كملك يعبر شوارع مملكته في يوبيله الذهبيّ ثمّ يعود إلى قصر البُعد والارتفاع. هكذا يعبر صديقي الآن. أنظر إليه وألوّح له كسائحة وُجدت صدفة بين رعايا مملكته، ولا تستحقّ أكثر من نظرة ملكيّة عابرة.
وحين يعود صديقي إلى قصره، لن يتذكّر سوى الجموع التي كانت تتدافع على جانبي الطريق، ولكنّه، لن يستطيع، مهما حاول، أن يتذكّر وجهًا واحدًا منها.
والصديق العابر كملك، لا يُظهر اهتمامه بمشاكل الرعيّة. وحين ينزل عن عرشه ويزور الناس يبدو راغبًا فقط في الاستماع إلى ما يقولونه عنه، وكيف يصفون حدائقه الجميلة المحيطة بقصره، والشوارع الفسيحة التي تكاد لا تتّسع لموكبه، والعربة المذهّبة التي لا تليق إلاّ بأمثاله. وعندما يبدأ أبناء المملكة بالحديث عن أنفسهم يضجر الملك ويتثاءب ويدخل إلى قصر نومه كبطل في مسرحيّة انتهت عروضها مع نهاية الموسم. ولكن يحلو لي أن أؤمن بأنّ صديقي، الذي يعبر كملك، ينهار خلف الستائر المسدلة على مسرح حياته، ويكتم تعب الأيّام تحت قناع الصمت، ويخبّئ حزن الأمكنة وراء لامبالاته بمن حضر وبمن غاب عن احتفالات تنصيبه.
أعرف أنّ صديقي لا يعرف ما أعرفه. وإن عرفه فلن يعترف به. ولن يقبل أن تصدر صحف المعارضة في مملكته لتشير إلى خلل في رؤياه المستقبليّة، سببه تفسّخ في جدران قصره القائم على أسس الماضي الواهية. ولكنّي أحبّ صديقي الذي يعبر الآن إلى قصر غيابه. ولأنّني أحبّه أحاول أن أومئ له لأشير إلى المتربّصين بعرشه، إلى التشقّقات في سقف مملكته، والحُفر أمام عربته، ولكنّه دائمًا كان يظنّ أنّني ألوّح له كسائحة غريبة عن تقاليد مملكته فيردّ عليها متسامحًا ويمضي.
أحبّ صديقي الذي يهيّئ الآن احتفالات عبوره. ولأنّني أحبّه سأتركه يرحل إلى حيث يريد، وسأشهق بالبكاء كمراهقة أمام موكب نجم عالميّ، وسأكتفي مثلها بذكرى اللقاء العابر أخبر عنه الأيّام الآتية. وسأكتب على الجدران كالمقاتلين الذين يتركون على حيطان متاريسهم آخر كلماتهم: صديقي مرّ من هنا، ومضى. وعندما يحلّ السلام، وتُمحى كلمات المعارك من ذاكرة البيوت التي عاد إليها أصحابها، سأتذكّر أنا، آخر المقاتلين، أنّ صديقي الذي مرّ من هنا ومضى إلى مجد طموحه، كان ذكيًّا فترك ساحة المعركة قبل أن تمزّقه أمّ المعارك وأشرسها، تلك التي يواجه فيها الإنسان نفسه.
يدخل صديقي العابر ضباب الذكرى وهو لا يزال هنا، أنظر إليه وهو أمامي مباشرة، على مسافة أصابع، وأقنع نفسي بأنّه ليس هنا، وبأنّ الذي أراه ليس إلاّ طيفه يعود إلى حيث كنّا نلتقي.
أترك المسافة بين الواقع والآتي. أحاول أن أفيد من الجرعة الأخيرة من دواء مفقود، من القطرات الأخيرة من العطر الهديّة، من لمسات الشمس الأخيرة قبل موسم البرد، من مرور نيزك في لحظة نادرة من ليل أسود.
أرغب في أن أمسك الآن يد صديقي العابر، المشغول حتّى الاحتفال بلحظات عبوره الملوّنة بألوان رغباته المتناقضة. ولكنّ يده مشغولة بالتلويح للجماهير المجتمعة حول عربته الذهبيّة، وهو يمرّ كملك جميل آت من حكاية قديمة، ليعبر إلى مخيّلة طفلة، أخبرتها جدّتها بأنّ الحلم هو الحياة.
وحين يعود صديقي إلى قصره، لن يتذكّر سوى الجموع التي كانت تتدافع على جانبي الطريق، ولكنّه، لن يستطيع، مهما حاول، أن يتذكّر وجهًا واحدًا منها.
والصديق العابر كملك، لا يُظهر اهتمامه بمشاكل الرعيّة. وحين ينزل عن عرشه ويزور الناس يبدو راغبًا فقط في الاستماع إلى ما يقولونه عنه، وكيف يصفون حدائقه الجميلة المحيطة بقصره، والشوارع الفسيحة التي تكاد لا تتّسع لموكبه، والعربة المذهّبة التي لا تليق إلاّ بأمثاله. وعندما يبدأ أبناء المملكة بالحديث عن أنفسهم يضجر الملك ويتثاءب ويدخل إلى قصر نومه كبطل في مسرحيّة انتهت عروضها مع نهاية الموسم. ولكن يحلو لي أن أؤمن بأنّ صديقي، الذي يعبر كملك، ينهار خلف الستائر المسدلة على مسرح حياته، ويكتم تعب الأيّام تحت قناع الصمت، ويخبّئ حزن الأمكنة وراء لامبالاته بمن حضر وبمن غاب عن احتفالات تنصيبه.
أعرف أنّ صديقي لا يعرف ما أعرفه. وإن عرفه فلن يعترف به. ولن يقبل أن تصدر صحف المعارضة في مملكته لتشير إلى خلل في رؤياه المستقبليّة، سببه تفسّخ في جدران قصره القائم على أسس الماضي الواهية. ولكنّي أحبّ صديقي الذي يعبر الآن إلى قصر غيابه. ولأنّني أحبّه أحاول أن أومئ له لأشير إلى المتربّصين بعرشه، إلى التشقّقات في سقف مملكته، والحُفر أمام عربته، ولكنّه دائمًا كان يظنّ أنّني ألوّح له كسائحة غريبة عن تقاليد مملكته فيردّ عليها متسامحًا ويمضي.
أحبّ صديقي الذي يهيّئ الآن احتفالات عبوره. ولأنّني أحبّه سأتركه يرحل إلى حيث يريد، وسأشهق بالبكاء كمراهقة أمام موكب نجم عالميّ، وسأكتفي مثلها بذكرى اللقاء العابر أخبر عنه الأيّام الآتية. وسأكتب على الجدران كالمقاتلين الذين يتركون على حيطان متاريسهم آخر كلماتهم: صديقي مرّ من هنا، ومضى. وعندما يحلّ السلام، وتُمحى كلمات المعارك من ذاكرة البيوت التي عاد إليها أصحابها، سأتذكّر أنا، آخر المقاتلين، أنّ صديقي الذي مرّ من هنا ومضى إلى مجد طموحه، كان ذكيًّا فترك ساحة المعركة قبل أن تمزّقه أمّ المعارك وأشرسها، تلك التي يواجه فيها الإنسان نفسه.
يدخل صديقي العابر ضباب الذكرى وهو لا يزال هنا، أنظر إليه وهو أمامي مباشرة، على مسافة أصابع، وأقنع نفسي بأنّه ليس هنا، وبأنّ الذي أراه ليس إلاّ طيفه يعود إلى حيث كنّا نلتقي.
أترك المسافة بين الواقع والآتي. أحاول أن أفيد من الجرعة الأخيرة من دواء مفقود، من القطرات الأخيرة من العطر الهديّة، من لمسات الشمس الأخيرة قبل موسم البرد، من مرور نيزك في لحظة نادرة من ليل أسود.
أرغب في أن أمسك الآن يد صديقي العابر، المشغول حتّى الاحتفال بلحظات عبوره الملوّنة بألوان رغباته المتناقضة. ولكنّ يده مشغولة بالتلويح للجماهير المجتمعة حول عربته الذهبيّة، وهو يمرّ كملك جميل آت من حكاية قديمة، ليعبر إلى مخيّلة طفلة، أخبرتها جدّتها بأنّ الحلم هو الحياة.