الثلاثاء، 10 مارس 2020

في أسبوع الآلام، فلنشكر مخفّفي الآلام (18 نيسان 2018)



    لمَ لا يكون أسبوع الآلام مناسبة لتحيّة معالِجي الآلام، وتحديدًا الممرّضات والممرّضين؟ لمَ لا نحوّل أناشيد الوجع صرخة تقدير لعطاءات هؤلاء الذين نبحث عنهم في حياة المسيح، فنجدهم في الذين ساعدوه سرًّا، فمسحوا وجهه، وبكوا معه، وحاولوا أن يسعفوه برشفة ماء؟
    يقال الكثير عن دور المعلّم في بناء المجتمع، عن الطبيب صاحب الرسالة الإنسانيّة، وعن رجل الدين حامل الرسالة السماويّة، وعن سواهم من المشاركين في بناء المجتمع، لكن حين يقع كلّ هؤلاء أسرى المرض، يقرعون الجرس طالبين من يعطيهم جرعة دواء مسكّن، أو يمدّهم بأوكسجين ينقذهم من الاختناق، أو يمسح أنوفهم وينظّف مؤخّراتهم.
   هي مهنة لا تنال حقّها من التقدير. ليس لها عيد وطنيّ، ولا مهرجانات خطابيّة أو حفلات تكريم، ولم تعط حقّها في المسلسلات والأفلام والمسرحيّات والروايات (مرّات كثيرة أسيء إليها عرضًا وتصويرًا)، ولا ينال العاملون فيها رواتب تكافئ عطاءاتهم وتعبهم.
    أتحدّث عن الذين اختاروها طوعًا، لا عن الفتيات اللواتي اخترنها وسيلة للزواج من طبيب، ولا عن الشبّان الذين فشلوا في كلّ مجال فلجأوا إليها.
   أتحدّث فقط عن الذين انتسبوا إليها وهم يعرفون أنّ عليهم أن يحترفوا الابتسامة الصادقة، وأن يُخفوا تعبهم ومرضهم وحزنهم وفقرهم، وأن يقاوموا النعاس، وأن ينتقلوا من غرفة إلى غرفة وهم يبجثون لكلّ مريض ومريضة عن كلمة مواساة مناسبة، وعبارة تشجيع جديدة، وضحكة رنّانة تريد أن تطرد شبح الموت عن أسرّة كثيرة.
   فلنتحدّث فقط عن الذين لم تعتد أعينهم تكرار المشاهد نفسها، فلم تقسُ قلوبهم، عن الذين لم تتخدّر آذانهم من الأنين والبكاء، فلم تتحجّر ضمائرهم، عن الذين يهنّئون مريضًا لأنّ أمعاءه قامت بواجبها، عن الذين يبتسمون، عن الذين يلقون النكات والطرائف، عن الذين يرندحون أغنية أو يرنّمون ترتيلة، عن الذين يخجلون حين تدسّ في جيبهم إكراميّة تعرف أنّها لا تليق بتعبهم، لكنّها طريقتك الوحيدة لتشكرهم بثمن فنجان قهوة.
     عن هؤلاء نتحدّث، ولهم نطالب بأن يكون راتبهم أعلى قيمة من أيّ راتب آخر، لعلّ مجموعات كبيرة من الشبّان والشابات تقدم على اختيار التمريض مهنة ورسالة، يعيشون منها بكرامة ويخدمون بواسطتها بمحبّة.
    في أسبوع الآلام، فلنشكر مخفّفي الآلام، أولئك الذين يسهرون على المرضى، أولئك الذين يخدمون الأطفال والعجزة والمعوّقين، أولئك الذين يرون الإنسان في أصعب حالاته: حين يكون ضعيفًا، متروكًا، وحيدًا، يائسًا، متّسخًا، غاضبًا، ممدّدًا على سرير الانتظار، معلّقًا على صليب المعاناة، بين معاملات التأمين ووزارة الصحّة وصندوق المحاسبة، ومع ذلك يسعون كي لا يروا فيه سوى إنسان قائم من الموت، ومنتصر على المرض.
    في أسبوع الآلام، تحيّة لهؤلاء القدّيسين الصامتين، حافظي الكرامات، محتملي الأمزجة العكرة، ومتلقّي الملامة حين يخطئ الطبيب!

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.