الثلاثاء، 9 فبراير 2021

رسالة العيد إلى القدّيس مارون

 

عزيزي القدّيس مارون،

اسمح لي أن أهنّئك في عيدك هذه السنة، إذ قد تكون هذه السنة مميّزة في تاريخ الاحتفالات بعيدك. فأنت يا عزيزي الناسك، وربّما للمرّة الأولى منذ زمن بعيد، واحد منّا. صحيح أنّنا لم نختر، كما فعلتَ أنت، النسك والزهد والفقر، لكنّنا، ولأسباب كثيرة، منعزلون في بيوتنا، نقترب من الفقر، محاطون بالاضطهاد. صحيح أنّ صلاتنا لم تصل بعد إلى سموّ صلاتك، وعلى الأرجح لن تصل، لكنّنا بتنا نعرف، ولو قليلًا، شيئًا عن العزلة على الرغم من وسائل التواصل الموجودة بين أيدينا.

وأهنّئك ثانيًا لأن لا قداديس تقام في ذكراك، وخصوصًا تلك الاحتفالية الرسميّة التي لن يكون مرحّبًا بك فيها لو حضرت بسبب ملابسك الرثّة، وقدميك الحافيتين المشققتين. وهذه مشكلتك يا صديقي، فلا أنت من وجهاء القدّيسين ولا من صانعي العجائب. بربّك قل لي متى كانت آخر أعجوبة اجترحتها واحتلّت صفحات المواقع الاجتماعيّة والصحف؟ أنت تعرف أنّ الناس لا يؤمنون إلا بشفاءات الجسد، لذلك سبقك شربل وصار طبيب السماء، بينما أنت تغرق سنة بعد سنة في النسيان والغياب، ولا تحضر إلّا يوم عيدك، في احتفال رسميّ لا شعبيّة له.

لاحظ معي يا ناسكي الفقير كيف أن أبناء الطائفة التي صارت على اسمك ما عادوا يطلقون اسم مارون على أبنائهم الذكور، وبات اسم صديقك شربل السبّاق في هذا المجال. أتعرف لماذا، لأنّ الموارنة باتوا يؤمنون بما يرون، وأنت قديم عتيق بالكاد يعرف تاريخك نخبة من مؤرّخيهم وأساقفتهم. حتى أنّ أتباعك لم يجدوا في حياتك ما يستحقّ أن يخرج في فيلم يحكي سيرتك... فأنت لم تفعل سوى الصلاة. فهل تتخيّل فيلمًا كلّه عزلة وصلاة؟ لا إثارة فيه ولا تشويق ولا شبّاك تذاكر؟

مارون يا صديقي، بعض الموارنة صاروا شربليين، ورفقاويين، حتّى الحرديني لن ينال حظوة، فهم يريدون أطباء سريعي الفعالية، أمّا أكثرهم فتوزّع بين العونيّين والباسيليّين والجعجعيّين والفرنجيّين، يعني صارت جماعتك من محبّي الخدمات، يعني "كما تراني يا جميل أراك"، بتخدمنا منآمن فيك. وأنت بم خدمتنا؟

فلا نحن أمّة ولا قوم ولا إثنيّة ولا شعب... ولولا يوحنا مارون الذي يترافق وجوده مع كثير من علامات الاستفهام، لبقيت ناسكًا لم تصل أصداء سيرتك إلينا. فاخدمنا واشف مرضانا واحم كرسي رئاستنا لنسمّي أولادنا على اسمك. ادخل إلى أي صفّ في مدرسة تابعة لإخوتنا الشيعة واصرخ يا علي أو يا حسين، وسترى الصفّ كلّه وحدة متراصة لبّت النداء. وادخل إلى صفّ في مدرسة لإخوتنا السنّة ونادِ على محمّد، وستجد كيف لبّى أكثر من في الصفّ النداء. ألم تسمع بالمحمودات عند زياد الرحباني؟

لذلك يا مارون، أيّها السيّد الصغير بحسب ما يعنيه اسمك، عليك أن تقرّر من أنت وماذا تريد من أتباعك؟ أتريدهم نسّاكًا مزراعين كما كنت؟ حسنًا قل لهم إنّ مجد لبنان في التراب المزيّن بالزهر والشجر لا في العباءات المطرّزة، وفوق قمم الجبال لا فوق قبب الكاتدرائيّات، وفي صلابة الصخر لا في تيسنة الماعز.

في رأيي المتواضع، ولست مؤرّخة أو لاهوتيّة ولا عالمة آثار أو اجتماع ، المارونيّة رهبنة نسكيّة تكوّن مجتمعًا يساوي بين المعلّم والمتعلّم والعامل، يترك رهبانها وراهباتها ومن ينضمّ إليهم  الكراسي ليجلسوا على الأرض، فيرتقون بالحريّة كالأشجار. ويتمسّكون بالمعول والقلم ليعرفوا السكينة، ويتقاسمون الرغيف فلا يكون بينهم متخم أو جائع. وهؤلاء موجودون في كثير من الطوائف والمذاهب والأحزاب، لكنّهم لا يعرفون أنّهم موارنة على صورتك ومثالك، وربّما أكثر من الذين ولدوا موارنة.  

ملاحظة أخيرة: لا تعتب على موارنة اليوم الذين احتفوا بإعلاميّة زيّنوا بصورتها صفحاتهم، وتناقلوا كلماتها التي لا شيء جديدًا فيها، ولم يتركوا لصورتك ولو زاوية.

 

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.