الاثنين، 8 ديسمبر 2025

"بواب العتيقة": مفهوم "الباب" في الفكر الرحبانيّ من خلال المسرح (1)

"بواب العتيقة": مفهوم "الباب"  في الفكر الرحبانيّ من خلال المسرح (1)

كنت قد نشرت في ملحق النهار، السبت 22 آب 1998، مقالة عن مفهوم الباب في الأغنية الرحبانيّة، أستعير مقدّمتها في هذه التتمّة عن صورة الباب، ولكن في المسرح الرحبانيّ من خلال ثمانية عشر عملًا، بدءًا من عام 1960 إلى 1975، ما عدا واحدة هي مسرحيّة بترا التي عُرضت سنة 1977.

"في وقت تفتح فيه الأبواب على كلّ الاحتمالات في هذا البلد المحكوم بأقداره، تأتي الكلمة من مكان آخر، من المكان الرحبانيّ – الفيروزيّ، حيث كلّ كلمة مفتاح لباب، وكلّ باب يفتح على آفاق جديدة، ووراء كلّ باب حكاية، وعلى كلّ عتبة وجه. قد تفتح الكلمة "باب الضوء"، وقد تغلق الكلمة الأبواب السبعة وتضع الرصد على أقفالها.

في هذا الزمن، حيث تلعب العواصف بالأبواب، وتتحكّم العواطف بالمفاتيح، وحيث الكلمة هي المفتاح السحريّ لمغائر اللصوص، تعالوا نلعب لعبة الكلمات، ونذهب إلى "باب" الكلمة" أو إلى كلمة "الباب"، ونقرع لعلّ أحدًا يفتح لنا. تعالوا نبتعد عن أبواب القصور، وكراسي الحكّام، ومفاتيح الخزائن، ونرحل إلى الأغنية، إلى الأغنية الرحبانيّة تحديدًا. 

بين الداخل والخارج، يقف الباب ليكون إمّا حاجزًا وسدًّا منيعًا في وجه من يريد اقتحام حرمة الداخل، وإمّا ليكون مفتوحًا لمن يريد الدخول مسالمًا وضيفًا مكرّمًا. والعتبة التي ورد ذكرها كثيرًا في الأغنية الرحبانيّة هي هذا الحدّ الفاصل. وكم مرّة وقفت فيروز على العتبة، فلا هي قادرة على التفلّت من الداخل بتقاليده وموروثاته ورموزه، ولا هي تمتنع عن الرغبة في الانطلاق إلى الخارج بكلّ ما فيه من رحابة وتحرّر وتواصل مع الآخر.

هذا الباب، مثل التسميات المرافقة له: البوّابة، العتبة، والشبّاك أيضًا، هذا الباب، نقول، هو الوسيلة الوحيدة للقاء، للالتقاء، للرقيّ. وهو، في هذا الإطار، لا يصل الإنسان بالإنسان فقط، بل كان عليه في الأغنية الرحبانيّة أن يحمل الإنسان إلى الخارج بما فيه من عناصر طبيعيّة، أو أن يحمل هذه العناصر إلى الإنسان المطمئنّ في الداخل."

أمّا في هذه القراءة الحديثة الموزّعة على حلقات، فأقوم بمحاولة لالتقاط مفاهيم الباب كما هي في الفكر الرحباني اللصيق بجوّ القرية أوّلًا حيث البيوت المتلاصقة والأبواب المشرّعة، والمرتبط ثانيًا بالوطن الذي كان بوّابة بين الشرق والغرب. أمّا اختيار العنوان "بواب العتيقة" – وهو ليس من مسرحيّة – فيعود أوّلًا إلى التصاق صفة العتق بالأبواب الرحبانيّة، وثانيًا إلى أنّ أغنية "خدني ازرعني بأرض لبنان" التي أوحت بهذه القراءة للباب في الفكر الرحبانيّ، تحمل خلاصة النظرة إليه كرمز للأمان والارتباط والتواصل والعودة إلى البيت/ الوطن: بواب العتيقة عم تلوحلي (رمز القدم والتاريخ والأجداد)، وعيون ع شبابيك تشرحلي صحاب عم تقول نحنا صحاب (رمز الأجيال الجديدة والعيون البريئة التي تعد بغد من الصداقة)، خدني ازرعني بأرض لبنان/ بالبيت يللي ناطر التلّة/ إفتح الباب وبوّس الحيطان/ وإركع تحت أحلى سما وصلّي (الزرع والارتباط بالتراب، حراسة الأرض، العودة إلى الجذور، العاطفة العائليّة والوطنيّة، الإيمان والصلاة).  

في الجزء الأوّل من هذه القراءة صورة الباب في أربع مسرحيّات: "موسم العزّ"، و"حكاية الإسوارة" و"جسر القمر"، و"الليل والقنديل".

موسم العز - الفرقة

1- موسم العزّ (1960)

مع بداية المسرحيّة تغنّي بطلتها نجلا (صباح): "تنهّد يا قلبي ودقّ ع باب الحلو/ بلكي بيفتحلك وهيك منسألو"، وهكذا يبدو الباب المفتوح صلة وصل بين العاشقين. ثمّ تظهر "الطاقة" أي النافذة الصغيرة كبديل عن الباب في الأغنية نفسها وهي بعنوان "يا إمّي طلّ من الطاقة": "يا إمّي طلّ من الطاقة/ وعليي دلّ من الطاقة/ شلحلي فلّ من الطاقة/ وغمزني وفلّ من الطاقة". كأنّ الباب للعلانية والوضوح بينما الطاقة أو النافذة فللستر والتلميح، ومن في الداخل يرى ولا يُرى بوضوح. ثمّ يغنّي شاهين (وديع الصافي) ويقول: "بوّابة اللي كلّها شمس ودفا/ يا ريتني يا ريتني ناطورها". هنا ترتبط البوّابة وهي أكبر من الباب وأوسع بالشمس والدفء كدليل على الانفتاح على الدنيا والناس والطبيعة، ولذلك تحتاج إلى حماية وناطور. وبعده يدعو مرهج القلاعي (رامز كلنك) نجلا التي يعشقها كي ترحل معه فيقول: لولا بتجي وبترافقي مرهج/ والهوا متلج/ والدني ضبابه/ وع كعب شي غابه/ بيت وجنينة وبوّابة". فكأن المتنافسَين على نجلا يعدانها ببوابّة لبيت يضمن لها الأمن والحماية. 

وحين يقرّر شاهين بناء بيت لعروسه يقول: "بدنا نعمّر شي دارة/ يرتاح القلب بفيّتها/ وشي بنيّة تعقد زنّارا/ تقعد تغزل ع عتبتها". والعتبة هنا رمز للباب ودليل الأمان حين تجلس الصبيّة عليها، محميّة بالبيت وعلى تواصل مع الخارج في الوقت نفسه. ويتابع شاهين في أغنية "عمّر يا معلّم العمار" مخاطبًا البنّاء: "دبّرنا قبل تشارين/ بشي أوضة وعليّة ودار/ يكونوا شبابيكن حلوين"، وهكذا يغيب الباب فيحضر الشبّاك، وتجتمع الجماليّة مع النفعيّة، فلا يكفي أن يكون الشبّاك متينًا ومانعًا للبرد، بل يجب أن يكون جميلًا في تصميمه مع أحواض للزهور تتقدّمه.

صحيح أنّ الباب يغيب عن الفصل الثاني من المسرحيّة لكنّ دلالاته حاضرة في القنطرة والشبّاك والطاقة والدرج والسطح. ففي عرس نجلا وشاهين، تزغرد إحدى النساء قائلة: "آويها وزهورنا ع شبابيك دارنا حنيت/ والسعد وافى وقناطر بيتنا تعلّت". وحين يعجز أهل العريس عن رفع المحدلة تعاتبها نجلا وتقول: "بدّك روح مكسورة الخاطر/ لا زينة ولا تعيّد قناطر". لكنّ مرهج لا يقبل أن تذهب نجلا مع عريسها بلا رقص وأغنيات، فيرفع المحدلة بالنيابة عن أهل العريس وهو يقول: "شو ناطرة قناطر العم تعلا/ شو ناطرة؟ مش عرسها لنجلا؟". وهكذا تتمّ الفرحة وتغنّي الصبايا: "تعب الحكي وانزرع الهنا/ ع دراج وسطوح ضيعتنا"، ويغنّي الشبّان: "كِتر الحلا والحبق اغتنى/ بحواض وطواق ضيعتنا".

بيتك يا ستي الختيارة
2- حكاية الإسوارة (1961)

حكاية الإسوارة سهرة تلفزيونيّة من فصل واحد، عرضها تلفزيون لبنان والمشرق في مناسبة افتتاح المحطّة. تغنّي فيها عليا (فيروز) "بيتك يا ستّي الختيارة" وفيها: "عِتق الباب وهالحيطان". وتقول الختيارة (عليا نمري): "من زمان كنت ناطرة ع باب"، ويأتي صوت الختيار من ذاكرة العجوز متحدّثًا عن ولديه: "خلّيهن يروّجوا صوب البواب الناطرينن عليا رفقاتن". وهكذا يرتبط الباب بالزمن (العِتق) والانتظار والأمل. كأنّ الوقوف على الباب هو الخطوة الأولى لمواجهة العالم والناس وتغيّرات الزمن. 

ويحضر الشبّاك أيضًا كرمز للتواصل مع الخارج، حين تقول سميرة (سميرة بعقليني) لسبع (فيلمون وهبه): "التنوضر ع الناس ممنوع. بكره بفرجيك. بدّي سكّر الشبّاك" (رفض اقتحام الخصوصيّة). ويجيبها سبع متحدّيًا: "سكّريه. شبابيك الله مفتوحة". 

جسر القمر

3- جسر القمر (1962)

في هذه المسرحيّة يتجدّد مفهوم الباب ببعده التواصليّ مع الخارج. ففي أغنية "هدّوني" الي يؤدّيها الشيخ (نصري شمس الدين) نسمع: "كانت عم تغزل ع الباب وتليعب صبيعا" فنرى امرأة تبحث عن الضوء (قبل عصر الكهرباء) لتحسن غزل الصوف فتجلس على عتبة الباب، كما نرى أصابعها وهي تلاعب المغزل. وتتابع الأغنية قائلة: "ولمن قالتلي شو باك واقف بخيال الشبّاك"، فنرى العاشق المختبئ خلف النافذة يتلصّص على الحبيبة. ثم نسمع: "ع بوّابتها المخضّرة قلبي رايح جايي" ونرى من جديد ارتباط البوّابة بالجمال واللون الأخضر من نباتات معرّشة عليه كالياسمين مثلًا، وكذلك بالتواصل مع الحبيبة. 

أمّا صبيّة جسر القمر المسحورة (فيروز) فتغنّي: نيّال اللي بيرجع عشيّة/ وع كلّ البواب بيتلاقى بصحاب" فنرى في الصورة نظرة الأخوين رحباني للقرية التي لا غريب فيها بل أهل وجيران ينتظرون على الأبواب رؤية العائدين من أعمالهم. ويعود الباب ليظهر في قول "جميلة" (إلهام الرحباني): "رح آخد الجرّة/ وحطّها برّا/ بالفي حدّ الباب/ جارة الياسمينة"، وذلك طلبًا لبرودة المياه في جرار الفخار التي ترشح. ثم حين تقول الصبيّة: "ع كعب الجسر فيه كنز/ والكنز ع بابو حِرز/ محروس بكلمة سرّ": هنا الباب مرصود وفي فك الرصد عنه خلاص الصبيّة من السحر الذي يأسرها. ويتجدّد ارتباط الباب بالانتظار حين تغّني الصبيّة (فيروز) في "سنة عن سنة": ونطرتك على بابي بليلة العيد/ مرقوا كل صحابي ووحدك البعيد" ليجتمع الأمل والخيبة في مشهد واحد من بضع كلمات. 

وقد يرتبط الباب بالذل والتسوّل كما في قول سبع (فيلمون وهبه) لمخّول (منصور الرحباني): "رح بتضلّ تزقّ كياس/ وتعتّل ع بواب الناس"، لكن سرعان ما يعود الباب والشبّاك مصدرَي فرح وحياة "وبوابنا مشرّعة/ ودراجنا خضرا" و"نفّض جناحاتو ع شبّاك الدار" و"جسر الشبابيك المفتوحة/ ع جناين مخضّرة شلوحها".

الليل والقنديل
4- الليل والقنديل (1963)

صحيح أنّ المكان في المسرحيّة هو خيمة "منتورة" (فيروز) بائعة القناديل، لكن أصحاب البيوت يقصدونها ليشتروا قناديل تطرد العتمة من البيوت والقلوب وساحات السهر: "بدنا نضوّي بيوت ل إلنا... نعلّقهن (القناديل) بالعرايش قدّام الشعريّات/ وقبال الورد العايش/ ع بواب السهريّات". وعند منتورة قناديل مختلفة الأنواع منها ما هو خاصّ بالباب :"وعنّا قناديل/ للريح التلجيّة/ للمشي بالضبابة/ ولقدّام البوّابة". ولأنّ الباب للحماية، يجب أن يكون قنديله مساعدًا في ذلك فيسأل أحد الشراة: "فيه عندك قنديل/ يتعلّق ع الباب/ ويبقى يردّ عنّي هجمات الدياب؟". ولأنّ الليل البلا قمر في حاجة للقنديل تستهدي به الحبيبة على بيت الحبيب تغنّي منتورة: "والدنيه غافلة/ والقمر غاب/ بتقشعني واصلِه/ عم دقّ الباب".

حين يلجأ الشرير "هولو" (جوزف عازار) إلى خيمة منتورة وهي لا تعرفه، تولد الأسئلة والرغبة في معرفة حكاية هذا المقيم في الوعر مع صديقه خاطر (وليم حسواني)، فتسأل "نصري الحارس" (نصري شمس الدين) عنه: فيه ليله كنّا بسهريه/ وسمعنا دعسه قويّة/ صوت دياب/ هواش كلاب/ وشفنا هَولو ع هالباب". فالباب إذًا الذي غالبًا ما يحمل الحبّ والشوق إلى الاحتكاك بالعالم الخارجيّ قد يصير مدخلًا للخوف والشرّ كما في حالة هولو. ولكن سرعان ما تعود للباب براءته وسرّ الدهشة فيه حين يغنّي الشباب لهدى (هدى حدّاد): حاجة تتعب قلبا/ وين بدّا تتخبّا/ الصبيّه من درب الحب/ ناطرها ع باب البيت". ويعود الباب ليرتبط بالحبّ والفرح في أغنية منتورة: "قالولي كتير قالولي وفتحولي بواب/ وياما الجيران حكيولي/ وقلبي ما تاب"، ثمّ تتابع: "ع باب البيت عم غنّي/ ان كنّك حبّيت طمّني". ويليها نصري وهو يتذكّر حبًّا قديمًا: " ومعرّش الزنبق على سورا/ وتضلّ تتمخطر ع باب الدار".

ولكن من جديد، يعود الباب ليظهر في حديث هولو وخاطر حين يتراجع الأوّل عن تكسير القنديل الكبير، فيعاتبه الثاني: "يا هولو إنت ندهتني/ عن باب بيتي ندهتني/ من ضيعتي/ من عيلتي". وهكذا يبقى الباب بابًا يفتح على الطريق المؤدّي إلى الحبّ أو إلى الخطر. وفي الحالين هو مركز الخطوة الأولى نحو المجهول.
 (يتبع غدًا)
https://www.cafein.press/post/boab-alaatyk-mfhom-albab-fy-alfkr-alrhbany-mn-khlal-almsrh-1

السبت، 6 ديسمبر 2025

وزارة لثقافة قيد الدرس

Les Poètes au bois sacré - Henri Martin


علّمنا في الجامعة اللبنانيّة الدكتور الباحث نقولا سعادة. ما زلت أذكر مقولته في الشأن الثقافيّ وأجدها، بالرغم من مرور الزمن، صالحة لوضعنا اليوم أكثر ممّا كانت حين قالها لنا في ثمانينيّات القرن الماضي. 

الثقافة في رأيه شأن شاملٌ وجوهَ الحياة كلّها، ولا تستقيم أمورها في جانب دون آخر. وأعطانا مثلًا يبدو شديد المعاصرة: لا يمكن أن تكون السينما جاذبة لجمهور عريض، بينما الفنون التشكيليّة محصورة بنخبة ضئيلة العدد من المهتمّين.

وتابع ما خلاصته: من الواجب أن تتساوى إلى حدّ كبير مظاهر الحركة الثقافيّة لكي يصحّ اعتبار مجتمعٍ ما مثقّفًا ذا فكر نقديّ علميّ شامل قادر على إحداث تقدّم وتطوّر ملحوظَين.

بعيدًا من وزير الثقافة الحالي غسّان سلامة، وهو المشهود له بثقافة واسعة، هل نحن فعلًا في حاجة إلى وزارة للثقافة، والثقافة تكاد تكون محصورة بالمهرجانات الصيفيّة وعروض الأزياء؟ إنّ غياب الصفحات الثقافيّة عن أكثر الصحف والمجلّات والمواقع الإلكترونيّة، أو فلنقل تواضع موادّها ومقالاتها، يفضح ضمور الاهتمام بالثقافة. هذا كي لا نأتي على ذكر المحطّات التلفزيونيّة اللبنانيّة التي تعتبر الشأن الثقافيّ ضيفًا ثقيل الظلّ تكفيه بضع دقائق رفعًا لعتب ودفعًا للوم. أمّا المؤسّسات التربويّة حيث من الممكن أن نؤسّس لجمهور مثقّف فأسيرة صنميّة مناهج يضاعف من جمودها رضوخ المعلّمين لأوامرها ونواهيها.

ربّما من طبيعة الثقافة أن تُحصر في نخبة واعية مجتهدة فاعلة، لكن في مجتمعات أخرى أكثر وعيًا يبقى هناك حدّ أدنى من التقارب بين هذه النخبة وعامة الناس، أو يُفسح لها المجال على الأقلّ كي تطلّ على جمهور عريض ترشده وتوجّهه أو تثير حفيظته فيسأل ويسائل. أمّا أن تكون المهرجانات الصاخبة ومسلسلات رمضان المنتظرة بشغف ومتابعة أخبار الفنّانات والفنّانين وفيديوهات حياتهم الشخصيّة هي الجانب المشعّ في ليل ثقافتنا فأمور تشير إلى خلل واضح في البنية الثقافيّة العامّة. في المقابل تبدو مغيّبةً أو موسميّة عابرة معارضُ الكتب والمكتبات العامّة والمتاحف والفنون التشكيليّة والتصوير الفوتوغرافيّ والموسيقى الكلاسيكيّة والمسرح ومسرح الأطفال، وكلّها تعمل بشقّ النفس لإثبات وجودها وإكمال رسالتها.  

انطلاقًا من كلّ ذلك، يصير الترابط العملانيّ بين وزارات الثقافة والتربية والإعلام ضرورة حتميّة تهدف إلى إنقاذ الإنسان والمجتمع من البلادة الذهنيّة واضّطهاد الجمال والتنمّر على المثقّفين وتهميش دورهم. ففي المدرسة والجامعة واجب علينا أن نزرع شتول الفنّ والفكر والفلسفة والأدب، وفي المجتمع يمكن لنا أن نحصد ثمار ما زرعناه وعيًا وإدراكًا وعمقًا وجمالًا. يرافق كلّ ذلك تغطية إعلاميّة فتبدأ الصحف والمجلّات ومحطّات الإذاعة والتلفزيون بغربلة هذا الكمّ الهائل من المعلومات والأخبار فتسقط السطحيّ منها والسخيف والقبيح، وتبقي على العميق والجديّ والجميل.

وبغير ذلك سيزداد خطر الذكاء الاصطناعيّ، وسنقع كلّنا أكثر فأكثر تحت تأثير الآلة التي بدلًا من أن نستفيد منها ونجيّر دورها لخدمة الأصالة والرقيّ والخير والحقّ، صرنا أسراها المعتقلين في فخّ لاإنسانيّتها. 

ليس الأمر ببعيد حين كان مفهوم الثقافة عند العامّة مرتبطًا بتعلّم اللغات. فكنّا نقرأ عند تعيين أحدهم في منصب رفيع أو عند رثاء آخر من الشخصيّات العامّة أنّه يجيد ثلاث لغات. أمّا اليوم فما نفع أن نعرف عددًا من اللغات إن كان ما سنقوله فيها لا يتعدّى عددًا من الجمل؟ وهل نعلّم الأولاد اللغات لأنّ دور لبنان مرهون فقط للخدمات السياحيّة والمصرفيّة؟ فبفضل الذكاء الاصطناعيّ اليوم باتت اللغات في متناول الجميع، لكن ماذا نريد أن نقول في هذه اللغات، وأيّ رسالة إنسانيّة فكريّة حضاريّة نريد أن نحمّلها؟ وهل نملك الحسّ النقديّ، وهو جوهر الثقافة ونواتها، كي نناقش هذا الذكاء الذي اخترعناه واخترناه وسيلة معرفة؟ 

إنّ ثقافة الأكل لا تعني بالضرورة الانصراف عن المطالعة، وثقافة الأزياء وآخر صرعات الموضة لا تتعارض مع الفلسفة والفكر، وثقافة النوادي الرياضيّة لن يضيرها أن تترافق مع حسّ أخلاقيّ راقٍ، والعناية بأظافر اليدين والقدمين يمكنها التوافق بكلّ أناقة وجمال مع العناية بالعقل وتنظيفه من أوساخ علقت به بسبب تواتر أخبار لا تفيد بشيء. حتّى "ثقافة" التواصل الاجتماعيّ سترتفع مرتبة إن صارت، فضلًا عن جانبها الترفيهيّ الآني، وسيلة معرفة وعلم واطّلاع على أفكار تغذّي العقل وتهذّب النفس.

فلنحدّد الثقافة التي نريدها أوّلًا (ثقاقة السلام والإنسانيّة والانفتاح كحجر أساس)، ولنبدأ من المدارس والبيوت، لنجد لاحقًا مجتمعًا سويًّا، تتكامل فيه الفنون والآداب والعلوم وتتلاقح وتنتج. هي ورشة دائمة إذًا، لأنّ الثقافة ليست فعلًا جامدًا، وليست انفعالًا آنيًّا أو موضة قصيرة الموسم، هي ثورة متجدّدة وثروة لا ينضب معينها، وإلّا فلا داعي لوزارة ترتبط قيمتها بوزيرها، فتعلو أهميّتها بسبب اسمه ويبهت دورها حين تطالها المحاصصة.

  نشرت هذه المقالة على موقع cafein.press

https://www.cafein.press/post/ozar-lthkaf-kyd-aldrs

اقساط المدارس الخاصّة ضربة اضافية للطبقة الوسطى

 

https://www.cafein.press/post/aksat-almdars-alkhas-drb-adafy-lltbk-alost

يروى أنّ مطران بيروت للموارنة يوسف الدبس، مؤسّس مدرسة الحكمة، سأل القيّم عن الشؤون الماليّة عن وضع المدرسة فأخبره أنّها حقّقت ربحًا فأوعز إليه بتوزيع الربح على التلامذة. 

كان ذلك زمن إنشاء مدارس وطنيّة للطبقة الوسطى في القرن التاسع عشر، مدارس تراعي ظروفهم وتعمل على نشر العلم والمعرفة بينهم، من أجل نهضة وطنيّة تأخذ بالاعتبار ظروف المجتمع الخارج من تأثير الحربين العالميّتين والمجاعة.

لكنّ ذلك الزمن صار من التاريخ، والطبقة الوسطى إلى اضمحلال، وبالتالي فكلّ ما يتعلّق بها وبدعمها آيل إلى الزوال.

تقول المدارس الخاصّة إنّها "خاصّة" كما تؤكّد صفتها. وبالتالي تخضع لشروط يعرضها أصحاب هذه المدارس واضحة أمام الراغبين في وضع أولادهم فيها. وأولياء التلاميذ مطالبون بالاطّلاع على هذه الشروط قبل التوجّه إلى هذه المدرسة أو تلك. وتشمل هذه الشروط فضلًا عن القسط: اللغة الأجنبيّة للمدرسة، الزيّ الموحّد في حال وجوده، السلوك والانضباط، مسار الدروس، وسواها كثير. إذًا القضيّة قضيّة عرض وطلب. المدرسة تعرض عملها التربويّ وطريقة تنفيذه وكلفته والأهالي يوافقون أو يرفضون. 

لا يعني هذا الكلام دفاعًا أعمى عن ارتفاع الأقساط في المؤسّسات التربويّة الخاصّة العلمانيّة والكاثوليكيّة وسواها، ولكن في الوقت نفسه لا يعني أن تكون الرغبة في تسجيل الأولاد في المدرسة à la carte، أي نريد كأهل أن يكون أولادنا في أحسن مدرسة ولكن بأبخس قسط. فمن طلب العلى لأولاده في مستويات كثيرة: اجتماعيّة ورياضيّة وفنيّة وثقافيّة وأنشطة ورحلات عليه أن يسهر الليالي لتأمين القسط، في غياب سياسة تربويّة وطنيّة واضحة وشاملة.

ولا يعني كلّ ما سبق إعفاء المدارس من مسؤوليّة خياراتها في الانتماء إلى العالميّة عبر ضمّ المدرسة المفروض أنّها لبنانيّة إلى عالم الفرنكونفونيّة عبر الـ homologation أو إلى الأنغلوفونية عبر ال accredetatiaon، بالإضافة إلى البكالوريا الدوليّة IB. 

قبل أن أعتزل عالم التربية في المدارس الخاصّة، كنت أشهد على ارتفاع الأبنية وتوسيع الملاعب وتنوّع الأنشطة والرحلات داخل البلد وخارجه وتطوير التكنولوجيا، كان ذلك جزءًا من متطلّبات العولمة والحداثة، وكان الأهالي راضين بذلك بل يطالبون به. ولكن حين ترتفع الأقساط تقوم القيامة وتعلو صرخات الاحتجاج. وبمثل ما كنت شاهدة على النمو البنيانيّ والتحديث في المناهج الأجنبيّة كنت أشهد كذلك على انخفاض عدد التلامذة في الصفوف. وهذا أمر ستدفع ثمنه المدرسة من رصيدها الماليّ ومن جيوب الأثرياء الذين يريدون هذا المستوى العالميّ في التربية.

في البلاد التي يتمّ استيراد المناهج الأجنبيّة الحديثة ثمّة دعم، وثمة مدارس حكومية تؤمّن مستوى لائقًا، ولكن في لبنان يختلف الأمر. فحين سترضى المدارس الخاصّة بمساعدات من الدولة يعني أنّها فقدت حريّتها في التوظيف والصرف ووضع المناهج. وهذا أمر غير وارد لا في ذهن المدارس ولا في بال الأهل الذين عليهم أن يقرّروا أي مدرسة يريدون لأولادهم.

حين تألّفت الحكومة الحالية انتشرت عبارة: "المدرسة اللي بتخرّج وزرا" في إشارة إلى مدرسة السيّدة للأباء اليسوعيّين في الجمهور. هذا التباهي له كلفة وثمن، من المؤسف أنّ أكثر اللبنانيّين مستعدّون لدفعهما في مقابل مستقبل ليست الوزارة إلّا واحدة من وجوهه. ومن الواضح أنّ ثمّة من يقدر على دفعه من دون اعتراض أو رفض، لقدرته الماليّة أوّلًا ولأنّه يريد لأولاده رفقة من بيئة مترفة بغضّ النظر عن مصادر الأموال.

لا شكّ أنّ ثمّة طبقة أثرياء جدد بدأت تكتسح المدارس الخاصّة، بحسب ما أسمعه من معلّمات ومعلّمين في أرقى المدارس. فلم يعد الراتب إذًا مشكلة عند أفراد الهيئة التعليميّة في هذه الصروح التربويّة، بل نوعيّة التلامذة الذين باتوا "زبائن" يسمعون من أهلهم أنّ كلمتهم أقوى من كلمة المعلّمة وصار الواحد منهم قادرًا على القول بثقة "بيّي أقوى من بيّك". فهل هذا ما تريده المدارس اليوم؟

بالحكمة بدأت، وبالحكمة أختم. فحين تأسّست مدرسة الحكمة فرع مار يوحنا في منطقة برازيليا ببعبدا سنة 1960. كان رئيسها الأب لويس الحلو حريصًا على دمج طبقات اجتماعيّة مختلفة في صفّ واحد. كان يقول ما معناه: يجب أن تتقارب الطبقات الاجتماعيّة ويكتشف بعضها البعض الآخر. هكذا يتبادل التلامذة الخبرات والتصرّفات فيتعلّمون من بعضهم ويندمجون من دون أن نسمح لطبقة بالتكبّر بحجّة مرتبتها الاجتماعيّة ولا لطبقة بالخجل من وضعها الاجتماعيّ. 

كان ذلك زمن الحكمة والحكماء. وكانت التربية رسالة، وكانت المدرسة الخاصّة الوطنيّة ركنًا من أركان نهوض لبنان في عصره الذهبيّ. 

أمّا اليوم فالتعليم لمن لم يفقد مدّخراته في المصارف، والملاعب الشاسعة فخر المؤسّسات التربويّة في حين أنّ المكتبة في المدرسة تقفر وتصغر وتصفّر الكتب ولا من يقرأ أو يهتمّ.

* نشرت هذه المقالة على موقع cafein.press# في تاريخ 16 أيلول 2025


الجمعة، 5 ديسمبر 2025

صباح امرأة من ضوء مكسور

 

 



قبل أن أولد كانت صباح ضيفة بيتنا. فابن عمّ والدي طانيوس عبدو (القصّيفي) كان أحد شعراء جوقة الزجل التي يرأسها أسعد الفغالي المعروف بشحرور الوادي، وهو عمّ الفنّانة صباح التي اتّخذت لقب الشحرورة تيّمنًا به. وبالتالي كانت أخبار الشحرور والشحرورة خبزنا اليوميّ حين تقام الولائم في بيتنا بمناسبة وبغير مناسبة. فالزجل والأغنيات ما كانا ليغيبا عن البيوت في زمن وسيط بين الراديو ذي الإبرة النقّالة والتلفزيون ذي القوائم الأربع.

فيروز دخلت معنا نحن البنات والأبناء إلى مسامع الأهل بأغنياتها، بعدما كانت مرتبطة في بال الوالدة تحديدًا بتراتيل الآلام في الجمعة العظيمة. كما أنّ والدتي اعتبرتها دائمًا "جامدة" ولا تضحك، على عكس ما كانت عليه صباح.

كانت أخبار صباح تتنقّل في سرديّات مجتمعنا الصغير وتثير خيالنا، ثمّ بدأنا نشاهدها في الأفلام والمقابلات ونكتشف امرأة من ضوء يتحدّى شاشة بلونين وحيدين هما الأبيض والأسود. كانت باهرة الحضور في مقابل رهبة فيروز. وهذا ما جعل والديّ يفضّلانها.

كانت حياتها الصاخبة نقيض حياتنا الهادئة، وحين قُتلت والدتها صارت بالنسبة إليّ تحديدًا موضوعًا أرغب في كتابة تفاصيله. وبدأت أسجّل في ذاكرتي ما يحكى في سهرات جوهرها الحكايات: عن الجنّ والصيد والطرائف والمبالغات، وعن المهاجرين المغامرين، فلماذا لا تكون جريمة الشرف واحدة من هذه الحكايات.

أذكر أنّهم قالوا أن الأم عشقت رجلًا من عائلة العيتاني، أي نحن أمام قصّة حبّ. فوالد جانيت الفغالي (صباح) كان قاسيًا عنيدًا يرافق ابنته إلى مصر ويأخذ أجرها، والأم متروكة في لبنان.

وأذكر أنّهم قالوا إنّ القاتل ليس الابن، بل أحد أفراد العائلة، ولكنّهم ارتأوا أن يلصقوا التهمة بالابن القاصر كي تصحّ جريمة الشرف، ولأنّ من السهل تهريبه إلى البرازيل. أي نحن أمام قصّة جريمة تتطلّب التحقيق.

عاش الابن في البرازيل وسامحته صباح لأنّها عرفت الحقيقة. لكنّها في المقابل أخذت عهدًا على نفسها ألّا يجمعها سقف مع رجل إلّا من خلال الزواج... ولو لليلة واحدة. فما دام الحبّ يقتل فلماذا المخاطرة؟

قالوا الكثير، وتكفّلت مخيّلتي بالباقي.فصرت في كلّ مرّة أتابع مقابلة مع صباح أحاول أن ألتقط خيطًا يقودني إلى فكّ اللغز ومعرفة الحقيقة عن تلك الجريمة في عصر انتشرت فيه جرائم الشرف حتّى باتت خبرًا يوميًّا لا تخلو صفحات الجرائد منه.

الابن أنطوان الذي غسل عار العائلة وقتل أمه وعشيقها في منطقة قرب برمّانا، هرب إلى سوريا ومنها إلى البرازيل حيث  اتّخذ اسم ألبرت وعمل في مجال المطاعم. ثمّ تزوّج وأنجب صبيًّا سمّاه ريكاردو يهوى الموسيقى ويعمل في مجالها، وفتاة اسمها "جانديارا"، هي طبيبة ونائبة في البرلمان البرازيليّ وتوفت عام 2011 بنوبة فلبيّة وهي نائمة. وبسبب مرور الزمن على الجريمة، استطاع أنطوان أن يعود إلى لبنان برفقة ابنته، فالتقت عمّاتها ومنهنّ صباح التي نعتها في المجلس النيابيّ البرازيلي يوم وفاتها.

حكاية صباح بين مقتل الوالدة بسبب العشق وحياتها هي من غير أن تعرف العشق من أكثر الحكايات إثارة للحزن والأسى. شعوران يعرفهما من يسمع أبعد من الأوف التي اشتهرت بها، أو الضحكة المجلجلة التي أسعدت بها الناس، ومن يرى خلف الفساتين الأنيقة جسدًا بحث عن الحنان ولم يجده لا في الوالدين ولا في الأزواج ولا في الأولاد.

 

 

 

 

الجمعة، 14 نوفمبر 2025

الريحانيّة رعيّة مع وقف التنفيذ

الخوري نبيل الحاج في زيّاح الشعانين



بنيت كنيسة مار الياس الريحانية عام 1960، وكنت مع ابنة عمي أوّل من تلقّى سرّ العماد على مذبحها. ولأن البلدة تعتبر تابعة لبعبدا، كان خادم رعيّة مار عبدا وفوقا هو القائم على شؤونها الرعويّة والروحيّة بحسب ما يسمح له الوقت. ومع ذلك عرفت الرعيّة ثلاثة عهود ذهبيّة، أعطيت فيها حقّها من الاهتمام والأنشطة.
في عهد الخوري الراحل نبيل الحاج، كانت الريحانيّة لا تزال ملأى بالناس، وخصوصًا من الفئة العمريّة الشابّة. وعلى الرغم من الحرب، ومشاغل الخوري نبيل، استطاعت الرعيّة أن تحقّق حياة اجتماعيّة لافتة جعلتها قدوة بين الرعايا المحيطة بها. ففي كلّ مناسبة مهرجان، ولكلّ عيد احتفال، ولكلّ عمر نشاط. ثمّ ترك الخوري نبيل الرعية وهاجر كثر من أبناء البلدة، وغرقت الكنيسة في سبات عميق إلى أن استلم شؤونها الخوري جهاد صليبا الذي لم يعد كاهنًا وعاد إلى حياته العلمانيّة. لكنّه أثناء خدمته الرعية جمع شبّانها وشاباتها الذين ما كانوا قد ولدوا زمن الخوري نبيل، وأطلق نهضة لافتة. ومع تركه الرعية ثمّ الكهنوت، عادت الرتابة إلى البلدة التي صارت تكتفي بقدّاس يوم الأحد، وهمدت الحركة في بلدة تدور حياتها حول الكنيسة وتتعلّق أنفاسها بحبل جرسها.
ومنذ أعوام استلم شؤون البلدة الخوري جورج كميد الذي رأى أنّ البلدة تستحقّ أن تستقلّ راعويًّا عن بعبدا، وأن يكون لها كاهن خاصّ بها. فحركة العمران استقطبت ساكنين جددًا وبالتالي تحوّل الحيّ الصغير المقتصر على أبنائه بلدة كبيرة ملأى بالناس، وما عاد كاهن بعبدا قادرًا وحده على خدمة رعيّتين. وبالفعل، استطاع هذا الكاهن أن يجدّد الحياة في الرعية وأن يستقطب سكّان الأبنيّة الحديثة، ما جعل عدد القداديس ثلاثة يوم الأحد، وواحدًا يوم السبت، وأقام مناولة أولى لأطفال مصابين بالتوحّد، وسوى ذلك من الأنشطة الروحيّة والاجتماعيّة والسهرات التي جعلت الريحانية تضجّ بالحياة. وفجأة ترك الخوري الرعية بعد خلاف مع مطران بيروت بولس عبد الساتر، وعادت رعيّة الريحانيّة إلى حضن رعيّة بعبدا.
اللافت في أمر الكهنة الثلاثة أنّ الأوّل كان سابقًا عصره لاهوتيًّا وفكريًّا، متحرّرًا بلا تفلّت من الروحانيّات، رؤيويًّا ترجم حياة البابا يوحنّا بولس الثاني قبل أن يخطر لأحد أنّ هذا البابا سيكون قدّيسًا. وكانت أفكاره الثوريّة موضع خلاف مع المطران اغناطيوس زيادة. والخوري (سابقًا) جهاد صليبا كان، كما أشيع وقتذاك، على خلاف مع المطران بولس مطر ما جعله يترك الكهنوت. وتكرّر الأمر مع الخوري كميد الذي أصرّ على "تظهير" حدود رعيّة مار الياس نزولًا رغبة أهلها لتحافظ على كيانها، فوقع الخلاف مع المطران بولس عبد الساتر.
من المهمّ أن أشير هنا إلى أنّ أهل الريحانيّة لا يمكنهم أن ينفصلوا عن بعبدا لكون مدافنهم فيها، لكنّ مطلبهم كان ولا يزال أن تُعطى كنيستهم اهتمامًا يحافظ على التزامهم بها، ويبقي الحركة ناشطة فيها. لكنّ مطران بيروت يقول إنّ الرعايا كثيرة وعدد الكهنة قليل وهو مجبر على دمج الرعايا الصغيرة بالرعايا الأكبر. وفاته أن يذكر أنّ أربعة عشر كاهنًا تركوا الكهنوت أو اعتصموا في بيوتهم بسبب خلافات معه.
مرّة جديدة تخسر الريحانيّة معركتها، وتذوب بسبب هجرة أبنائها واجتياح العمران الحديث الراقي حقولها وبساتينها، والهجوم غير المسبوق لشراء الشقق الباهظة الثمن فيها حتى أنّ أهلها صاروا هم الغرباء عنها. وضاع اسمها بين من يقول أنّه يقيم في اليرزة لرفع شأن مسكنه، أو من يقول أنّ شقّته في برازيليا (بسبب بيت السفير البرازيلي)، أو من يظنّ أنّ المتاجر التي أنشئت فيها هي في الفياضيّة أو الحازميّة.
أمّا أهلها المقيمون والذين لا يتجاوز عددهم الخمسين فموزّعون بين مريض وعجوز وطفل، أمّا الصبايا والشبّان (عددهم سبعة) فينتظرون تأشيرة هجرة بعدما غرقت الكنيسة (المرتبطة بالأعراس والعمادات واحتفالات القربانة الأولى والمآتم) في سكينة الانطفاء.
ولكن ما غاب عن بال الجميع إنّ أكثر الوافدين على البلدة المتنازع عليها من غير المسيحيّين، وأن كثرًا منهم بات ينزعج من بثّ القداديس عبر مكبّرات الصوت، وهو أمر يطالب به كبار السن والمرضى العاجزون عن المشاركة في الاحتفالات الدينيّة.


سبت ألبعازر مع الشبيبة في عهد الخوري (سابقًا) جهاد صليبا
(أكثرهم باتوا مهاجرين)

 كميد
ترانيم في عهد الخوري جورج كميد

الخميس، 13 نوفمبر 2025

الريحانيّة تخسر مستشفى سان شارل

مستشفى سان شارل يشرف على بيوتنا في الريحانيّة


 الريحانيّة تخسر مستشفى سان شارل

لم يخطر لي من قبل أن أبحث عن تاريخ مستشفى سان شارل. فهذا المبنى رافق محطّات مصيريّة ومفصليّة في حياتنا نحن أهل الريحانية حتى بدا كأنّه امتداد طبيعيّ لبيوتنا. ولا يبحث المرء عن تاريخ بيته إلّا متى حدث ما يدعوه إلى ذلك. وقد حدث ما يدعوني إلى التنقيب في تاريخ المستشفى وفي الذاكرة.
بنت الرهبنة الألمانيّة المسمّاة على اسم القدّيس شارل المستشفى في عين المريسة عام 1908، وفي العام 1963، انتقل المستشفى إلى الريحانيّة، وفي 1980 انتقل إلى راهبات القلبين الأقدسين، وفي آب 2022 صار تابعًا لمستشفى أوتيل ديو ولجامعة القديس يوسف.
بالنسبة إلينا كان مستشفانا. وكفى.
كان المريض منّا حين يمرّ على قسم المحاسبة قبل أن يغادر، يقول له مسؤول المحاسبة: يا عمي ع شو مستعجل؟ المستشفى إلكن إنتو أهل الريحانية، هلأ عاجقة عليي، الحمد لله ع السلامة وتبقى مرق ادفع بعدين.
كنّا نعرف الفريق الطبيّ والتمريضيّ والإداريّ، وكانوا كلّهم يعرفوننا بالاسم لا بالمرض ولا برقم الغرفة.
اليوم خسرنا كلّ هذا، وصار المستشفى مكانًا غريبًا، نقصده برهبة ونغادره متحسّرين على زمن الراهبات الألمانيّات اللواتي، وإن باعدت بيننا اللغة، عرفن كيف يكسبن القلوب بلغة المحبّة.
أهل الريحانيّة اليوم لا يتجاوز عددهم الخمسين مقيمًا، بعدما جذبت الغربة بناتها وأبناءها فتوزّعوا بين أستراليا وكندا وفرنسا وبريطانيا ودول الخليج، تاركين خلفهم العجزة والمرضى وأولاد خمسة.
***
في العاشرة من عمري خضعت لعمليّة جراحيّة كانت تستدعي بقائي في المستشفى شهرًا كاملًا، غير أن الدكتور رامز عوّاد، طبيب العظام، قال لوالدي: عندك عائلة وستكون الكلفة باهظة. بيتكم على طريقي، ستغادر ابنتكم بعد أسبوع، وسأمرّ عليكم كلّ يوم صباحًا لأقوم بعمليّة تطويل الساق، وأجرتي كوب من العصير.
وهكذا سائر أطباء تلك المرحلة. الدكتور الجرّاح شاهين بو سليمان، لا يزال، بالرغم من تقدّمه في السنّ، كلّما مرّ مع سائقه من أمام بيتنا، يتوقّف ويسأل عن كلّ منّا بالاسم.
وبعدهما وسواهما، استلم المهمّة الإنسانيّة الدكتور ميشال فغالي الذي يزور مرضاه صباحًا ومساء، ويردّ على الاتّصالات الهاتفيّة، ويتابع حالاتهم في بيوتهم.
كان أصدقاؤنا يستغربون إصرارنا على الاستشفاء في سان شارل حتّى بعد رحيل الراهبات الألمانيات. وكان جوابنا دائمًا: "نعرف الجميع وهم يعرفوننا. نشعر بالأمان فيه". حتّى عندما استحدثت الإدارة الجديدة مواقف للسيّارات ذات تعرفة باهظة، بقي الموظفون يتساهلون إن ركنّا السيّارة لدقائق مردّدين العبارة نفسها: يا جماعة المستشفى إلكن وإنتو قبلنا هون.
اليوم أخذوا منّا مركز أماننا إن مرضنا. كأن لا يكفي الريحانيّة ما أصابها من هجرة واجتياح الباطون وهجوم سماسرة الأرض حتى اكتمل مشهد الخراب بتحوّل المستشفى مكانًا تسكنه البرودة وتتنزّه في أروقته شرطة الوقت، ويلاحقنا المحاسب كأنّنا سنحمل كيس المصل ونهرب.
***
من حقّ الإدارة الجديدة أن تحوّل مستشفى سان شارل مركزًا جامعيًّا حديثًا وأن تعمل بعقليّة رجال الأعمال، ومن حقّنا أن نتذكّر ونحزن لأنّ الحياة في الريحانيّة لم تعد كما كانت عليه... وكذلك المرض ومواجهة خطر الموت. لقد خسرنا مستشفانا الآمن حيث غادرت أرواح أقربائنا وأنسبائنا أجسادها وهي محاطة بالرعاية والمحبة.
***
فلنعترف بأنّ الخمسين الباقين من أهل الريحانيّة ليسوا زبائن "ربّيحين" من حيث العدد على الرغم من كونهم جميعًا يحملون بطاقات التأمين الصحّي يبرزونها في وجه الإدارة كي تطمئن.
التجديد من طبيعة الحياة الاستشفائيّة وواجب علميّ على شرط ألّا يكون قلب المجدّدين من حديد.
الصورة: سان شارل يشرف على بيوتنا

حكايات القميص الأزرق (2)


 

حكايات القميص الأزرق (2)

     حين سألتني عن قمصانك الزرق المختفية من خزانتك ضحكت قبل أن أخفي وجهي في الوسادة كأنّها ستعفيني من مواجهة تبدو علاماتها على وجهك. وإذا بك تنتزع الوسادة وأنت تقول بلهجة لا تخلو من المداعبة: لا تتهرّبي من الإجابة. هناك قمصان ناقصة. واجهتك وأنا أقف على الكنبة كي أبدو أكثر طولًا منك، وفي محاولة منّي للهيمنة على الوضع: حسنًا. لقد أخذت بعضها وصارت لي.

     أمام ضحكتك الصاخبة شعرت بأنّني هُزمت. فسألتك لماذا تضحك. قلت لي: لكنّك ارتديتها كلّها فما حاجتك إلى بعضها. أجبت وقد شعرت بانّني سأحقّق انتصاري الموعود: لا. الوضع الآن مختلف. فهذه القمصان المصادرة لن تعود إلى خزانتك. أصلًا هي صارت قديمة وبات عليك أن تشتري غيرها.

     سألتني: ما دامت قديمة فماذا ستفعلين بها؟ جلست "متربّعة" على الكنبة وبدأت أحصي على أصابعي: القميصان الرقيقان للنوم، والقميص السميك للعمل في الحديقة، والقميص المخطّط بالأبيض للعمل في المطبخ، والـ "تي شيرت" لممارسة الرياضة، والقميص القطنيّ أرتديه بعد الاستحمام... أنا أؤمن يا حبيبي بإعادة تدوير الأقمشة ولا أسمح لقمصانك بمغادرة هذا المنزل.

     أذكر جيدًا كيف كنت تنظر إليّ وأنا أتكلّم وأحصي وأقرّر. كنت تفكّر في أنّ القدر وضع في طريقك امرأة مجنونة لا يمكنك أن تحزر ما قد يدور في رأسها.

     آخ من رأس حبيبتك يا حبيبي. ليتك تفرغه من كلّ ما ومن فيه وتبقى وحدك.

     كنت تفعل ذلك حين تنتابني نوبات الكآبة وأعجز عن الكتابة وأغرق في نوبة بكاء لا أعرف سببها. كنت تأخذ رأسي وتغرقه في صدرك وأنت تهمس: اغرقي هنا، في صدري، أفكارك السوداء. أفرغي هنا، في صدري كلّ دموع عينيك. ولا تتكلّمي لأنّني أفهم ما تمرّين به.

     من علّمك كيف تأتي إليّ من باب الحنان؟ أعرف أنّك قرأت كتبي ومقالاتي ومنشوراتي قبل أن نلتقي، وأعرف أنّ النساء بشكل عامّ يحتجن إلى حنان الرجل. لكنّك كنت الرجل الذي لا يريد أن يكسر القاعدة ليثبت للمرأة أنّ الجنس قد يكون متنفّسًا لكآبة أو مهربًا من مشكلة.

     كنت تعلم أنّ البكاء قد ينتهي بعناق لكنك لم تعترض حين كنت أبتعد، وأنّ الكآبة قد تقود إلى الكتابة لا إلى السرير. فتتركني ولا تحاول لمسي حين أرغب في أن أنزوي في عالمي الداخليّ، حيث أنت بلا جسد وبلا رغبات. بل وجود مطمئن كطاقة داخليّة تشتعل شيئًا فشيئًا قبل أن تراك مجسّدًا أمامها فأبحث عنك لأشمّ رائحتك.

     الرائحة! أنا الشديدة الحساسيّة تجاه الروائح والعطور كيف حصل أن صار لك رائحة هي مزيج من بوح مسامك وعطرك الذي لم تكن تدلقه كما يفعل بعض الرجال. آه من رائحتك التي تبدو من إنتاج الطبيعة لا خارجة من مصنع. آه منها حين تضعف مقاومتي وتخدّرني فأستسلم طوعًا لها، وأشعر بأنّني في غابة مسحورة يجتمع فيها ضوء يتسلّل بين الأغصان وعبق يفوح من نباتات بريّة وهدير شلالات يغري بالارتماء فيه... فأرتمي بك!

حكايات القميص الأزرق (1)

 


حكايات القميص الأزرق (1)

     لم أجد أنسب من كلمة "حكايات" تليق بقميصك الأزرق. وتقصّدت ألّا أكتب "حكاياتي". فهذه الياء التي تنسب حكايات قميصك إليّ أفضّل أن أتركها للقميص حين أرتديه فيصير قميصك قميصي، وأصيرك. وأنا في الأصل "حكواتيّة". صحيح أنّ كثرًا يعتبرونني أديبة أو روائيّة أو كاتبة. لكنّي، ولكي أكون صادقة مع نفسي أوّلًا ومعك ثانيًا أشعر بأنّي من سلالة جدّتي شهرزاد. أحكي لأنجو. أحكي وأحيك كجدتي أمّ والدي وكما غنّت فيروز: بحيّك حكاية وبحيّك تكّاية. أمّا صفة شاعرة فأهرب منها كما كانت ساحرات القرون الوسطى يهربن من تهمة الشعوذة. لا أعتقد أنّني سأتحمّل أن أكون شاعرة. فهذه مسؤولية مخيفة، ورسالة لا أجرؤ على تخيّل فكرة حملها وإيصالها. أمّا كلمة الحكّاءة فثقيلة الوقع وقد تحمل معنى الحكي الكثير والذي قد يكون لا قيمة له. وهذا ما لا أرضاه لقميصك. قميصك الأزرق الذي يصيّرني زهريّة اللون حين أرتديه مجترحًا أعجوبة تحويلي أنثى بطعم الحلوى، تلك التي يلّفونها بورق رقيق كي لا تذوب بين الأصابع بل بين الشفتين.

     لا أذكر متى بدأت حكاية قميصك الأزرق ولا كيف. أذكر أنّني حين رأيتك ترتديه في لقائنا الأوّل خطر لي أن أجعلكه. وهذا ما حصل فعلًا. لقاء أوّل كان دوره أن نتعارف فأذا بنا نتعانق كأنّنا نعرف بعضنا من حيوات سابقة كثيرة ومتنوّعة الأمكنة والأزمنة. حتى أنّ جسمك كان أليفًا كأنني داعبته مئات المرّات قبل ذلك اللقاء، لقاء التعارف الذي صار لقاء عارفَين يعلمان جيدًا ماذا يريدان. بعد هذا اللقاء صار قميصك حلمًا أراني كلّ ليلة أجعلكه وأكويه لأعود فأجعلكه. صحيح أنّك كنت ترتدي قمصانًا غيره، لكنّ اللون الأزرق صار لونك المفضّل، تبحث عن تدرّجاته في قمصان  من أقمشة مختلفة تلائم الفصول، وكنزات تتحدّى أصابعي التي تريد تجميعها في قبضتي وجعلكتها. فأخلعها عنك وأنا أردّ التحدّي بآخر.

     هل لأنّ الازرق ارتبط بلقائنا الأوّل الذي يعود لماض بعيد صار هو الحبّ والحبيب؟ مذ كتبت عن لقائنا في تلك الصحيفة التي بدأت نشر مقالاتي فيها والأزرق يصول ويجول في عناوين روايات ودواوين، وفي أحلام نساء تقيم البرودة في حياتهنّ. لكنّ الأزرق الذي لم يلامس جسمي ليس هو الأصيل والأصليّ. سيبقى عندهنّ وعندهم عابرًا، مجرّد لون سيبهت مع الزمن. إن كان صفة لبيت فمع الوقت سيحتاج إلى طلاء. إن كان لقميص غير قميصك فسوف يعتق ويُستبدل بآخر. لكنّ قميصك حالة عشق تتجدّد مع كلّ لقاء، ولونه همسة خلف أذني حيث عرفتَ من اللقاء الأوّل أنّ رغبتي تفور من هناك لنسبح معًا في مائها.

     ارتديتَ مرّة قميصًا أزرق مخطّطًا بالأبيض، كنّا في المقهى الذي اعتدنا اللقاء فيه حين نخرج إلى العلن، فكتبت لك على محرمة ورقيّة تناولتها من على الطاولة:

كلّ خطّين أبيضين متوازيين

في قميصِك الأزرق المقلّم

يلتقيان

عند نقطة من نقاط لهفتي.

     كنت أغريك لنعود سريعًا إلى البيت. ضحكت وأنت تقرأ الكلمات وعيناك تلمعان وقلت لي: دعينا على الأقل نشرب القهوة. عيب. سيزعل صديقك النادل إن رحلنا بسرعة.

     دائم السخرية أنت من علاقتي بنُدل المقاهي. تسألني كلّ مرّة: لن أفهم أبدًا كيف يسهل عليك إقامة حوار مع هؤلاء الغرباء وأنت تهوين العزلة وأصدقاؤك لا يتجاوز عددهم أصابع يد واحدة.

     وفي كلّ مرّة كنت أجيب: لأنّهم عابرون. منهم من ينتظر عملًا آخر أعلى أجرًا. ومنهم من ينتظر تأشيرة هجرة. ومنهم من يصبر على وقاحة بعض الزبائن كي يجمع قسط الجامعة... لكنّهم في النهاية سيرحلون.

     أجبتني مرّة: أصدقاؤك هؤلاء يبحثون عن مستقبلهم في مكان ما من هذا العالم. متى تؤمنين بأنّنا أولاد الحاضر الذي يجمعنا؟ الماضي قاد أحدنا إلى الآخر وانتهى دوره. أمّا المستقبل فهو ما سيحدث بعد قليل. ثم ابتسمت وأنت تمدّ يدك طالبًا أن تلاقيها يدي وقلت: تعالي لأخبرك عمّا يخبّئه لك هذا المستقبل الذي ينتظرنا في البيت. وغمزتني وتابعت: وبالتأكيد لن تجديه جالسًا في صالة الاستقبال.

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.