![]() |
مدفن زياد الرحباني في بلدة شويّا في المتن الشمالي |
شويّا شويّا يا شويّا
يا ترابا الغالي عليّا
ابني نايم بحضنك
حنّي ع إبني شويا
نصوص ومقالات نشر أكثرها في الصحف والمجلاّت اللبنانيّة والعربيّة بعضها باسم مستعار هو مي م الريحاني
![]() |
مدفن زياد الرحباني في بلدة شويّا في المتن الشمالي |
شويّا شويّا يا شويّا
يا ترابا الغالي عليّا
ابني نايم بحضنك
حنّي ع إبني شويا
ماذا نتعلّم
من حياة زياد وموته وقيامته؟
قد
تبدو نافرةً كلمة قيامة في العنوان، مع العلم أنّ الإيمان بقيامة الموتى من شروط
الديانات التوحيديّة. لكنّ القيامة التي أقصدها في هذه المقالة من نوع آخر. هي
قيامة موجة لافتة من الوعي تجاه فنّ زياد الرحباني، فضلًا عن إعادة قراءة مواقفه السياسيّة
والاجتماعيّة.
فمن
يتابع صفحات التواصل والمقالات عنه يجد أنّ الناس لا يتردّدون في الاعتراف بأنّهم
يسمعونه الآن بطريقة مختلفة، يمكن وصفها بأنّها أكثر عمقًا وأوسع فهمًا لما كان
يريد إيصاله لهم سحابة عمره، من خلال موسيقاه ومسرحيّاته وأحاديثه.
أعود
إلى السؤال عمّا علينا تعلّمه من تجربة هذا الفنّان.
زياد
الرحباني ظاهرة لن تفيها حقّها مئات المقالات التي كتبت، والبرامج التي عرضت،
والشهادات من عارفيه ودارسيه حاولت قراءة تجربته. وسيبقى لأجيال جديدة آتية محور
دراسة وتحليل وتقييم.
لكنّي
شخصيًّا سأكتفي بثلاثة أمور لافتة في حياة زياد وموته وقيامته من النسيان الذي
أراده لنفسه في السنوات الأخيرة من عمره.
أوّلًا:
عاش زياد ومات أمينًا لمبادئه الإنسانيّه وخطّه الفكريّ. فهناك فنّانون من جيله
ومعاصريه اعتبروا أنفسهم "ملتزمين"، لكنّهم أكلوا القضايا إذا جاز
التعبير، وهناك من أكلتهم القضايا وزياد على رأسهم. لقد ذهب هذا الرجل بعيدًا في
التزامه ولم يستفد منه. ذهب إلى الصلب عن سابق تصوّر وتصميم، رافضًا الانصياع
لإغراء ماديّ أو مكسب آني أو مساومة عائليّة. اختار طريقه ومشى وحيدًا نحو جلجلة
عطائه بلا مرافقين أو ألقاب أو امرأة تمسح وجهه المتعرّق الدامي، أو عابر سبيل
يساعده في حمل صليب العمر والغربة.
ثانيًا:
الحبّ عند زياد واقعيّ معيوش. صحيح أنّ أغنيات الحبّ عند الأخوين رحباني ليست
بالطهر الذي يحلو للبعض أن يضعوها في خانته، لكن زياد الرحباني راح نحو المباشرة
وفضح المشكلات وترك للمرأة مجالًا كي تطالب بتحقيق رغباتها فتطالب ببيت آمن وحياة
طبيعيّة، وعلاقة جسديّة...
منذ
زمن أراه الآن غير بعيد كما كنت أشعر قبل موت زياد، كنت أدرّس في الصفّ الثانويّ
الأوّل ما اصطلح على تسميته بالغزل العذريّ. فطلبت من التلامذة أن يقيموا مقارنة
بين قصيدتَي غزل (واحدة لجميل بن معمر وثانية لقيس بن الملوّح)، وأغنيتين لزياد
الرحباني تؤدّيهما سلمى، هما "ولّعت كتير" و"حبّك مش حقيقيّ".
اعتبر "الأهالي" هذا النشاط التربويّ عملًا ثوريًّا في مدرسة كاثوليكيّة،
لكن آفاقًا جديدة فُتحت أمام أعين التلامذة الذين اكتشفوا زياد (كما اكتشفوا في
مناسبات أخرى فيروز ومرسيل خليفة ومحمود درويش وطلال حيدروميشال طراد وغيرهم من
شعراء وفنّانين من خارج المنهج).
وما
لم يدخل زياد الرحباني بهذا الأسلوب إلى المنهج التعليميّ فكلّ تكريم له باطل
وآنيّ ولا يعوّل عليه.
ثالثًا:لا
يختلف اثنان على عبقريّة زياد الموسيقيّة التي تبدّت ملامحها منذ الصغر. لكن ما
يجب أن يتعلّمه جيل جديد من كتّاب المسرحيّات والأغنيات تحديدًا هو اختيار مواضيع
لم يلتفت إليها أحد بعد. إنّ الشجون التي تحملها أغنيات هذا الرجل تستحقّ أن تكون
مادة لدراسة علميّة اجتماعيّة تكشف عن عمق التصاقه بالمجتمع ويوميّات الناس.
فلنأخذ
مثلًا عبارة: "بعلمي أكلنا رجعنا جعنا لازم ناكل عن جديد" من أغنية إسمع
يا رضا التي يؤدّيها جوزف صقر توأم زياد الفنيّ. ففي عبارة من بضع كلمات يطالعنا
الهمّ اليوميّ المرتبط بحاجة الجسد إلى الغذاء، وما يتطلّبه ذلك من عمل وتضحيات.
ويمكن الاستطراد إلى سوق العمل ومعاناة المزارعين ودوّامة الحياة التي تفرض على
الإنسان غريزة حبّ البقاء... وهذا كلّه يحتاج إلى صفحات كثيرة من التحليل والتأمل.
إنّ
كتابة زياد أغنياته، عدا تلك التي لاءمت همّه الإنسانيّ كشعر جوزف حرب مثلًا،
لصيقة بحياته، إذ كتب كما عاش، وعاش كما كتب. لذلك لن يسهل تصديق فنّان آخر يكتب
من برجه العاجيّ عن الفقر، وآخر يغنّي من منتجعه الصيفيّ عن أتون الحرّ ولا كهرباء
عند الناس، وثالث يصدح من بلده الثاني المضياف الدافئ متحسّرًا على الذين يموتون
دنقًا.
صدق
زياد مع نفسه ومع الناس هو الذي سيصعب إيجاد شبيه له. فالعباقرة يولدون في كلّ
زمن، ولكن من النادر أن نجد فنّانًا صادقًا إلى حدّ بذل نفسه في الموسيقى والكتابة
والموقف في حين أنّ العصر عصر رفاهيّة وأنانيّة وتهافت على الشهرة والظهور.
لا
شكّ أنّ ثمّة مغنّين ومغنيّات بدأوا بالتعاون مع شعراء مميّزين برصد حاجات الناس،
فيطرحون في أغنياتهم أفكارًا جديدة على الأغنية اللبنانيّة. لكنّ المسار طويل
والعمل ليس سهلًا من أجل تأسيس جمهور يتذوّق هذه الأعمال ويفهمها. وهذان التذوّق
والفهم هما ما افتقده زياد في جمهور بات مع الوقت عبئًا عليه بدل أن يكون دافعًا
له لمزيد من العاء وحبّ الحياة.
***
هي
دروس ثلاثة في مسيرة زياد الذاهب عميقًا في دمنا، الذاهب عميقًا في الطحين (بحسب
تعبير محمود درويش) ليتنا نعمل على الاستفادة منها آملين ألّا نسمعه يصرخ بنا حين
نسيء إلى إرثه: وقمح!
يا مونة الخير
يا بيدر ومليان
السنة اللي كانت ناطرة
خلف البواب
نادرة ترجع
ت نبكي سوا
ع سنين إسما غياب
راس السنة عنّا
صار مطلع آب
وكلّ سنة بآب
رح ننر تطلّوا
تقعدوا معنا
وما نقبل تفلّوا
مشتاقة ليكن البيوت
مشتاقة ليكن بيروت
***
ما تنسوا في ولاد
لازم يرجعوا
ع غيابن زغرت تيابن
مين بدّو يلبسا
نعست عيونن
مين قادر يحرسا
اشتاقوا لحضن إمّن
ولو كان حضنا
بركة دموع ودم
والهمّ قال لاجريها اركعوا
اشتاقوا لكتف بيّن
ولو كان كتف البيّ
من صليب الحزن
صاير يوجعوا
هودي زغار
من الليل بيخافوا
الليل اللي جاب الويل
بعدو من هداك اليوم
يشرب دمع
ويلحوس شفافو
ويقول مين بدّو بعد
يرحل معي ويموت
مشتاقة ليكن البيوت
مشتاقة ليكن بيروت
***
رح نلتقي عند العصر
هونيك ع المينا
مطرح ما دمّ وقهر
بكينا مش عليكن بس
ع حالنا بكينا
مطرح ما صارت صوركن
زينة الساحات
مطرح ما صار الردم
عنوان للطرقات
مطرح ما السنابل عليت
ومن خجلها حزنت، تكيت
مطرح ما الحجارة بكيت
ع الناس اللي بلحظة صاروا
بلا حيطان تقدر تحمين
من نار كان بدا تمحين
وتترك وراها سكوت
مشتاقة ليكن البيوت
مشتاقة ليكن بيروت
حتّى لو
غرقوا عينيّي
بالعتمة بعرف
رح فيي
إقشع وجّك
بإيديي
يا لأغلى من
حالي عليّي
من خطواتك
بعرف إنّي
رح إركض صوبك
تغمرني
بتلاقيني
وبتحملني
بحبّ وشوق
وحنيّه
يا لأغلى من
حالي عليي
ريحة عطرك
بتنوّرني
بتبيعد
هالظلمة عنّي
بتخلّيني
إرقص، غنّي
وشوف إني أحلى صبيّة
يا لأغلى من
حالي عليي
لمّا بتحكيني ع العالي
بيتشيطن فيي خيالي
بتهمسلي
بيطلع ع بالي
حبّك شو بدي
بعينيي
يا الأغلى من
حالي عليي
ما مات
![]() |
دلال كرم طليقة زياد الرحباني مع ابنها عاصي وهلي الرحباني شقيق زياد من مقابلة أجراها يحيى جابر مع دلال |
ع صوت الشتي اللي تأخر السنة رح إمشي معك ع
طريق مليانة سيارات وخبّرك حكايتنا الزغيرة ت تكون كلماتا علامات تدلّك ع طريق
الرجعة...
خلينا نبلّش من اول الحكاية لما أنا كتبت بجريدة الحياة عن كتابك "تلاثون
حكاية".
حضرتك كنت تعرف إسمي وكتاباتي
من وقت كنت إنشر بجريدة النهار وبعدين بالحياة وبعتقد صار عندك حشرية ت تعرف مين
هيي ماري القصيفي. ولما انعمل ندوة بجبيل وحفل توقيع لهالكتاب طلبت مني شارك وقول
كلمة وأنا عادة بتهرّب من الحكي ع المنابر... وقلتلك وقتا شو بدي قول أكتر من يللي
كتبتو عن الكتاب، وجاوبتني ما بينخاف عليكي.
كنت أنا كمان حابة إتعرّف عليك قد ما كنت سامعة عنك وبعرف نصوصك
وخبارك، رحت وحكيت، ومن وقتها انكتبت حكاية صداقة بينكتب عنك وعنها ألف حكاية
وحكاية. ولما كنت عم تكتب روايتك مهرجان طلبت مني
عيد قراءة الفصول، وما كنت عارفة رح تذكر إسمي وتشكرني مع يللي كمان طلبت منن
يقروا روايتك قبل طباعتها مع إنو أنا اللي لازم إشكرك ع ثقتك فيي.
لما خلقت يا جاد نسيت إنو اللي بيخلقوا لازم يكونوا أطفال زغار. او
بالأصح انت ما نسيت ولكن تناسيت وصار بدك تكبر بسرعة. ولما كبرت صار بدك تنسى انك
كبرت وصرت تمشي وما توقف بلكي العمر ما بيقدر يلحقك. وصار بدك ترجع زغير وتبلّش
الحكاية عن اول وجديد.
بحياتك فيه أكتر من تلاتين حكاية: السفر، الكتابة، السينما/، المرا،
الحب، الحريّة/، البحر، المغامرة، التحدّي/ البنوة، الزواج، الأبوّة/، الأخوّة،
الصداقة، الزمالة/، الكاس، الضحك، الطفولة/ الأرض، الوطن، الغربة/ الأسئلة،
المشاغبة، الشجاعة/ الحزن، الوحدة، المرض/، الجنون، النسيان، الخوف/، الإيمان،
الخيبة، الانتظار/ العمر، التعب، الموت... الموت اللي كنت عم تمشي صوبو وتواجهو
حتى ما يغدر فيك.
يمكن حدا يقول هودي كلنا منمرق فين ومنفكّر فين. صحيح. ولكن أكترنا
بيمرقوا حدن، حد قسم منن، ولكن اللي بيمرقوا فين وبيروحوا ع آخرن هني اللي متل
جاد. واللي متل جاد قلال.
كيف تجمّعت فيك كل هالحيوات والمشاعر والمغامرات؟ كيف كان جسمك يلبّيك
ت تجرّب كل شي، وما تخلي بعينك شي؟ كيف عقلك بقي يشتغل وكل هالشياطين ساكنة فيه
وآخدة راحتا؟
لما تعرّفت عليك قلت لحالي: الله يساعد اللي عايشين معك. ما في ليل أو
نهار، ما في وقت محدّد لشي او لحدا، كنت عم تاكل الحياة أكل بس مش بنهم الفجعان،
ولكن بتذوّق الخبير بكل ملذات الحياة.. ومرارة طعمها مرّات. بدك تختبر كل شي قبل
ما تحكم وتقرر وتستمتع. بدك تعيش لأنو بالآخر بدك تموت. تموت؟
هلأ عن جد انت متت؟ بحس إنك كمان كنت عم تجرّب الموت ت تتعرّف عليه
وتكتب عنو.
ياريت الوضع هيك يا جاد وبترجع. ولكن هونيك شفت إمك وبيّك وخيّك وما
عاد في شياطين براسك ما تخليك تروق، هونيك رقت ونمت بحضن إمك، إمك المرا الوحيدة
اللي قبلتك متل ما انت، وبعد سنة ونص من موتا لحقتا.
اشتقتلك يا جاد. وقت كنت تغيب أشهر طويلة كنت قول: أكيد مبسوط مع شي
ست ع ذوقو، أو قاعد عم يكتب. وكنت انبسط لفكرة إنّك مبسوط.
اليوم كمان انت مبسوط مطرح ما إنت، بس أنا حزينة، وما بعرف كيف بدي
اتركك تفل ت تروح مع إمك وبيك وخيّك.
ليش ما كان بدك حدا يشوفك بمرضك وضياعك، كيف نسيت إنو كلنا مرضى وكلنا
ضايعين... وكلنا بدنا حضن نغفى فيه وكتف نبكي عليه وقلب نسمع دقات خوفو علينا وإيد
نمسكها نحنا وفالين... وانت حرمت كتار بيحبوك إنو يكونوا الحضن والكتف والقلب
والإيد... وأول ما شوفك مطرح ما صرت رح عاتبك وإشكيك لإمك وبيّك وخيّك.
بتذكر؟ بتذكر مرّة قلتلي تعي ت نسافر.. بعرف ما بتحبي السفر بس معي
السفر غير شي لأني بعرف لوين بدي آخدك، اسألي كل يللي سافروا معي شو رفقتي حلوة.
قلتلك شو إنت مجنون، هيك الواحد بيحمل حالو وبيسافر...عندي مية شغلة ومسؤولية، هيك
منسافر من دون تحضير وتخطيط، ولما بلّشت
تنفّخ إنو ضاق خلقك من هالأعذار ضحكت وقلتلك يا ريتني صباح كنت غنيتلك: بيكفيني
كون مع شاعر مجنون تمشي ما أعرف لوين وأنا إمشي معك...
وإنت مشيت وما عدت تعرف ترجع... وأنا بقيت مع غنيّة صباح وعاتب حالي:
لو رحت معو كنت دليتو ع طريق الرجعة ولكن ع الأكيد كنت تركتو يبقى شاعر مجنون وإلا
ما بيكون جاد الحاج
رح يضل الأدب اللبناني ناقصو مجنون متلك يحكي ويكتب... ويسكتوا كل
العاقلين اللي ساكنن الضجر.
رح ضل اشتقلك يا جاد... وهيدا شي برغم عنادك ومزاجك وخناقاتنا الما
بتخلص ما فيك تمنعني عنو.
فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...