يُقصد، فالحكمة جارية على لسانه، والطُرَف محمولة على راحة الحافظة، وهو الذي أُشبع من مقول العرب وانفتح على تراثهم العظيم، فراح يتصرّف بيسر وقدرة ليُبدعَ أدبًا مُسْنَدًا.
أنطون قازان
(ذوق مكايل 1927-1973)




ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.