Gabriel Picart |
السلام هو نشيد الناس منذ بدء الخليقة! كلّ الحكايات الخرافيّة وقصص العشق
الجميلة وملاحم البطولات العظيمة تنتهي بأنّ الجميع عاشوا في سلام في نهاية الأمر،
كأنّ الحبّ والصداقة والعدالة والجمال والحقّ والخير كلّها أمور تصبّ في هدف واحد
هو السلام: الداخليّ حين يتصالح المرء مع نفسه، والخارجيّ العامّ، حين تتآخى
الكائنات وتتّحد لتعيش كلّها في انسجام ووئام.
السلام شرط أساس لتحصيل المعرفة، التي هي شرط أساس لتحقيق الحريّة! وما من
خطر على السلام سوى الإنسان نفسه. فإن كانت الطبيعة تشكّل خطرًا ببراكينها
وعواصفها وتغيّراتها المناخيّة على حياة البشر، فإنّ الحروب تحصد أكثر بما لا يقاس
من الأرواح، وإن كانت الحيوانات تحتكم إلى غريزتها في حماية نفسها من الجوع
والانقراض، فما الذي يدفع الإنسان إلى تهديد سلامه الخاصّ بالانتحار أو سلام
الآخرين بالاعتداء عليهم؟
ولنقل مثل ذلك عن الجوع وتهديد الكرامة والمرض والديكتاتوريّات والحرمان من
أبسط الحقوق، فكيف يمكن لنا الحديث عن سلام شامل وعادل وعلى أبواب القصور
متسوّلون، وعلى أبواب المستشفيات مرضى معوزون، وعلى أبواب المدارس فقراء محرومون
من العلم، وعلى أبواب المعابد منبوذون، وعلى أبواب المعامل مصروفون؟ وكيف يمكن لنا
الحديث عن سلام تامّ بين دول والصراعات قائمة بين أبناء البيت الواحد، والحيّ
الواحد، والوطن الواحد؟ وكيف نحلم بسلم والديانات تتحوّل يومًا بعد يوم، وبسبب سوء
فهم أتباعها لها، معتقلاتٍ للفكر، وكانتونات للعقيدة، وسجنًا للذات التي كان على
الديانة أن تطلقها حرّة في رحاب الحياة وقلب الخالق؟
ما من قيمة للبشريّة إذًا إن لم نعش كلّنا في سلام ... عندها فقط يصير
للناس حكاية تستحقّ أن تروى من جيل إلى جيل ... أو على الأقلّ يصير لهم حكاية هذا
السعي الشريف لجعل الأرض سماء بدل السعي إلى الموت لملاقاة السماء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق