مع بداية كلّ نهار، تسأل نفسها عن سرّ رغبتها في البقاء والاستمرار.
تستيقظ تعبة وتكاد لا تجد القوّة الكافية لتغادر السرير. وعندما تفعل ذلك
أخيرًا وتجلس منحنية مهزومة تكتشف أنّ سلسلة الأعمال التي عليها القيام بها في هذا
اليوم تلتفّ حولها وتكبّل حركتها وتخنقها.
تعرف أنّها بعد قليل ستواجه وجهها في المرآة وستكتشف أنّ يومًا آخر ينتظر
كي يمتصّ ما تبقّى من طاقتها وشبابها. وبعد ذلك يكمن لها أفراد عائلتها مسلّحين
بطلباتهم المختلفة، عارضين عليها شؤونهم وشجونهم، صارخين غاضبين محتجّين، كمجموعة
من المعارضين المتظاهرين لا يريدون إلّا تحقيق مطالبهم. ثمّ ستخرج إلى الشارع حيث
تحاصرها زحمة السير وتصمّ أذنيها أصوات الباعة وأبواق السيّارات، قبل أن تصل إلى
عملها مرهقة يائسة حزينة. تنظر إلى الساعة، إنّها الثامنة والربع صباحًا. فجأة
يصفعها السؤال المخيف: كيف ستنجح في العبور إلى الضفّة المسائيّة لهذا اليوم
الطويل؟
ومع نهاية كلّ نهار، تكتشف أنّها نجحت في البقاء والاستمرار، واستطاعت أن
تحتمل التعب والركض والمنافسة والخبث، والحرّ الخانق والبرد الشديد، والأزمة
الاقتصاديّة والتصريحات السياسيّة، وبقيت على قيد الحياة في انتظار يوم جديد من
دون أن تعرف كيف، ومن دون أن تعرف لماذا.
لا تعرف أيّ إيمان يدفعها إلى الحياة. أهو الإيمان بالله الذي تظنّ أحيانًا
أنّه لا يريد ان يسمعها؟ أم إيمان بالإنسان مع أنّها تعجز عن التواصل معه؟ أم
إيمان بالوطن الذي يخذلها مرّة بعد مرّة ويدفعها دفعًا إلى التفكير في هجره؟ أم هو
الإيمان بقدرتها على مقاومة كلّ هذه الشكوك لأنّ ثمّة من يحتاج إليها؟
بدأت تعتقد أنّ الذين يقرّرون الرحيل أو الغياب أو العبور إلى الأماكن
الأخرى هم المقتنعون بأنْ لا حاجة إلى وجودهم/ هنا/ الآن/ في هذا المكان/ وفي هذه
اللحظة، وبأنّ الآخرين يستطيعون إكمال حياتهم من دون الاستعانة بهم أو التبرّك
بوجودهم أو الاغتناء بحكمتهم أو التفاؤل برؤيتهم أو الفرح بلقائهم، فاتّخذوا قرار
العبور حين اكتشفوا فجأة أنّ بقاءهم ورحيلهم متساويان في القيمة والهدف، وأنّ
الشمس ستشرق وتغيب سواء وجدوا أو غابوا، وعندئذ يستسلمون لرياح الرحيل تحملهم إلى
حيث تشاء.
حاجتهم إليها! حاجتهم إلى وجودها! المسؤوليّات التي اختارت أن تحملها،
الأهداف التي رسمتها، الوجوه التي تحبّها ضاحكة، الأشخاص الذين تريدهم معافين
وأصحّاء وأقوياء، كلّ ذلك يدفعها إلى الاستمرار والبقاء، فتغادر تعبها صباحًا،
وتخلع نعاسها، وتغسل وجهها وجسمها من آثار الهزيمة، وترتدي ثوب الحياة الجديدة
لتستقبل نهارًا آخر بعدما غاب، ولو إلى حين، ليل القلق والشكّ، ثمّ تفكّر في
المساكين الذين لا يحتاج أحد إلى وجودهم، وينتظرون في لهفة شمس الاهتمام لتشرق
عليهم.
هناك 4 تعليقات:
You concluded the article with hope and happiness. No matter what happens, life goes on.
لا أعرف حقًّا إن كنت أنهيت المقالة بأمل وسعادة، لأنّ هذه المرأة ستسيقظ في اليوم التالي وهي على الأرجح تفكّر في التعب والرغبة في ألّا تفعل شيئًا.
أعتقد أنّني أنهيت مقالتي بواقعيّة مفادها أنّ الحياة تحدّيات ويجب أن تستمرّ...
شكرًا على المرور والإضافة
مقالة رائعة، جمال الحياة يكمن في واقعيتها ....... ليس من الضروري أن نحصل على كل شيء وان نتحكم في كل شيء لنشعر بالسعادة.
شكرًا على الرأي في المقالة. وأوافق طبعًا على أن ليس من الضروريّ الحصول على كلّ شيءللوصول إلى السعادة، المهمّ ربّما أن نعرف ما نريد ونحقّقه ولو كان قليلًا بالنسبة إلى سوانا
شكرًا على المرور والإضافة
إرسال تعليق